كلمَات في الأدَب
|
تكريم الرواد
(1)
|
|
بقلم: أ.د. محمد بن سعد بن حسَين |
|
كانت حفلات التكريم التي أقامها الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه عملاً رائداً يشبه من حيث ريادته عمل أبيه محمد سعيد خوجه ـ رحمه الله ـ في تكريم الوافدين على البيت الحرام للحج والاعتمار غير أن عمل الأب كان سنوياً وعمل الابن كان أسبوعياً، والذي أملى هذا الفارق هو الواقع الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، غير أن الريادة متحققة في العملين ما في ذلك من شك. |
وإذا كان الواقع لم يمكن من رصد ما كان يقدم في عمل الأب من مقالات وخطب وقصائد، فإن عمل الابن قد حظي بالرصد والتسجيل والتصوير أيضاً. |
ويعمل الأستاذ عبد المقصود خوجه على تفريغ تلك الحفلات وطبعها في سلسلة من المطبوعات تكون وثائق أدبية واجتماعية يفيد منها الباحثون، وهذا عمل طيب يحسن الإسراع في إنجازه لاشتماله على ما لم تشتمل عليه الكتب والصحف وكل وسائل المعرفة سوى صدور المحتفى بهم والمتحدثين عنهم بما لا يعلمه سواهم وأمثالهم ممن لم يسجلوا تلك المعلومات التي انفردوا بها. |
وفي هذا العام 1411هـ أقام النادي الأدبي بجدة حفل تكريم للأستاذ محمد سعيد العامودي ـ رحمه الله ـ وفي 28 من شهر شوال لعام 1411هـ أقام نادي جدة الأدبي أيضاً حفل تكريم للأستاذ حسين سرحان. |
ولا جدال في أن هذا عمل طيب يشكر عليه الأستاذ عبد المقصود خوجه، ثم نادي جدة الأدبي، وإن لم يكن هو كل ما يجب تقديمه لأجيال الرواد، لكن شيئاً خير من لا شيء. وأن يكرم الرواد في حياتهم خير من أن يكون ذلك بعد الممات كما هو مألوف، حيث ينهال المدح والثناء على الواحد من هؤلاء بعد مماته. |
ولو جاز لنا صرف النظر عن حق هؤلاء علينا وطلبنا المنفعة من التكريم، لو جاز لنا هذا لوجدناها تأتي إلينا من طريقين: |
أحدهما: أن يكون الرائد لا يزال قادراً على الانتاج فيكون التكريم حافزاً على المزيد. |
وثانيهماً: إشعار الآخرين بأن كل مجتهد في خدمة هذه الأمة في أي مجال من مجالات حياتها لا بد من أن يلقى منها احتراماً واهتماماً وتقديراً وهذا بدوره يحفز الآخرين وينشط هممهم وعزائمهم لأنهم يعلمون بذلك أن ما يبذلونه من جهد وعناء يجد تقديراً عند الآخرين. |
وطبيعة الإنسان واحدة ينهضها التشجيع ويكبتها النكران. |
ولقد قلت في غير هذا المقام إنه ليس من الضرورة أن يكون التشجيع مادياً، بل إن الكلمة الطيبة تفعل فعلها في النفس الطيبة، ربما على نحو قد لا يكون متماثلاً لكنه مفيد على أي حال. |
والكلمة الطيبة لا بد من أن يكون منطلقها إحسان المثنى عليه في فنه وميدانه وإلا كانت باطلاً ينطبق على من يفرح بها قول الباري سبحانه وتعالى في الآية الكريمة لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (آل عمران: 188). |
وأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ برد الجميل بأي صورة من صور الاعتراف فقال: ((من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعو له)) أو كما قال. |
والرواد قد صنعوا الجميل في مجتمعهم فكان حقاً عليه رد الجميل بأي صورة كانت ليشعر هذا الرائد بأن فعله مشكور غير منكور، وأن ما قدمه كان في موضعه محفوظاً غير مضيع، وفي ذلك ما يدفعه إلى المزيد من العطاء، وأيسر ما في ذلك أنه مكافأة له على ما قدم. |
على أن الرائد حين يقدم ما يقدم لا يضع في ذهنه حين التقديم انتظار مكافأة على ما يقدم لكون ذلك حق المجتمع عليه، لكن على المجتمع أن يؤدي أيضاً حق الرائد عليه. وقد يعد هذا من باب تبادل المنافع، ولست أرى في هذا بأساً بل هو الواجب في حقيقة الأمر اعترف به جميع الناس، أو أنكره بعضهم. |
وتبادل المنافع واقع أوجد الله عليه البشر مما أوجدهم عليه من أحوال، فهو جزء من كيانهم واستمرار عماراتهم الكون الذي استخلفهم الله فيه وقدر لهم أن يتصل عملهم في عمارته إلى أن يرث الأرض ومن عليها. |
إن الرائد في أي مجال يخدم بريادته مجتمعه، وعلى مجتمعه أن يقدم له ما يستحقه، وأقل ذلك الكلمة الطيبة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث السالف. |
والذكر الحسن والكلم الطيب من تلك المكافأة التي أمر بها الحديث الشريف، فهل يجوز البخل على الرواد بالذكر الحسن مع كونه أيسر ما يجب تقديمه؟ فهل نحن فاعلون؟ |
إن تكريم الرواد في حقيقته ليس تكريماً لأشخاصهم بل هو إلى ذلك تكريم لفكرهم وللمجتمع الذي نبتوا فيه وقدموا له فكرهم ليكون منطلقات مسددة لمستقبل فكر مجتمعهم، وهذا ليس بالأمر اليسير. |
والشعوب التي تحرص على تطوير حياتها تعنى دائماً بالرواد وبفكرهم وتقدر النابهين وتهتم بهم، والأمة الإسلامية أحق الأمم بمثل هذا السلوك الفاضل، فهل يعمل الآخرون مثل عمل الأستاذ عبد المقصود خوجه، ومثل عمل نادي جدة الأدبي؟ |
|