(( كلمة الشيخ محمد الحبيب بلخوجة ))
|
ثم أعطيت الكلمة لسماحة الشيخ محمد الحبيب بلخوجة - الأمين العام لمجمع الفقه الإِسلامي - فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم.. |
- صلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.. |
- معالي الشيخ لا يسعني في هذه المناسبة الجليلة، إلاَّ أن أتقدم إلى سيادتكم بالشكر الوفير على ما أتحتم وتتيحونه لنا من الفرص، للالتقاء بأعلام الفكر الإِسلامي والعربي، في مختلف المجالات الشرعية، والإِسلامية، والأدبية، والفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية؛ فقد سعدت شخصياً بحضور كثير من الندوات في هذا البيت العامر، وأفدت من المحتفى بهم، كما أفدت من الإخوان الكرام الَّذين يؤمون هذا النادي، يؤمون هذا البيت، وفي التحقيق عندما أنظر إلى كل سلسلة من سلاسل الفكر والعلم، التي قدمتموها لنا مع الاحتفاء بها، والإكرام لها لأجد هذه السلاسل منتظمة لفرائد، لا أستطيع أن أميز بينها لما تألقت به من كمال ومعرفة وجمال وجلال؛ وعندما يلتفت المرء إلى هذه الحقيقة يحمد الله ويقول: إن الإِسلام بخير، والعالم العربي والإِسلامي بخير، وما نجده في مثل هذه المنتديات يملأ النفوس رضا وطمأنينة، مع حفزها على العمل والجد والاستقامة لتحقيق الغد الأفضل. |
- لقد استمعنا إلى عدد كبير من الفقهاء، وشرفنا بالاحتفاء معكم بهم، واليوم نحتفي برجل هو كهؤلاء الرجال فضلاً، وعلماً، وفكراً، لكن لكل واحد خاصة، ولكل فرد يحتفى به تميز، والتميز الَّذي أشهده وأجده في فضيلة الشيخ منّاع القطّان، أخينا الَّذي آنسنا بالاستماع إليه في كثير من المناسبات، وتعرفنا عليه في المؤتمرات التي انعقدت بالمدينة وبالرياض، وقرأنا له الكتب الكثيرة..، هذا التميز الَّذي أريد أن أذكره لحضراتكم، وإن كانت الكلمة التقديمية وافية به، وذاكرة للجوانب المختلفة التي أريد التأكيد عليها هي؛ هذه الحياة العامرة - من الطفولة إلى الآن - بالعمل الجدي الإِسلامي درساً وتدريساً، بحثاً ومراجعة، وتوجيهاً ونقداً، وتحديداً للمسار الَّذي ينبغي أن نسلكه في حياتنا العملية. |
- ولذلك وجدنا الشيخ القطان في المرحلة الأولى يدرس ويعنى بدراسته عناية فائقة، جاعلاً أساس هذه الدراسة حفظ كتاب الله الكريم، والاستعانة بهذا الحفظ على متانة العلاقة بينه كشخص، وبين هذه العلوم، الاتجاهات، والآراء، والنظريات، واللغة التي تميز بها بفضل حفظه لهذا الكتاب؛ فهو فصيح اللسان، متين البيان، رائع العرض، جميل الإلقاء..، إلى الجوانب الأخرى التي لا تتصل بالناحية اللسانية، ولا بالجانب البياني والأدبي، ولكنها تتصل بعمق النظر الشرعي والمعرفة بأحكام الله، والإحاطة الكاملة بالمصادر التي دعانا الله (سبحانه وتعالى) ودعانا رسوله صلى الله عليه وسلم لأن نتمسك بها كل التمسك، لأنها الطريق إلى الفوز وإلى النجاح في الماضي وفي الحاضر، وحتى في المستقبل. |
- وما هذه المصادر إلاَّ ما عناه رسولنا صلى الله عليه وسلم بقوله: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنَّة نبيَّه".. فالكتاب الكريم والسنَّة النبويَّة الشريفة، كانت أساس تكوين هذا العالم الفاضل، كما إنها كانت المحور الدراسي الَّذي انكب عليه طيلة حياته، سواء في تدريسه، أو في تفسيره، أو في فقهه، أو في فتاواه، وبذلك فإنه لم يخرج عن هذين الميدانين الأساسيين للتفكير الإِسلامي، والتي نجد اعتزازاً كبيراً في الالتقاء حولهما والتعاون في الوصول إلى فهمهما، والاستفادة منهما. |
|
- ثم بعد ذلك نلاحظ أن هذا الطالب الناشئ والمدرس الشاب، الَّذي أقبل على تعليم اللغة العربية حيناً، والفقه الإِسلامي حيناً آخر، والكتاب والسنَّة مرةً ثالثة، قد اشتغل بالبحوث وبالدراسات العلمية، ثم قام بتوجيه الطلبة؛ ويكفي أن ننظر إلى هذا العدد الكبير من الرسائل الجامعية، سواء بالنسبة للحصول على الماجستير، أو بالنسبة للحصول على الدكتوراة - وأنا لا ألتفت إلى الماجستير ولا إلى الدكتوراة - القضية هي أن الإنسان إذا عني بمثل هذه البحوث، وكانت بهذه الوفرة، تعني أنه استطاع أن يمد بمعرفته وتوجيهه العلمي وقدرته على الاستيعاب مجالات كثيرة لا تحصى، وهي التي تكون أساس التخريج الصحيح بالنسبة للواردين على هذا المنهل العذب، والآخذين منه من الطلاب في الجامعات. |
- ثم أجده مناقشاً للرسائل، بجانب هذا الإشراف الَّذي كان له على أكثر من مائة رسالة، هناك المناقشة والتصحيح لمسيرة النظر والبحث، لأكثر من خمسين ومائة رسالة أو بحث؛ ثم احتيج إليه وطلب منه أن يكون حكماً في كثير من الأحوال، لتقديم بعض الأساتذة إلى درجة أعلى من التي هم فيها، وذلك على أساس ما أنتجوا وقدموا من بحوث وأعمال، تشهد لهم بالقدرة، وتحقق لهم وتؤهلهم إلى هذا الشرف العلمي الكبير، فإذا الجوانب التي أحاط بها في عمله، هي القاسم المشترك فيما بيننا وبينه، لأننا إذا أحببنا إنساناً أحببناه، ووجدنا التعليل الصحيح لمحبته. |
- فنحن نحبه في الله، ونحبه على هذه الآثار الطيبة العلمية، للمشاركة في دراسة الشريعة الإِسلامية ومصادرها؛ وتنبيه الغافلين إلى كثير من الحقائق التي لا يجدونها في حلقات الدرس، ولا يجدونها في المقالات السريعة التي تكتب وتنشر في المجلات والصحف. |
- ثم نجده إلى جانب تعمقه في دراسة مصادر الشريعة والفقه الإِسلامي، يصور لنا في كثير من البحوث مواقف الإِسلام من قضايا العصر، وهذه خطوة جديدة حتى لا نكون عائشين في ماضٍ وفي ثقافة يسمونها تقليدية، فنحن نعيش حاضرنا ولنوجهه ولنرسم له الخط البياني، الَّذي نستطيع أن نسلم به، من العثرات. |
- ثم نجده يبحث قضية تاريخ التشريع الإِسلامي، وكم من إنسان بحث تاريخ التشريع الإِسلامي، فالمكتبة الإِسلامية عامرة بهذه الكتب، لكني قد وقفت على كتبه ورأيته يجمع الجانب التطبيقي في دراسة تاريخ التشريع الإِسلامي إلى الجانب النظري. |
- ثم قد استمعنا إلى هذا العدد الكبير من الفتاوى التي نشرها، والحركة الإِسلامية التي أسهم فيها فلسفة ونضالاً. |
- ثم هذه المؤتمرات العديدة التي سعدنا بلقائه فيها، والنشاطات التي لا تحصى، والمرتبطة بهذه العضوية المتكررة والمتعددة في كثير من الهيئات في هذه البلاد المباركة، والتي تشهد لطول باعه ولامتدادات نشاطه، بما يناسب امتداد أوجه الحياة في هذا العصر الَّذي نعيشه وفي هذا البلد الأمين. |
- ونحن إلى جانب معالي الشيخ، نتقدم إليه بالشكر على أن أتيحت لنا هذه الفرصة، لنسعد بلقائه بعد فترة طويلة لم نلقه فيها، ولنستفيد ولتنشرح صدورنا إلى ما سنستمع إليه من القلائد والفرائد، والدراري، التي سنستمع إليها عندما يتقدم بعرضه. |
- وشكراً لكم. |
|