نقطة حوار
(1)
|
|
ـ أول الكلام: |
ـ للشاعر العراقي ((يحيى السماوي)): |
ـ أيها الناس.. أريد وطني |
إن القيثار لا يعزف على نفسه |
والوردة لا ترحق عطرها |
فكيف سأغني.. إذا كنت مثقوب |
الحنجرة، ويداي صادرهما الحرس الليلي.. عندما |
أخذوا وطني للاعتقال؟!! |
* * * |
|
ـ وصف معايشته لواقع غربته بعيداً عن وطنه وأهله.. ووصف نفسه النازفة بالحنين، فقال: |
ـ ((مثلما يتوغل مسمار في خشبة، أو جذر في لحم الأرض.. أتوغل في أودية الحنين.. أجوب بحاراً ما مرّت في ذاكرة عصفور أو السندباد، ولا على سفينة في بحر.. ولكن: على قدمي الحافيتين، متجهاً إلى الوطن))!! |
هذا هو الشاعر العراقي الموجوع بغربته: (يحيى السماوي)، الذي احتمى بدفء وطنه الثاني/ المملكة العربية السعودية.. فاراً بحياته، وبحريته، وبقيمته الإنسانية من إهدار الطغاة لها، ومن عسفهم بالوطن. |
رأيت
((
يحيى
))
في حفلة التكريم التي أقامها له
((
عبد المقصود خوجه
))
في كنف اثنينيته.. وقد لمعت الدموع في عينيه: صراخاً، وغربة، واشتياقاً للأهل ولذرّة الرمل في عراقه.. فلم يبق في عينيه إلا الدموع وحدها!
|
ولا بد أن تبكي مع عيني ((يحيى)) دموعنا ومهجنا.. ومع صوته المجروح في ندائه على وطنه المعتقل في الظلم، ومع سؤاله الذي لا يفتأ يردده على مسامع الناس: (مَنْ عثُر على وطني)؟!! |
* * * |
ـ هذا السؤال.. جسَّده الشاعر: كتاباً ضمّ نصوصاً نثرية.. والكتاب قد تبلور عندي فأصبح: (ديواناً نثرياً).. أو كما قال لي يحيى: |
ـ لقد تجاسرت فادّعيت استطاعتي الاقتراب من حديقة النثر!! |
ويواصل الشاعر بكلمات ديوانه النثري: حواره المكتوب معي بواسطة رسالة.. وجدت فيها: إضافة إلى شاعريته: إبداعه النثري، وصوره التي قدها من قلب إنسان ينادي على وطنه: |
ـ قال لي: ((كل الذي حدث يا سيدي أنني اكتهلت، فسقطت بندقيتي، وما عدت صالحاً لحرب المدن، مذ فَقَدَتْ مدينتي، بل والوطن، بكارته وعذرية الرحيق! |
لذا.. التجئ الآن إلى الورق لأتأكد من أنني ما زلت حياً، أو على الأقل، كيما أقنع نفسي بأن لي وطناً، وإنني لست غجرياً أحترف التشرد، وأمارس مهنة الحزن، أو الرقص تحت سقيفة جرح باتساع نافذة اليقظة. |
تلك هي الأسباب وراء لهاثي المستمر، وركضي الدائم بين سكاكين السطور.. فأنا يا سيدي، على رغم إدماني الحزن، والقلق، والأرق، والبكاء.. إلا أنني أريد أن أضحك من قلبي ولو مرة واحدة، وأن أمارس طقوسي كعاشق، وكأب، وابن لأبوين أشقيتهما كثيراً وهما يمضغان الألم في بحثهما الدائم عن ابنهما البكر، حين كان يُتنقل به من معتقل إلى آخر، أو يختار هو: منافيه، وكهوف اختفائه! |
كنتُ وما زلت: أخطر مجرمي الأرض، ولكن.. ما يميزني عن كل المجرمين هو: أن ضحاياي هم أنا وحدي (!!).. لذا، فإن شهوة جنونية تعوي في داخلي كلما وجدت أمامي أوراقاً بيضاء، فتطيب لي مشاكسة البياض الناصع، ربما لأنني أحمل عقدة تجاه اللون الأبيض، لكثرة ما شاهدت من أكفان!! |
رجوتك ـ يا سيدي ـ أن تقف على تقاطع طرقي الشائكة، لتشرف بنفسك على إضاءة المصباح الأخضر، أو الأحمر، أو الأصفر.. ليكون باستطاعتي الخروج إلى الغابة المسحورة دون خوف أو قلق))! |
* * * |
ـ ((يحيى السماوي)).. أقول لك يا صديقي: ها أنت تنادي الأزمنة والتاريخ من خلال ندائك/عنوان كتابك: (أيها الناس.. مَنْ عثَر على وطني؟).. وقد سميّت الأمكنة: يباباً! |
ها أنت تمارس تعاستك أمام عِراقك المعتقل.. وأمام أبواب أصداء الأمسيات. |
ها أنتَ.. تعود: قاموساً للأحزان!! |
|