شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الجوهرجي.. عاشق لغة ونَحْو (1) !!
بقلم: عبد الله الجفري
ـ لماذا محمد إسماعيل جوهرجي الآن؟!
أراد وجيه الثقافة في وطننا، مُسرج الاثنينية/عبد المقصود خوجه: أن تحتضن مكة المكرمة شاعرها الذي عبر برزخ الحياة من خلال تجربته الشعرية، وطافت به مواقف ذات عمق في رؤيته للحياة وللأحياء.. وما زال يترنَّم حتى لو جاءت ألحانه الشعرية حزينة، ولكنَّ الجوهرجي يبقى شاعراً من صفوف شعراء هذا العصر الذين وصفهم بازوليني بأنهم من الذين: (يعيشون داخل الحقد المتنامي في عصرنا دون أن يتعفَّنوا، وداخل النار دون أن يحترقوا).. إنه ـ باختصار عميق ـ عاشق للشعر، وليس هو من هؤلاء المعاصرين الذين ينعون الحياة ولا ينتمون إليها.. وهو يكره أن يقال عنه: إنه عالِم لغة أو نَحْو، ولكنه يبدو أكثر ارتياحاً لكلمة: (عاشق لغة ونحو)!
ـ ولماذا عبد المقصود خوجه يسبق: الأندية الأدبية إلى تكريم هذا العالِمِ اللغوي والشاعر.. فيمنحه إضاءة الحب من مسقط رأسه مكة المكرمة، ليأتي عبد المقصود خوجه ـ كعادته ـ مثل: القول الفصل في إجلاء قيمة المبدعين، والمميَّزين.. والجوهرجي يفخر بمسيرته الطويلة في الإبداع الشعري واللغوي والنحوي؟!
والأستاذ/محمد إسماعيل جوهرجي: متعدِّد المواهب.. فهو جوهرجي لقباً وخبرة في الأحجار الكريمة.. هذه الخبرة التي من النادر جداً توافرها، فقد تُلمِذَ لوالده ـ رحمه الله ـ وكان أمين شيخ الجواهرجية بمكة المكرمة آنذاك!
وهو مربٍّ وأستاذ متمكِّن.. يعتزُّ كثيراً بخطاب شكر تلقَّاه من وزير المعارف/حسن آل الشيخ/رحمه الله، ومن وكيل وزارة المعارف/عبد الوهاب عبد الواسع، لما لمسه موجِّهو الوزارة من نشاط الجوهرجي وتفوُّق طلبته!
تسع سنوات قضاها الجوهرجي معلماً في القسم الثانوي، لم يخفق طالب واحد عنده في مادة اللغة العربية، وهذا وسام يعتز به.. حتى انتقل إلى كرسي: مدير المدرسة، وكان أول مدير لثانوية الثغر النموذجية بجدة.
* * *
ـ أما الحكاية الحزينة في مشوار (الجوهرجي)، فقد تجسَّدت في إهمال الصحافة الأدبية، والمؤسسات الثقافية، والإعلام لكنوز هذا العالِم اللغوي الذي ألَّف: (مصادر النوتة الشعرية)، الكتاب الذي أوجد فيه سرَّ مطابقة النبض الصوتي للحرف، وذلك بعد أن قرأ لمعلم النقاد العرب في الستينيات/محمد مندور، كتاباً عنوانه: (الميزان الجديد)، قال فيه: إنه جمع بعض القصائد من أوزان مختلفات لشعراء مختلفين، وذهب بها إلى فرنسا للاستفادة من جهاز حساس للصوت ربما يشبه (الحاسوب).. فعمد/د. مندور إلى تلقين الجهاز بعض الأبيات مع الرمز العروضي، وبعد عدة مرات: مُنِيَ بخيبة أمل.. إذ إن هناك خللاً ما بين صوت الحرف والرمز العروضي، ودعا في آخر كتابه: كل من يهمه الأمر أن يبحث عن مكان الخلل!!
ويضيف هذا العالم اللغوي/محمد إسماعيل جوهرجي في إشارته إلى تلك المطابقة، قائلاً لـ الأربعاء، ملحق صحيفة المدينة المنورة الذي حاوره، فقال:
ـ كان لهذه الدعوة جليل الأثر في نفسي وأنا أصبحت عاشقاً لهذا العلم ـ بعد تجاوز الخمسين ـ وأُجلُّ واضِعَه شيخ النحاة وإمام العروض، العلامة/الخليل بن أحمد الفراهيدي.. وأخذني الحماس والتصدي للبحث بجدية عن مكمن هذا الخلل، فقمت بتجميع أكثر من اثني عشر كتاباً في علم العروض ـ قديمه وحديثه ـ علّني أجد ضالتي!
وبعد مرور أكثر من عامين.. اهتدى هذا العالِم اللغوي الأستاذ/محمد إسماعيل جوهرجي إلى مخرج يدلُّه على سبب هذا العطل الفني بين الحرف والرمز العروضي!
ويحكي هذا اللغوي حكاية: (تحريك وزيادة رأس السهم، استجابة لحركة النبض الصوتي للحرف مع الرمز العروضي حتى لا يكون هناك تبيان بينهما)!
ـ وكتبتُ ـ يومها ـ فرحاً بما قاله الجوهرجي، وحزيناً في الوقت نفسه على إهمال الوطن لواحد من المميزين في هذا العالم، فقلت:
ـ عالِم لغوي بهذه المقدرة التي تميَّز بها: لم يُلفت انتباه الأسرة الثقافية والعلمية في وطننا بمؤسساتها كافة، ونواديها، وإعلامها.. وهو الذي لفت انتباه اللغويين إلى ما توصَّل إليه في مصادر النوتة الشعرية، وشهد له ـ داخل وطننا ـ العالم اللغوي المتمكّن/أبو تراب الظاهري، رحمه الله، الذي قال لصديقنا الجوهرجي:
ـ إنني أجد عندك إجابات لأسئلة تعنُّ لي، فاستفتي علمك للغة والعروض!!
ـ ومما قاله العالِم الشيخ/أبو تراب الظاهري عن الجوهرجي في (تقريظه) لكتاب ضيفنا الليلة وعنوانه: (الموجز في النحو):
ـ (حُبَّان هما نزعاني لكتابة هذه الكليمة: حب (محمد إسماعيل جوهرجي) صديقاً قديماً، وابناً باراً يقدم لي اليوم كراسة نحوية صنعها.. وحب هذا الفن الذي يُصنّف فيه، ثم يتجلى على النحاة بهذا الكتيب، يُقيّد فيه شوارد الفوائد.
فمن حقه علينا أن نُجلَّه، ومن حق عمله أن نُقرّظه، فما أقمته به، وما أحراه بنا.. وإني لأتحفه بما حفظت من الأشياخ المغاربة:
ألا إني خليلك يا حُويري
ومبْسمِك المُبرِّدُ للغليل
فقولي للنحاة حماي منه
دعوا بين المبرِّد والخليل
فإذا دفعني لذلك حُبَّان: الأول حب الجوهرجي، والثاني حبي اللغة العربية.. فأرجو لكلمتي وزناً لوزنين، ووصلا بين حُبّين).
ـ ويقول الجوهرجي عن أستاذه أبو تراب: إن أسئلته التي كان يطرحها عليَّ تُفتق ذهني وتصقل تفكيري، وكان ـ بدوره ـ لا يضيق بأسئلتي، بل كثيراً ما كان يقول لي: إن الحوار معك أيها الجوهرجي يفيض بالفائدة/لك ولي!!
وفي تواضع معرفتي لفن العروض بالذات، ومنعرجات اللغة الشاعرة.. فقد استفدت كثيراً من الكتب التي أصدرها الجوهرجي عن اللغة والعروض والنوتة الشعرية، ولعلّني كتبت (أصرَخ) وأنادي المهتمين بهذا العلم إلى دراسة هذه الكتب، وإعطاء المؤلف العالِم حقه من التكريم والرعاية لهذا العلم حتى نُشجِّعه على المزيد من دراساته وبحوثه، ولكن.. لا أحد استجاب أو اقترب من هذا المبدع في فنه وعلمه لينبش عقله، فقط.. كان ملحق (الأربعاء) ـ مشكوراً ـ قد حاول التوغل في عقل وعلم هذا الشاعر اللغوي الذي نحسبه في واقعنا اليوم يكاد يخلف فقيد اللغة والعروض/أبو تراب الظاهري!
وبكل أسى وحزن يقول هذا الشاعر، اللغوي المتخصص/محمد إسماعيل جوهرجي:
ـ طالبت ناديَيِّ جدة ومكة بالمشاركة ولا حياة لمن تنادي.. بعد ثمانية دواوين لم أتلق أي دعوة من الأندية الأدبية!!
إذن.. حتى في الثقافة: خيار وفقُّوس، أو أننا نُفصِّل أثواباً مخصوصة لمبدعين مختارين!!
ـ وأذكر أن صديقي ورفيق درب العمر/ محمد إسماعيل جوهرجي: فاجأني وهو يُعِدُّ ـ من تأليفه ـ أول كتاب يتناول (النحو) بطريقة حوارية بين الفتى وشيخه، فطلب مني كتابة (مقدمة) كتابه هذا الذي أراد من خلاله: تقديم خدمة للأجيال الصاعدة بهذا التبسيط في الطرح لتعليم النحو أو فقه اللغة وصناعة الإعراب!!
أعترف لكم ـ الآن ـ أن صديقي الجوهرجي: أحرجني يومها، ولكنه حسن الظن منه، أو معرفته: عشقي للغة.. فوجدت في هذا الكتاب: (قال الفتى) إضافة حديثة بحق لكتاب نرشحه أن يكون ضمن المقرر الدراسي، ولكننا ما زلنا نبحث عن إعطاء العالم المتخصص حقه في التكريم.. فهذا الكتاب: لم ينهج فيه مؤلفه/أكاديمياً إلى: البحث اللغوي، بل كتب دروساً نحوية راعى فيها: التبسيط، والتيسير، كما جاء في الأثر: (زكاة العلم/ تيسيره)!!
* * *
ـ وبعد: فقد انطلق الجوهرجي/الشاعر: إلى تعميق الرومانسية في شعره، كأنه يتَّفق مع أحد النقاد الإنجليز الكبار، وهو: دبليو.ب. كير الذي أكد: (أن الشاعر الأصيل أو المجدد، لا بد أن يبدأ بالرومانسية)، وإن أصبحت الرومانسية اليوم لدى نقاد الحداثة: تهمة أو سُبَّة.. وأذكر كلمة جميلة قالها الشاعر/العصر ـ نزار قباني، رحمه الله، في كتابه: الشعر قنديل أخضر بنصِّها هذا:
ـ (الحجارة في أرض الحجاز.. كانت بقيَتْ حجارة لو لم يمسّها الشعر العربي بأنامله المنعشة، فيكسو كل حجر غلالة شوق، ويسقي كل ذرة رمل من حُمرة جرح، من شرايين موعد)!!
والجوهرجي: شاعر حجازي.. استشعر ذاته على أرض الحجاز، وكأنَّ قصائده: تطوف بنا بحثاً عن البطاح التي تغنَّى فوقها: ابن أبي ربيعة، وسار فوق رمالها: الشريف الرضي، وحدَّق فيها (الأحوص) المديني.. والشعر الحجازي ـ كما قال عميد الأدب العربي/د. طه حسين، رحمه الله: ينقسم إلى قسمين: قسم كله واقع وتحقيق، وقسم آخر كله أمل وتخييل!
وإذا كانت قصائد الشاعر/محمد إسماعيل جوهرجي في دواوينه التي أصدرها، تعني في تجربته ما قاله دانتن بأنها: (الخلاص).. فإن الإيقاع في كثير من شعره: يمثل الاتجاه إلى صدق الملاحظة، ورسمها، وصوتها القادم من الشجون والمعاناة.. وكل هذا الانصهار في واقعية المشاعر الإنسانية التي لا تحتاج إلى غموض، ولا إلى رموز وانغلاقية.. لكنها تتدفق عفوية وإنسانية، لتطوف أرجاء الحس الحي!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :429  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 130 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.