شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الغمز وَاللمز في البَيع والشراء (1)
كان في السابق هنا وفي أكثر البلاد الإسلامية ـ إذا استفتح صاحب الحانوت ولم يستفتح جاره يرسل زبونة إليه لأجل أن يستفتح ذلك الآخر. وفي الحقيقة أن هذه العاطفة شريفة وأن حبهم لخير بعضهم هو الذي جعلهم يؤثرون غيرهم على أنفسهم، ويشاركون بعضهم السراء والضراء ولكن الآن وقد دار الزمن دورته وقلب الدهر مجنه فقد أصبحنا نرى عكس تلك الآية تماماً، أصبحنا نرى أن صاحب الحانوت إذا ما أبعد زبوناً عند غيره أو جاره يغمز له ويلمز.. ويبرق له ويرعد وهذه نجدها أكثر استعمالاً في الأسواق التي يشتري منها أهل البادية وإن هذا يعطينا دليلاً على التغيير الذي طرأ علينا، وإذا شئت فقل الذي طرأ على أخلاقنا وعلى نفوسنا وإني لا أعني بقولي هذا أن جميع أصحاب الحوانيت يرتكبون ذلك لا.. بل بعضهم، كل يعرف نفسه، وهذا البعض الموجود فيه هذه العادة يجب أن يتركها لأنه منهي عنها شرعاً فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها متفق عليه ولمسلم (لا يسوم المسلم على سوم المسلم) ومن الغريب أن البعض هنا يعتقد أن هذا من باب المزاحمة ويقول إن المزاحمة ضرورية للأمة التي تريد الحياة لأنها تجعل حركة البيع والشراء والأخذ والعطاء قوية وذات فائدة محسوسة للأمة. ولذا أقول هذا القول عن المزاحمة وقريب كل القرب من البغض والحسد.
وإني إذا كتبت لا أكتب إلاّ لأجل أن أدعو الأمة لتطبّق تلك العادة القديمة فيرسل صاحب الحانوت إلى جاره، لا.. وليس هذا بعداً عن فعل الخير ولا كرهاً في تلك العاطفة وإنما لاعتقادي أني إذا قلت ذلك لا أجد من يسمع له مهما قلت وصرخت فإن ذلك لا يفيد وإنما أكتب لأقول لمن تعود منا على عادة الغمز واللمز وجعلها آلة الجلب للزبائن أن يتركها لأنها غير حميدة، ونحن مأمورون شرعاً بتركها، وإذا أردنا أن نزاحم غيرنا فيجب أن نتبع طرق المزاحمة المشروعة وفي ذلك خير للأمة والمجتمع وحيث قد أثبت على ذكر المزاحمة هنا أحب أن أذكر بعض أشياء كانت نتيجة لها طالما كنت أدخل مع نفسي في حوار مما أحدثت من تغيّر لا يزال أكثر أرباب الحوانيت غافلين عنه، أو إذا شئت فقل يحبون أن يتغافلوا عنه.
كلنا نعرف أن الحركة التجارية هي بخلاف ما تعهد في السابق، وأن ما دخل علينا من تطور في حياتنا الاجتماعية والمنزلية غيّر من بعض عاداتنا وأن هذا التطور الجديد الذي طرأ على حياتنا جعلنا بداعي الضرورة لدى قسم منا أو حباً في التقليد الآخر نستعمل أشياء كانت في الزمن السابق مقتصرة على أرباب الرتب العالية وأصحاب الأموال الطائلة وأن ذلك التطور أيضاً أدخل علينا أشياء لم نكن نعرفها في السابق ولم نعهدها في الماضي فاستعملناها حتى إذا أصبحت للبعض ((في الوقت الحاضر)) من اللزوميات والضروريات.
فإقبالنا على مثل هذه الأشياء واستعمالنا لها جعل المتصيدين للأرباح والمتيقظين لاستغلالها ينشطون لجلبها حباً في الربح وجرياً وراء الفائدة وهنا دخل دور المزاحمة فلعبت دورها ولا أغالي إذا قلت إن المزاحمة في حجازنا وليدة أعوام قليلة جداً والذي يراقب الحركة التجارية وسيرها أدرك ذلك وعرفه ـ ونبهت أشخاصاً كانوا بالأمس بعيدين كل البعد عن الأعمال التجارية لجلبها الاستفادة بأرباحها، فكان من نتيجة ذلك أن أصبح الرابح فيهم هو الذي أكسبته الفرصة فاستغلها، وقنع بربح بسيط في ما يجلبه اليوم ويبيعه غداً.
وبيت القصيد أنه يوجد عندنا عدة محلات من بياعي الجملة والقطاعي لا يزالون متمسكين بنظريتهم السابقة، وهي ربح نصف جنيه بجانب الجنيه أو بقاء البضاعة (للأرضة ولسَّوس والذوبان) وما دروا أن المزاحمة قد أفسدت عليهم نظريتهم وأن الأشياء التي كانوا محتكرين توريدها في السابق قد زاحمهم فيها غيرهم، وأنهم إذا ما باعوا ولا جلبوا، فسيجلب ويبيع غيرهم. ولهذا السبب نرى أن حركة البيع في المحلات الحديثة المتساهلة قوية وضعيفة أو معدومة في المحلات القديمة المتمسك أصحابها بالنظرية القديمة ثم هناك مسألة أخرى تكاد تكون معدومة لا في النزر اليسير من الحوانيت، وهي الفرق بين بيع الجملة والمفرد فالذي سائد عندنا أن الذي يشتري قطعة مثل الذي يشتري عشر قطع مثلاً بربح خمس قطع، الاستفادة هي أكثر لأنه يصرف أكثر ويربح أكثر فهذه الأشياء وأمثالها لو اعتنى بها أصحاب المحلات التجارية وأرباب الحوانيت لإفادتهم كثيراً ولا أستطيع أن أقول إنهم يجهلونها بل الذي أعتقده أنهم يعرفون ذلك ولكنهم يظنون أن أفكار الأمة لا تزال على ما كانت عليه في السابق وما دروا أن العالم اليوم خلاف العالم بالأمس، وأن الأمم اليوم خلاف الأمم بالأمس وأن الحجاز اليوم خلاف الحجاز بالأمس وأن تطور الحياة الذي أثر في مجرى حياة العالم أجمع (وبالطبع كان ذلك وبأسباب وعوامل مختلفة) أثر فينا أيضاً لما وجدت تلك الأسباب والعوامل (ولنا في هذا البحث خاص إن شاء الله تعالى) فأخرجنا من طور إلى طور، وبدلنا من حال إلى حال وسبحان مقلب الأحوال.
وعليه وقد أثر فينا تطور الحياة فغيّر من حياتنا الاجتماعية فيجب أن نغير من العادات القديمة المضرّة (لوجود عادات حسنة).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :417  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج