عيون وآذان
(1)
|
|
يذكرنا بيل كلينتون وصدام حسين بقصة الرجل الذي مرّ برجل آخر في شارع، فهجم عليه وأمسك بثيابه وصرخ فيه: تشتم والدي؟ ورد الثاني مستغرباً: أنا شتمت والدك؟ وقال الأول: وتشتم أمي كمان؟ |
الولايات المتحدة هي مثل ذلك الرجل الذي يريد أن يفتعل معركة، فالعالم كله باستثنائها رحب بالاتفاق الذي عقده الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان مع النظام العراقي، ولكن الإدارة الأميركية شككت وتحفظت في البداية ثم رحبت مرغمة مع إصرارها على بقاء قواتها في الخليج، بل من دون أن توقف إرسال الوحدات الإضافية التي كان تقرر إرسالها قبل نجاح مهمة أنان. |
والإنسان معتاد في حياته الخاصة وتجربته، وفي السينما، أن يكون هناك خطأ وصواب، أو شرير وبطل، ولكنه في موضوع العراق يجد نفسه أمام وضع فريد، فهناك خطآن، أو شرير أمامه واحد أكثر شراً منه. |
ويصعب على مراقب عربي أن يعترف بهذا، غير أن الولايات المتحدة التي تفتش عن معركة مع صدام حسين بأي وسيلة تظل محقة في شكها أن ينفّذ صدام حسين التزاماته، فما أدخل الأزمة الأخيرة دائرة الخطر كان نكوص صدام حسين عن التزاماته ونقضه اتفاقات دولية ملزمة. |
وهي شنشنة قديمة في النظام العراقي، فالرئيس صدام حسين فاخر بتمزيق الاتفاق مع إيران على التلفزيون سنة 1980، بعد أن كان وقّعه بنفسه مع الشاه في الجزائر سنة 1975. ولم يغيّر صدام حسين عادته عندما نقض في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي آخر اتفاق له لتفتيش المواقع الرئاسية ما أطلق الأزمة التي كادت تتحول إلى حرب الخليج الثالثة. |
الأزمة لم تنته، وهي تدور الآن حول شخصية المفوض العام والديبلوماسيين الذين سيرافقون فرق التفتيش الدولية في عملها داخل المواقع الرئاسية الثمانية، وهذه نفسها موقع خلاف، فالأمم المتحدة صححت ما أذاع الأميركيون وخففت حجمها الاجمالي إلى النصف، وعاد الأميركيون الآن ليقولوا إن في داخلها 1500 مبنى، غير أن مصادر الأمم المتحدة ردت أن الرقم يزيد قليلاً عن ألف مبنى من مختلف الأنواع. |
ومرة أخرى، يصعب على المراقب أن يعترف للولايات المتحدة بشيء، إلا أنه مع ذلك لا يملك ألا أن يقرّ بأن الوجود العسكري الأميركي المكثف هو الذي جعل الوصول إلى اتفاق ممكناً، وأن استمرار هذا الوجود سيضمن حسن التنفيذ لأن صدام حسين سينكص على عقبيه في أول فرصة. |
المراقب العربي يعترف كذلك بأن من حق الكويتي ألا يجرؤ على إدارة ظهره لصدام حسين، فهذا سينقض عليه ساعة تمكنه الظروف من ذلك، والحل الحقيقي للأزمة بالتالي ليس التفتيش أو عدم التفتيش، أو هويات المفتشين، بل إزاحة صدام حسين من موقعه ليستطيع شعب العراق أن يتنفس من جديد ويعيد بناء بيته، وليتنفس معه كل العرب الصعداء. |
غير أن المراقب العربي يقول هذا ويضيف مسرعاً أن ليس من حق الولايات المتحدة إزاحة هذا النظام أو أي نظام (فهي إذا بدأت في العراق فأين تنتهي)، خصوصاً أنها لم تكن ((البطل)) في المواجهة الأخيرة مقابل الشرير، بل كانت الشرير الآخر في فيلم ليس فيه أبطال. |
وأتكلم بهدوء وعن نفسي، فقد ظهرت مع الصديق عماد الدين أديب في برنامج تلفزيوني من القاهرة، وحضرت قبل يومين عند الصديق عبد المقصود خوجه في جدة ((
اثنينية
)) ضمت حوالى مئة ضيف، وكانت الأسئلة عن العراق في المناسبتين كلها ضد الولايات المتحدة، عندما ورد ذكر هذه في أي سؤال. |
وأن يكون المواطن العربي في كل مكان ضد الولايات المتحدة لا يعني بالضرورة أنه مع صدام حسين، بل هو مع شعب العراق. والكويتيون أنفسهم، وهم ضحية النظام العراقي، قالوا، مسؤولين ومواطنين، إنهم يريدون رفع المعاناة عن شعب العراق، وأبدوا ارتياحهم لنهاية الأزمة سلمياً. والمظاهرات العربية التي قامت خلال الأزمة كانت كلها مع العراق وشعبه، وقد قمع بعضها بالقوة، لكن القمع لم يطمس قط شعور الناس. |
ولعلّ الإدارة الأميركية تدرس رد الفعل العربي هذا على موقفها من العراق، وتصلح من سياستها إذا كانت تريد صداقة الشعوب العربية والإسلامية، فهي إذا لم تستطع حشد العرب ضد صدام حسين فإنها لن تجدهم معها في أي قضية. |
الولايات المتحدة اليوم هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، وربما أعمتها غطرسة القوة عن رؤية الحقيقة، وهي قد تربح على المدى القصير لأنه لا يوجد من يقف في وجهها عسكرياً أو اقتصادياً، إلا أن درس التاريخ هو أن لم يصل أحد إلى القمة ويبقى عليها، فكل الطرق منها يشير نزولاً. وهي ستنزل، حسنت سياستها أو ساءت، غير أن بقاءها على القمة سيطول إذا أحسنت، وسيقصر إذا أساءت.. مع العرب أو غيرهم. |
|