شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
2 ـ التاجر أيضاً (1)
شغلت بما شغل به الناس في هذا الموسم المبارك، فحجبت عن قرّاء ((أم القرى)) في العدد الماضي وكم أنا آسف لذلك فمعذرة وعفواً. للتجارة في بلادنا عادات غريبة في بابها إن كان في (1) دفاترهم وقيودهم، أو في (2) معاملتهم ومسلكهم أكثرها لا ينسجم وروح التجارة ولا يصلح أن تنتمي إليها، وتعدّ منها، وهذه العادات موجودة في القسمين الصحيح والمزيف اللذين ذكرناهما في مقالنا السابق. نعم إن بعض المحلات التجارية تسير في قيودها ودفاترها على الطريقة المسماة ((بالدويبا)) ولكنّ هذه المحلات قليلة جداً وأكثر المتبعين لهذه الطريقة لا يتقنون أصولها الفنية على الوجه الصحيح إلا النزر اليسير منهم والباقون أسماء بدون مسمى وطريقة الدويبا تتبع في بعض المحلات التجارية بجدة ومكة وفي جدة أكثر هنا من مكة أما في باقي المدن الحجازية فهي معدومة منها بالكلية والمحلات الأخرى تكرّس جميع قيودها بدفتر وبعضها بدفترين لا نظام لهما ويصح أن تقول إنهما من المصائب على التجارة وعليهم أيضاً والآن نستعرض القسمين اللذين ذكرناهما أعلاه (1) دفاترهم وقيودهم.
في شهر المحرم من العام الفائت ظهر (النظام التجاري) وتمنينا أن يكون هذا النظام خطوة جديدة في تحسين الدفاتر والقيودات التجارية ولا أريد أن أستعرض نظاماً وما حواه فهذا لم نصل إليه بعد، وإنما اضطرتنا الظروف إلى أن ننوّه به هنا لما له من الارتباط بموضوعنا هذا، فكرت الحكومة في هذا النظام وأصدرته لا لأجل أن يبقى ما جاء فيه حبراً على ورق ولا لأجل أن يحفظ في الملفات والصور. لا.. بل لأجل أن تطبق مواده وتنفذ أحكامه ولذلك شكلت لجنة سماها النظام بالمجلس التجاري وأوكّل إليه أمور جميع ما جاء بالنظام لضمان صلاحيته.
تتضمن المادة السادسة وفقراتها الأربع، الدفاتر التي يجب أن يستعملها كل تاجر، ولو استعرضنا المحلات التجارية فإننا نجد العشر منها طبق منطوق تلك المادة مع تحوير واعوجاج والتسعة الأعشار لا تزال تسير على طريقتها القديمة ويا حبذا لو أن الطريقة التي يتبعونها حسنة لكان المصاب أقل ولكنها طريقة مشوّهة مقلوبة الكيان لا ترتكز على قاعدة ولا تتماشى على شيء من الأصول. بعض المحلات التجارية تستعمل دفتراً واحداً تقيّد فيه الوارد والمنصرف من نقد وبضاعة وما لها وما عليها من ديون وغير ذلك من الأعمال التجارية التي تتعلّق بتجارتها وإذا أرادت تسديد قسم منها وضعت عليه دائرة وهذه في عرفها هي علامة التسديد وقد كان المتبعون لهذه الخطة في السابق هم الحضارم الموجودين في بلادنا والمستغلين مصلحتها أكثر من الوطنيين ومنهم تناقلتها بعض المحلات التجارية وهذه الخطة عواقبها وخيمة جداً لأنها أولاً: مخالفة للعرف التجاري ونظامه، ثانياً: مشوشة للقيود ومسببة للاختلال والارتباك في الأعمال. ثالثاً: لا تعتمد في المحاكم والمجالس التجارية، رابعاً: لا يستطيع صاحبها أن يعرف الداخل من الخارج ولا موجوده من معدومه إلا بعد مشقة عظيمة وهناك توجد أضرار عديدة يعرفها من كان واقفاً على أصول الأعمال التجارية والقيودات الحسابية ولو أن ذلك الدفتر تمشى على نظام يقره العرف التجاري لصح أن ندعوه دفتر اليومية الذي نبهت إليه الفقرة (1) من المادة السادسة من النظام التجاري أو نسميه باليومية الزفرة، المستعمل في المحلات التجارية بالخارج ولكن لا هذا ولا ذاك.
وبعض من المحلات التجارية في بلادنا وهي قليلة تضيف إلى هذه الدفاتر دفتراً آخر تخصصه للمحاسبة التجارية التي بينها وبين وكلائها وتدعوه (بالجاري) ونظام هذا الدفتر في بعض المحلات لا بأس به وفي بعضها رديء يكاد يكون ضرره أكثر من نفعه فهذه الخطط المقلوبة (الكيان) منتشرة بين التّجار بكثرة ومتبعة في كثير من محلاتهم، وبالرغم من كونهم يعرفون أنها مضرة وأنها مخالفة للنظام والعرف التجاري ومضيعة لحقوقهم ومشوّشة لقيودهم فإنهم لا يزالون متمسكين بها ويسعون في توسيعها وانتشارها، فلو أن المتبعين لهذه الخطة وأمثالهم أحسنوا نظام دفاترهم، وأحكموا قيودهم لعادت الفائدة عليهم دون غيرهم ولكن قد اعتدنا نحن الحجازيين، أن نعض بالنواجذ على كل قديم حتى لو كان فيه هلاكنا ودمارنا كأننا لا تؤثر فينا المؤثرات ولا تحرك منا الساكنات وهذه إحدى المصائب التي زادتنا تأخراً وبلاء على بلائنا وغطيطاً في نومنا ولا حول ولا قوة إلى بالله.
(2) معاملاتهم ومسلكهم.. بقدر ما يكون التاجر بشوشاً لطيفاً يكون لبضاعته رواج حسن وبقدر ما يكون التاجر عبوساً متغطرساً يكون تصريف بضاعته ضئيلاً متأخراً، أي إن معاملة التاجر لعملائه لها تأثير قوي في سبر تجارته وانتشارها ثم إن للجاذبية التجارية ميزة خاصة لا يستطيع كل شخص أن يتقنها إلا بعد تجارب عديدة، ولا أبالغ إذا قلت إنها كادت تصير في وقتنا هذا فناً من فنون تحتاج إلى المعلم والدرس.
فالتاجر لا يصح أن يسمى تاجراً، إن كانت مفقودة منه تلك الجاذبية التي يستطيع بها أن يستولي على قلوب عملائه أو بمعنى أصح يستطيع بها أن يصرف بضاعته دون مشقة وبسعر ممتاز وهذه الجاذبية لا يمكن أن تمتلك العميل بمجرد الكلام بل يحتاج صاحبها إلى عناية عظيمة ومهارة فائقة وحسن تصرف وهذه العناية والمهارة تختلف باختلاف العملاء ونزعتهم. وقل إن شئت باختلاف أخلاقهم وأشكالهم ومنظرهم الخارجي المزيف وكما أن التاجر يلاحظ مصلحته فيجب عليه أن يلاحظ مصلحة عملائه فيعمل لإرضائهم وجذبهم إليه بأشياء تحببهم فيه فتجعلهم لا يطلبون غيره.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :400  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 40 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج