شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ما قل ولم
أسئلة ((الاثنينية)) الصعبة (1)
بقلم: محمد مختار الفال
أصبحت (( الاثنينية )) محطة مهمة على درب قافلة الثقافة ومنتدياتها في بلادنا للدور الكبير الذي تلعبه، تعريفاً بأهل الفكر والرأي وتقديراً لأرباب الأدب والفضل، وهي إشارة وعلامة تعبر عن قناعة صاحبها بمكانة المكرمين الأفراد وتأثيرهم في صقل مفاهيم المجموع عن الحياة باعتبار أن الفكر وأهله هم روّاد الجماعة القادرون على استشراف مستقبلها ووضع الصوى على الطريق، ورغم إصرار الأستاذ عبد المقصود خوجه على أن (( الاثنينية )) جلسة إخوانية يعود الفضل فيها لضيوفها وروادها إلا أنها تجاوزت، بأريحيتيه وأخلاقه العالية التي تحتوي الجميع وتحتفي بهم، محيطها لتتسع لأبناء الوطن العربي كله، منبراً للطلعة من أهل الفكر وأصحاب التميز في التجربة.
وعلى مدى العشر سنوات الماضية قدر لي أن أكون بالقرب من الاثنينية، أتأمل، من خلال ضيوفها، خريطة فكرنا وخطوط مساراته وملامح الفروق بين تياراته ومكانة رموزه في وجدان الأمة ومدى تأثيرهم في واقع حالنا، مع ما يصاحب ذلك كله من متعة محاولة تلمس العناصر الكامنة وراء تباين القدرة في التعبير عن الأفكار، وأستطيع، باطمئنان، القول إن القاسم المشترك بين ضيوف هذه ((المحطة)) هو العزف على ((أزمة)) الأمة، بتفاوت الضيوف قرباً وبعداً من محور المشكلة واختلافهم تصريحاً وتلميحاً عن مكامن العلة. وهذه السمة يبدو أنها وحدة مشتركة بين كل اللقاءات العربية وأظنها أحد مواقف الصدق التي تفرض نفسها على أهل الفكر حين تمنحهم فرص اللقاء البوح بصوت عالٍ.
وفي الأسبوع الماضي والاثنينية تودع روادها قبيل إجازة الحج لهذا العام، استضافت الأستاذ يوسف الشيراوي وزير الصناعة البحريني الأسبق، وهو أحد الذين تؤرقهم حال الأمة، في هذه المرحلة، وقد دفعه هذا الأرق إلى تأمل منجزات الماضي في حقل العلوم والفلك بحثاً عن سبب الجمود الذي عطل المسيرة وعلة الانقطاع التي حرمت الأحفاد الاستفادة من منهج الأجداد، فازدادت مرارته حين تبينت له المساهمات الجليلة في هذا الحقل واستبانت له الكشوفات الكبرى، وتأتي أهمية ((خلاصات)) الأستاذ الشيراوي من أنها لم تأت من صومعة التأمل الحالم ولم تشغل صاحبها ((مطاردات)) الأفكار النظرية والبكاء على الأطلال، كما يفعل الكثير، فالرجل شارك لأكثر من عشرين عاماً، في معترك الحياة العملية في أقصى درجات التصاقها بحياة الناس، الصناعة، والاقتصاد، وخبر واقع كواليس القرارات الاقتصادية والسياسية وأعطته التجربة البرهان على الفرق بين القول المطلق للاستهلاك وبرنامج العمل الذي يوضع للتنفيذ. وفي هذه الأمسية نجح الشيراوي في إثارة شجون مستمعيه وتحفيزهم للإصغاء، بل وتخويفهم على مستقبل بنيهم وأحفادهم إذا لم تتبدل علاقتنا بالعصر وشروط السباق فيه، وكان مؤثراً ببساطة عرضه المستند إلى رصيده الغني بالمعلومات والأرقام عن واقع ((العلم)) وميزانيات بحوثه في بلاد العرب. فقد أكد تخلفنا العلمي رغم تفاخر الكثيرين بعدد الجامعات والمعاهد ودليل هذا التأخر هو ميزانيات البحث العلمي مقارنة بما ننفقه على مناشط أخرى من الحياة تقل في أهميتها عن العلم الذي هو شرط البقاء في ظرف العصر. لقد صعق الحضور بسؤال الأستاذ الشيراوي الاستنكاري: هل يعقل أن فنلندا الدولة الاسكندنافية الفقيرة تنفق على أبحاث تطوير صناعة الخشب أكثر مما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي؟ ليؤكد أن التعامل مع التكنولوجيا على أساس أنها سلعة منهج خاطئ وبالتالي فإن شراء المصانع لمدننا والطائرات لمطاراتنا والكمبيوتر لمكاتبنا ومدارسنا ليس هو نقل التكنولوجيا الذي سيمكننا من ((توطينها)) بل السبيل إلى ذلك هو اعتبار التكنولوجيا ((علماً)) والعلم لا يكون إلا بالإنسان، وبدون الاهتمام بتطوير قدراته واستثمار إبداعات عقله لن نجني ثمرات التكنولوجيا التي من أوضحها في المجال الاقتصادي ((القيمة المضافة)) في المنتجات الوطنية. وعاب على الذين يتوهمون قدرتنا على ضبط أسعار متطلباتنا لأننا نملك الطاقة، قصور نظرتهم لأنهم أغفلوا تأثير ((القيمة المضافة)) التي تعيد لنا برميل النفط بتكلفة مائة دولار بعد أن صدرنا بسعر خمسة عشر، وأن الفرق بين السعرين هو ((ثمرة)) العلم، وبدون هذه الثمرة سنظل تابعين.
ولم يتردد يوسف الشيراوي، في مساء الأسئلة الصعبة، في توجيه مزيد الصدمات، كمن يريد إيقاظ الجسد الخائر، حين أكد قناعته بأن السوق العربية المشتركة لم تخرج من دائرة الحلم رغم حسن النوايا، لأنها تحتاج، قبل قيامها بصورة صحيحة إلى عمل كبير وخطوات جادة تضمن لها توفير شبكة المواصلات والاتصالات وفتح الحدود وإزالة السدود والقيود، وهي أمور ليس من الواقعية الإيهام بأنها موجودة بل إن تواصل بعض أطراف المنطقة العربية بالعالم الخارجي أكثر حيوية وأشمل اتساعاً من قنوات التواصل بين الجسم العربي، وكأنه يحذر من أن ((العولمة)) هي تقنين يبيح للكبير التهام الصغير بصورة ((مشروعة)).
فهل تظل جهودنا في حدود الأسئلة؟
اللَّهم إن هذه الطاقة وعليك التكلان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :446  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 74 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.