شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كيف دافع الكمبيوتر عن أبي هريرة؟! (1)
بقلم: أ.د. محمد خضر عريف (2)
نَحَتْ اثنينية الأستاذ عبد المقصود خوجه الثقافية بجدة منحى جديداً تحمد عليه، ويتمثل هذا المنحى في جعل تكريم الرواد من أهل الفكر والأدب والثقافة في الاثنينية أكثر خصوصية من ذي قبل. إذ لا يقتصر التكريم على سرد سيرة المكرم والإتيان على أعماله الفكرية والمرور بها مرور الكرام، بل تركّز الاثنينية على واحد أو أكثر من أعمال الشخصية المكرّمة وتجعل تلك الأعمال هي موضع الاهتمام وتدور مناقشات الأمسية حول تلك الأعمال دون أن تقتصر على سيرة الشخصية وأعمالها بعامة وما لها وما عليها.
* * *
وقد أحسن صاحب الاثنينية في اتباع هذا النهج في الأسبوع الماضي مع رجل من رجالات الفكر الإسلامي الحصيف في العصر الحديث هو معالي الدكتور محمد عبده يماني الذي ملأ المكتبة الإسلامية بمؤلفات هي أحوج ما تكون إليها، وقد خرجت هذه المؤلفات عن الدائرة التقليدية في التأليف لتمس أهم قضايا الإسلام والمسلمين في العصر الحاضر بعد أن أصبحت الأمة الإسلامية مضطهدة شرقاً وغرباً أكثر من أي أمة أخرى وصدق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم توشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أو قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله، قال: لا بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل. أو كما قال عليه الصلاة والسلام. حدثنا محمد عبده يماني عن حال المسلمين في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وعن المسلمين في أفريقيا وسواها من المناطق وشخص المشكلات ووصف الحلول، وانطلق بنا إلى عوالم بديعة يضيء حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضاءاتها، فحمل لواء محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام في زمن أدار المسلمون فيه ظهورهم لسنته عليه السلام وتنكروا فيه لصحابته رضوان الله عليهم، ولم نجد إلا نفراً قليلاً من أمثال محمد عبده يماني يتصدّون بأقلامهم النظيفة للدفاع عن السنة وعن رواة السنة رضي الله عنهم أجمعين.
وكان آخر ما سطره قلم اليماني النظيف حتى الساعة كتاباً رائعاً، أعتقد جازماً أنه كتاب في الحديث الشريف كتب في القرن الحادي والعشرين للقرن الحادي والعشرين، تبنى قضية جوهرية وشائكة في آن معاً تتصل بالتشريع الإسلامي كله وهي قضية تشكيك بعض المرجفين في صحة روايات أبي هريرة رضي الله عنه بحجة أنه مكثر وأن مدة ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت قصيرة، فجاء كتاب (الصحابي الجليل أبو هريرة والحقيقة الكاملة) ليدحض كل ذلك. والواقع أن هذا الكتاب ليس جديداً في كونه يدافع عن أبي هريرة، فقد سبقته كتب كثيرة سعت إلى ذلك يحضرني منها كتاب (أبو هريرة في ضوء مروياته) لضياء الرحمن الأعظمي. ولكن الجديد في كتاب الدكتور يماني أنه سخر إمكانيات العصر وتقنياته ليخرج بدراسة إحصائية دقيقة (وإن كانت لا تزال مجملة في الكتاب وستفصل في كتاب آخر كما وعد المؤلف)، وتؤكد هذه الدراسة الإحصائية أنه لا مجال للتشكيك في أحاديث أبي هريرة ورواياته لسبب منطقي لا يمكن دحضه، وهو أن كل أحاديث أبي هريرة شاركه في روايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد من الصحابة بعضهم باللفظ وبعضهم بالمعنى وبعضهم باللفظ والمعنى، ما عدا أحاديث قليلة جداً ذكر الدكتور يماني في الاثنينية أنها سبعة أحاديث فقط، انفرد بها أبو هريرة. يقول الدكتور يماني في ذلك: (تجد الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم شاركه في روايته عدد من الصحابة بعضهم باللفظ وبعضهم بالمعنى، وبعضهم باللفظ والمعنى.. مما يدل دلالة قاطعة على صدقه ومما يدفع التهمة عنه بشكل لا يقبل الشك.. ذكرنا إلى جانب الحديث المروي عن أبي هريرة أسماء الذين شاركوا بالرواية وأتبعنا ذلك بالنصوص ليتبين لكل منصف الحق واضحاً وسأتابع هذا الأمر في مؤلف آخر حيث تجمع كل الأحاديث التي رواها أبو هريرة مع بيان الأحاديث التي انفرد بها وهي.. لا تتجاوز عدد الأصابع).
وذكر الدكتور يماني في كلمته للاثنينية أن فريق عمل مكلفاً منه يقوم حالياً بإدخال الأحاديث كافة التي رواها أبو هريرة مع روايات سواه من الصحابة في الحاسب للخروج بمعلومات إحصائية دقيقة عن عدد المشترك من الأحاديث بينه وبين بقية الصحابة رضوان الله عليهم الذين ذكر الدكتور يماني أن من ضمنهم الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم وأرضاهم. ونوه صاحب الكتاب ببعض مراكز الحاسب الآلي في القاهرة التي تضطلع بعمل كبير كهذا ودعا الجامعات السعودية إلى العمل على افتتاح مراكز للحاسب الآلي تكون مخصصة لخدمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخص من الجامعات جامعة أم القرى التي كان مديرها الشاب معالي الدكتور سهيل قاضي حاضراً والتي عرفت بالسبق في مجال الدراسات القرآنية والحديثية وبنشاطها غير العادي في مجال الدراسات العليا الشرعية.
وأزعم أن ما قام ويقوم به معالي الدكتور يماني في مجال خدمة الحديث الشريف يعتبر خطوة رائدة في هذا العالم الإسلامي الكبير، ويعد بحق بداية حقبة جديدة في ضبط وتخريج الحديث بأسلوب عصري من بعد تدوين الحديث الشريف الذي بدأ بإرهاصاته الأولى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه الدكتور يماني في كلمته ودعم ذلك بالأدلة التاريخية.
وليس الكتاب قاصراً على قضية الدفاع عن أبي هريرة فهو يروي الحقيقة الكاملة كما جاء في عنوانه، لذلك فقد عرَّف المؤلف بهذا الصحابي الجليل تعريفاً شاملاً وكاملاً. فذكر اسمه وسبب كنيته وتحدث عن أمه وبره بها وقِدَم إسلامه وهجرته وإسلام قومه وأوصافه وشمائله وزهده وعبادته وورعه ومحبة المؤمنين له وإسلام أمه، ومدة صحبته، كما عرج على بعض الموضوعات ذات الصلة بدقته وضبطه مثل حرصه الشديد على سماع الحديث وتحديث الرسول له وقد بسط ثوبه وأمره بجمعه ومثل شهادة الصحابة له بكثرة علمه، وتدوين مروان بن الحكم لبعض روايته واختبار حفظه وكلام أبي الزعيزعة كاتب مروان في ذلك.
ولم يفت المؤلف أن يستعرض ما جاء في دفاع بعض الكتَّاب المنصفين عن أبي هريرة مثل ما كتبه الدكتور الأعظمي الذي أشرنا إلى كتابه، كما استعرض آراء المشككين والمرجفين وفندها وعلى رأس هؤلاء المستشرق جولدتسهير ومنهم من العرب أحمد أمين وأبو رية اللذان رد عليهما الدكتور مصطفى السباعي.
ونقول ختاماً: ما كان أحوج المكتبة العربية والإسلامية لمثل هذا الكتاب الذي جاء في زمن أصبح فيه التشكيك ديدن المستشرقين والمستغربين على حد سواء ولا ينشر إلا ذلك التشكيك لجهل أو لغرض ثم لا يتصدى لذلك إلا نفر قليل ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه لعلّ الدكتور يماني من أبرزهم على الإطلاق في العالم الإسلامي كله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :718  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 80 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج