(( فتح باب الحوار ))
|
افتتح الدكتور غازي زين عوض الله الحوار بالسؤال التالي: |
- في ظل تقدم العلوم وتطورها، أصبح التخصص سمة من سمات العلوم الحديثة؛ غير أننا نلاحظ أن أساتذة الأدب والنقد الأكاديميين لم يلتزموا في دراساتهم النقدية التي يطبقونها على النصوص الأدبية مراعاة تخصص التخصص؛ أعني أن يكون لكل جنس أدبي ناقد متخصص، أحدهم في الشعر وآخر في النثر، وهكذا دواليك.. فما رأي أحد رموز النقد الأدبي في هذه التهمة الموجهة للأكاديميين المتخصصين؟ |
|
وأجاب المحتفى به قائلاً: |
- إنه سؤال جميل.. أما بالنسبة لي فأختلف عن غيري بحكم عملي.. أنا بدأت بالفلسفة والاجتماع، ومن ثم درست اللغة العربية، ثم ذهبت إلى إنجلترا فعرفت الأدب الإنجليزي، فجمعت الأدب من أطراف عدة، ووفقني الله وأصبحت عضواً في مجامع متعددة - كما قيل لكم - سواء كانت أجنبية أم عربية، وبحكم عملي.. ففي يوم أشتغل بالمعجم الكبير، ويوماً أشتغل بالكيمياء، ومرةً أعمل في أدوات السيارة، نعم وضعنا بالمجامع مصطلحات لكل آلة من آلات السيارات، ويوم نشتغل في مصطلحات الطب والفيزياء؛ فأرجو أن أعفى من هذا الخط، ولكني أقر بأن الأديب يجب أن يكون ناقداً وأن يكون الناقد أديباً، ومن تجاربي المحدودة وجدت المبدعين الَّذين يخفقون، ولم أقل يفشلون.. لأن الفشل هو الجبن، يصبحون نقاداً.. أولهم: طه حسين والأمثلة كثيرة؛ فالمبدع سواء أكان شاعراً أم كان كاتباً.. أو أصبح ناقداً، يكون نجاحه أكثر من نجاح كاتب يبدأ بالنقد مباشرة، وأنا أميل إلى الأدب الموسوعي أكثر.. وشكراً على السؤال الجميل. |
ووجه الأستاذ عدنان حسن فقي السؤال التالي: |
- هل لنا أن نعرف كيف نقيم الوسطية بين التيارات النقدية والأدبية، المتصارعة بين قديمها وحديثها، ونحن أمة وسطاً؟ |
وكان رد المحتفى به على السؤال ما يلي: |
- الأخ عدنان: سؤالك لطيف، والحقيقة أن المشكلة في المثقف نفسه، ويمكن أن أصنف الكتاب النقاد إلى ثلاثة أصناف.. فالصنف الأول: من درس الأدب العربي الأصيل دراسة عميقة، ولكنه لم يتعرف على الأدب الغربي؛ والثاني: الَّذي انبهر بالأدب الغربي ولم يدرس الأدب العربي، فنظر إلى أدبنا نظرة محدودة سطحية، فهو لا يرتاح له لأنه لم يدرسه ولم يفهمه؛ والصنف الثالث: الَّذي جمع بين الفكر العربي الأصيل ودرس الأدب الغربي، فليست هنا وسطية. |
- إن أكثر الكُتَّاب والنقاد الَّذين يكتبون في الجرائد السيارة، يفرحون إذا ذكروا ت.اس ايلوت أو كولروج؛ دون أن يعرفوا جذور الفكر الأدبي والاجتماعي والديني لهما، ويتحدث الكاتب عن بودلير وملارميه، وهو لا يعرف الظروف الاجتماعية التي أحاطت بأدبهما وثقافتهما، ويذكر جان جانيه ولكنه لا يعرف تاريخه النفسي وما حواه هذا التاريخ، وهو لا يعرف كتاب النقد العربي، فلا يذكر الآمدي وابن سلام الجمحي والجرجاني.. وقلما يستشهد كُتَّابنا في الصحافة بالقرآن الكريم، والحديث النبوي، أو بيت من الشعر، أو مثل من الأمثلة الخالدة..، إنما هي عقدة الأجنبي التي سيطرت على ذهن هؤلاء فانبهروا بالغرب. |
- ومن ظريف ما حدث لي وأنا أحضر الدكتوراة، أن تعرفت على طالب يدرس مثلي في انكلترا، فكان يضمن قوله كلمات إنكليزية أو اصطلاحات غربية، وكنت - حياء - أهز رأسي دون أن أفهم جيداً.. ولما ذهبت إلى انكلترا كان همي الأول الاتصال به لأنه يتقن اللغتين، ولكن لما تقابلنا نسي اللغة الإنكليزية بتاتاً. |
- يقرأ أكثر كُتَّاب الصحف الأدب المترجم وما فيه من أغلاط في الترجمة والمعاني، فتكون ثقافتهم ناقصة، ولو أنهم درسوا التيارات الجديدة بعمق، لكان لهم أكبر الفضل في رفع المستوى الأدبي. |
- أنا جددت في الشعر وما زلت سائراً في الطريق، دون أن أفسد اللغة أو أسف في المعنى، لأني وجدت الغموض أو التعمية تسيطر على أدب دعاة التجديد؛ وكيف يريد الأديب الحداثي أن يفهم المتلقي أدبه إذا كانت أبسط العبارات غامضة؟ فإذا عطشت طلبت الماء وإذا جعت طلبت الطعام، بصورة واضحة وصريحة وإلاَّ مت ظمأً وجوعاً؛ لكن الحداثي سيموت من الظمأ والجوع إذا نظم شعره فيهما. |
- في إحدى محاضراتي - في نادي الرياض الأدبي - جاءني بعض الشعراء بشعرهم واتفقت معهم على مناقشة الإنتاج أمام الجمهور، فوجدت أحدهم يقول ما معناه: |
أمشي في طريق الأحزان |
وأضع الصليب على كتفي |
وألبس الغار على رأسي.. |
|
- سألته ألست مسلماً.. هل تعرف طريق الأحزان؟ هل رأيت الغار ولبسته؟ وهل حملت الصليب يوماً من الأيام؟ سكت ولم يجب.. |
|
- قلت له: يا صاحبي.. هذه رموز مسيحية جاءت من الشعر المسيحي، وهي مقبولة من النصارى لأنهم عبروا بصدق عن مشاعرهم.. فجاء بدر شاكر السياب وتأثر باديث ستبول وتي اس ايلوت، وترجم شعرهما في شعره، وسرت في أثره.. لأن الثقافة المحدودة هي التي فرضت على الشاعر التقليد الهزيل، ولو كانت ثقافتك واسعة لعرفت جذور ما قلته في شعرك؛ فهنا تطرف في حب الغرب أو انكماش على التراث، ولو وجدت الوسطية لكان للأدب الحديث أمر آخر. |
|
وسأل الدكتور محمد سفر الزهراني قائلاً - موجهاً سؤاله إلى المحتفى به -: |
- بحكم اهتمامكم بالشعر - وبخاصة الشعر في العراق - أرجو التصدي بالإجابة على السؤال التالي: يوجد لدينا في المملكة العربية السعودية قصيدة رقيقة جداً، غناها أكثر من مطرب من مطربي هذا البلد الطيب، وهي مجهولة القائل - فيما أعلم - وتبدأ القصيدة بالبيتين التاليين: |
ما لي أراها لا ترد سلامي |
هل حرمت عند اللقاء كلامي؟ |
أم ذاك شأن الغيد يبدين الجفا |
وفؤادهن من الصبابة ظامي؟ |
|
|
هل لديكم أستاذي الفاضل معلومات عن قائل هذه القصيدة؟ وتقبلوا شكري وتقديري. |
|
ويجيب الدكتور يوسف عز الدين على السؤال بقوله: |
- أخي الكريم.. لست الأصمعي.. وقد خرجنا من عصر الحفظ إلى عصر التدوين والكتابة، فلم يعد الجيل الحاضر يحفظ - وأنا منهم - وأعدك بأني سأكتب للعراق، والقصيدة ليست بأي حال حديثة من الجرس الموجود فيها، لعلها من العصر الأموي في عصر الشعر العذري، ومعذرة.. وفوق كل ذي علم عليم. |
|
(( مداخلة الفريق يحيى المعلمي ))
|
وحول البيتين اللَّذين سأل عن قائلهما الدكتور محمد سفر الزهراني، عقب الفريق يحيى المعلمي على إجابة الدكتور يوسف عز الدين بقوله: |
- مع أنني لست راوية للشعر، ولكن أظن - مما عرفت في زمن الدراسة - أن هذين البيتين من شعر علي الجارم - والله أعلم -. |
|
واعترض عندئذ الدكتور يوسف عز الدين قائلاً: |
- أشك أنهما من أسلوب علي الجارم، فهو أجزل من هذه الرقة.. والأمر متروك لديوانه. |
|
ثم سأل محمد سعد الغانم السؤال التالي: |
- يقال: إن هناك شبهاً بين الشاعر الأندلسي ابن خفاجة والشاعر الإنجليزي ورودزورث، من حيث الرومانسية ووصف الطبيعة؛ ما هو رأيكم في هذا الشبه بين الشاعرين، وما هو تعليقكم على هذا؟. |
ورد الدكتور يوسف على السائل بقوله: |
- سأمر مروراً سريعاً بالجواب، الأدب الإنجليزي تأثر بالأدب اليوناني والروماني عندما احتل المسلمون بيزنطة، فهاجر هؤلاء ومعهم مخطوطاتهم المختلفة، فأصبحت دراسة هذه المخطوطات المهاجرة شيئاً جديداً بالنسبة لآدابهم، ومرت فترة رأوا هذه الآداب كلاسية - وأكثر الناس يقولون غلطاً كلاسيكية - فسئم الناس التغني بالآلهة، مثل: آلهة الخمر.. وآلهة الحب.. وآلهة الخصب؛ ولما ظهرت البرجوازية جديدةً في أوروبا، أراد أدباؤها أن يجدوا لهم مكاناً في الأدب، فظهر الشاعران كولريدج ووردزورث وكتبا القصائد الغنائية. ووضعا لها مقدمة، وقالا فيها: (إن الأديب يجب أن يتحدث عن مجتمعه لا عن آلهة اليونان والرومان). |
|
- فَعُدَّ هذا التجديد رومانسياً أو رومانتي، أي أنه ثورة على الأدب القديم؛ ثم ظهرت الواقعية في شارلز ديكنز وكُتَّاب الإنجليز، فوصفوا: "أرصفة الموانئ" في قصصهم، فالأدب الإنجليزي الَّذي تأثرنا به - بعد أكثر من مئة سنة - هو الأدب الرومانسي، بدأ به جماعة أبوللو، وصاحبا الديوان الَّذي أصدره العقاد والمازني، والَّذي أثر في بعث الشاعر الحديث بعد إسماعيل صبري وبعد البارودي. |
وسأل الأستاذ فايز دوابي قائلاً: |
- أرجو أن تعطيني فكرة عن أيهم يؤثر نفسياً أكثر ودوامه أكثر؛ هل هو الشعر الوطني، أو الشعر التوجيهي، أو الشعر التربوي؟ أفادكم الله. |
|
فأجاب المحتفى به قائلاً: |
- الشعر شعر، الشعر الجيد هو الَّذي يؤثر ويبقى في النفس، وليس هناك فرق بين الشعر الوطني، والشعر غير الوطني؛ إذا كان شعراً جيداً لا بد أن يؤثر، أما إذا كان نظماً فنسمعه ونترحم على قائله. |
|
ومن الأستاذ نادر صلاح الدين ورد السؤال التالي: |
- ما المقصود بمصطلح تفجير اللغة في القصة القصيرة، وما رأيكم في ذلك؟ وما المقصود بالقصة القصيرة وقصيدة النثر، وهل يعد ذلك تطوراً فنياً في القصة أو في فن القصة؟ |
|
فأجاب المحتفى به قائلاً: |
- أقف عند نقطة واحدة أولاً: نحن أمة شاعرة يطربنا الشعر بموسيقاه، لذلك نستمتع إلى الشعر أكثر من استماعنا للنثر.. كالقصة والرواية، ونفضل قراءتها على الاستماع لها والتي خلقت في الغرب وهكذا.. |
|
- أما الَّذين ينظمون ما لا يُفهم، ويزعمون أنه شعر، فهو ليس شعراً.. لا بالقواعد العربية ولا الغربية؛ لأن هذا الإنتاج ليس فيه موسيقا والفن الشعري لا بد له من الموسيقا؛ فالفرق بين السير في الشارع - أي المشي - والرقص، هو وجود صوت الطبل أو المزمار؛ فإذا انعدم هذا الصوت سمي بالمشي وإذا صاحب موسيقا أصبح رقصاً؛ ومتى انعدمت الموسيقا في الكلام أصبح نثراً، ولو أنهم سموا إنتاجهم نثراً لاسترحنا واستراحوا، لأنه خير من إضافة كلمة شعر إلى إنتاجهم، ويقولون نثر شعري أو شعر نثري، وقولهم قصيدة النثر رغبة لا شعورية في حب الشعر. |
|
- ولا أدري كيف تنفجر اللغة.. فقد خانهم التعبير، لأنهم ترجموا الكلمة وحق لهم أن يقولوا تفكيك اللغة. |
|
وعند ذلك سأل الأستاذ عثمان مليباري قائلاً: |
- بالتأكيد لك ذكريات جميلة مع الشعراء الَّذين عاصرتهم في العراق، ويسعدنا أن نسمع بعضاً منها مع الشكر؟ |
وردّ الدكتور يوسف: |
- إن ذكرياتي ليست مع شعراء العراق، بل مع شعراء العالم العربي والأوروبي؛ وهي كثيرة وكثيرة.. ولا أريد أن أتحدث عن ذكرياتي، فأرجو أن أعفى من هذا، لأنها كثيرة وطويلة وبحاجة إلى كتب والوقت قصير. |
وسأل الأستاذ صالح متعب الغامدي - الصحفي بجريدة المدينة المنورة - السؤال التالي: |
- هل ترون - ومن خلال تدريسكم لطلاب يدرسون الأدب العربي أن هناك انحداراً كبيراً في مستوى الطلاب.. ثقافياً ولغوياً، وإذا كان كذلك فما هي الحلول؟ |
وأجاب المحتفى به قائلاً: |
- في هذه المشكلة رأيان يصطرعان، الأول يقول: إن اللغة العربية قد تقدمت وتطورت، وأخذت مفاهيم جديدة، ويؤكد هذا عندما يقارن أدب أعلام الفكر أو أعلام الكُتَّاب، مثل: طه حسين، والعقاد، والرافعي، وغيرهم.. بجريدة الأهرام قبل مئة سنة، ويقرأ ما فيها فيجد الواقع صحيحاً.. إن اللغة قد تطورت وقد تحسنت كثيراً؛ والَّذين يقرؤون أدب القرن التاسع عشر، فسيجدون فيه أن اللغة كانت مسجوعة، تعنى بالجرس اللفظي، وباختيار الكلمة أكثر من العناية بالمعنى. |
- والرأي الثاني: يجري إحصاء عند الطلاب، ويقارن لغتهم بالأدب العربي والمستوى الرفيع وتصيبه خيبة أمل.. |
|
- نحتاج إلى دراسة أعمق للمستوى اللغوي، لأن الحياة شغلت الطلاب عن الكتاب، وقد ظهرت وسائل تسلية تلهي الطالب.. كالفيديو والأشياء الأخرى في كل المجتمعات الغربية.. ومتى اعتني باللغة فسوف يرتفع المستوى ثقافياً ولغوياً. |
|
ثم ورد سؤال من الدكتور سيد عباس جاء فيه: |
- كيف ترون الشعر في عصر التلفاز والأقمار الصناعية؟ |
فقال الدكتور يوسف مجيباً: |
- هذا السؤال تردد كثيراً، فقد قرأت منذ زمن أن أحد الكتاب - لعله إنجليزي أو أمريكي - يقول: إن القصة سوف تسيطر على الشعر، هذا صحيح في العالم الغربي، لأن الغربي يضع القصة والرواية والمسرحية أمام عينيه، فهذا يقرأ النثر أكثر مما يقرأ الشعر؛ في إنجلترا يقولون: ابتعد الناس عن شكسبير، وابتعدوا عن درايدون، وابتعدوا عن الشعراء الإنجليز؛ وتلك حقيقة في أوروبا، ولكن الشعر مازال له مكانة كبيرة عندنا، والدليل على ذلك كاتب النثر يتمنى أن نضيف كلمة نثر شعري، نظيمة شعرية، شعر نثري، معناه أن الشعر ما زال له المكانة الكبيرة في العالم العربي. |
وسأل الأستاذ عدنان صعيدي قائلاً: |
- لكن يا دكتور، هل يضر أن تتقدم القصة على الشعر، طالما أن الهدف هو الوصول إلى المتلقي؟ |
وردّ الدكتور يوسف عز الدين قائلاً: |
- لا؛ وأقول لك: يجب أن نعترف بوجود عوامل نفسية تؤثر في الإنسان ذاته.. نحن العرب أصحاب مشاعر، وأهل الشرق - بصورة عامة - أصحاب أحاسيس رقيقة، وأحاسيس الفرد في الشرق تنعكس في الشعر، لذلك نميل إلى الشعر أكثر من النثر؛ ولما دخلت الفلسفة في الشعر أفسدته، لأنها حالت دون خيال الشاعر المحلق، وحدت من إبداعه؛ لأن الفلسفة لا تسمح للشاعر المبدع أن يكون حراً في قوله أو خياله..، فأنا لا أحب الشعر الَّذي تكثر فيه الفلسفة، لذلك أميل إلى شعر جرير والبحتري أكثر من شعر المعري وأبي تمام والفرزدق؛ وللناس فيما يعشقون مذاهب. |
|
وسأل الأستاذ غياث عبد الباقي السؤال التالي: |
- سعادة الدكتور يوسف عز الدين (حفظه الله) ازدحمت الساحة الأدبية العربية في الأعوام الماضية - وحتى يومنا هذا - بتيارات أدبية وافدة، لا تمتّ بصلة إلى تراث الأمة وعقيدتها، بل إنها - أي تلك التيارات - لها ارتباطات مشبوهة معادية للإسلام والعروبة، فما هي توجيهاتكم لشباب الأمة ومثقفيها لكي لا يقعوا في براثن تلك التيارات المشبوهة؟ وجزاكم الله خيراً. |
وردّ الدكتور على السؤال بقوله: |
- أطال الله عمرك ووفقك لما فيه الخير.. السؤال ابن الساعة، وقد تحدثت عنه أكثر من مرة، وهوجمت بعنف ممن لم يفهموا القول ولا يعرفون معنى التجديد، أنا أحبذ التجديد وأدعو له، لكن أخاف ما وراء هذا التجديد من تخريب فكري وقلق روحي؛ فقد وقف أمام اللغة الكثير وحيل بين نشرها سليمة، ومن ذلك: أن فارس الشدياق لما قام بترجمة الإنجيل إلى اللغة العربية العالية، حيل بين الترجمة ونشرها خوفاً من جمال عباراتها.. وحلو جرسها.. ورقة معانيها، التي تدفع القارئ إلى الشعر العربي، ثم إلى القرآن دستور الدين الإِسلامي؛ وقد حدثت في هولندة بأن هناك إنجيلاً كتب بلغة عربية سليمة راقية، أراد أحد المستشرقين طبعه فمنع من ذلك؛ فإذا كان النصارى يخافون من تخريب أفكارهم وتغيير عقيدتهم، فَلِمَ لا نخاف نحن من التيارات الفاسدة الغربية؟ وقد ألقيت محاضرة عن أثر الأدب العربي في الأدب الغربي، فوجدت الأدب الغربي تأثر بامرئ القيس وأشهرهم شاعر الإمبراطورية: "تنسون" في قصيدته: (لوكسلي هول) الَّذي وقف عليه كما وقف امرؤ القيس على سقط اللوى بين الدخول فحومل؟ |
- فإذا كان التجديد لتطور اللغة العربية.. فأهلاً به، أما إذا كان لتخريب الفكر.. فلا أهلاً ولا مرحباً؛ وأقول لتنسون: |
|
- يا ابن الحلال: هل في إنكلترا أطلال حتى تقف عليها؟ |
|
- والأمر الثاني: أن (لوكسلي هول) مكان معروف ومشهور، ليس حوله الرمال السافية والأطلال الدارسة.. حتى يحتار كما احتار امرؤ القيس.. |
|
- والواقع إنها محاضرة مطبوعة بعنوان: (الأدب العربي وأثره في مسرى الأدب الغربي) وقد ترجمت فيه شعر الشاعر ووضعت النص الإنكليزي معه؛ عسى أن أوفق في إلقاء محاضرة في: (جمعية الأدب المقارن) في كندا، فقد وافقت اللجنة على التخطيط العام للمحاضرة. |
|
|
|