العادات
(1)
|
1 ـ تعريفها: العادة ميل الجهاز العصبي إلى استعادة عمل خاص من الأعمال قام بعمله فرد من الأفراد وعلى الدوام. |
2 ـ سببها: يرجع تكوّن العادات إلى مزاولة عمل من الأعمال كان في أول الأمر لسبب من الأسباب أو بدافع من الدوافع أي بتدبير وإرادة فمتى تأثرت الأعصاب بفعل هذا العمل أنتج الانفعال في مراكز الحس فيتأثر وهكذا شيئاً فشيئاً حتى يصبح هذا العمل عادة يأتيها صاحبها من غير تدبر أو تفكير. |
3 ـ الأمثلة: فمثلاً الشخص الذي وضع على يده ساعة لسبب رغبته في معرفة الزمن ولغرض التجمّل بها بدأ يثني يده في أول الأمر بإرادة وتدبر لينظر إلى الساعة ليتبيّن الزمن ويظل يعمل هكذا من حين إلى حين فإذا ما انكسرت يوماً وأرسلها إلى الساعاتي لإصلاحها رأيناه في مجلسه لا ينقطع عن ثني يده وشخوصه لموضع الساعة بالرغم من عدم وجودها. |
4 ـ قوة العادة: يقول علماء النفس والتربية (العادة طبع ثانٍ) وهم لا يقولون هذا إلا لما للعادة من القوة ولا سلطان في تكييف أعمال الإنسان وليس أدلّ على قوة أكثر من التأمل في صعوبة استئصال عادة من العادات. وقد دلتنا التجارب على أن كثيرين من ضعاف الإرادة ذهبوا ضحية عادة من العادات السيئة ولم يقووا على محاربتها واستئصالها. |
5 ـ أنواع العادات: مجموعة أعمالنا الشخصية في الواقع مجموعة عادات فمزاولة الصناعات والمهن والحرف هي عادات عملية. أما قراءة الكتب والتعمق في تحصيل العلم ومواصلة التأليف والتصنيف فهي عادات علمية أو عقلية. وهناك عادات خلقية كالبصق وغسل الوجه في الصباح وعمل الواجب اليومي وغير ذلك مما يدخل في حظيرة الأخلاق الفاضلة أو الرديئة. |
6 ـ تأثير العادات في نفوس الفرد والجماعات: قلنا إن العادات قوة تدفع صاحبها إلى السعادة أو الشقاء فتكوين العادات الحسنة في نفوس الأطفال أو بالتالي تمرين الأطفال على الأعمال الصالحة تكون فيهم عادات صالحة ومتى تكوّنت فيهم عادات صالحة، تولدت في نفوسهم أخلاق صالحة تسوقهم على الدوام لعمل الخير والفضيلة. ولا شك في أن الشاعر العربي محق في أن يقول: |
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت |
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا |
|
وفي الواقع عمل أي شيء من العمال منشؤه في الأصل الفكر والإرادة من حين إلى حين ومزاولة هذا التكرار يكون عادة تصير طبعاً ثم خلقاً، ومن هنا يرى ضرورة عناية المدرسين بتكليف تلاميذهم بمزاولة أعمال طيبة لتصبح عادات طيبة ثم تصير أخلاقيات فاضلة. فالمدرس الماهر هو الذي يستأصل شأفة العادات السيئة من نفوس الأطفال حتى لا يشبوا عليها ثم هو الذي يغرس في نفوسهم حب العادات الصالحة حتى تنطبع في نفوسهم فيشبوا وهم ذوو أخلاق عالية، وإرادة سامية ويسيرون في أعمالهم وفقاً لأرقى قواعد الإدارة والحركة. |
7 ـ فوائد تكوين العادات ومضارها: قلنا إن تكرار عمل من الأعمال ومزاولة هذا التكرار يجعل هذا العمل عادة في ما بعد وقلنا إن العادة إذا تكوّنت أصبحت طبعاً ثم صارت خلقاً وعليه تستطيع أن تأتي بهذه النتيجة وهي إن كانت الأعمال التي تقوم بها في أول نشأتها صالحة تكوّنت منها عادات صالحة ثم صارت أخلاقاً صالحة وإن كانت الأعمال تتورّط في عملها في أول نشأتنا سافلة فإنها تكون فيها عادات دنيئة ثم تصير أخلاقاً فاسدة. |
ومن هنا يتبين لنا خطورة تكوين العادات في نفوسنا، وعليه إذ قيل إن لتكوين العادات الصالحة الفضل الأكبر في تهذيب النفوس وتكوين الأخلاق الفاضلة فإنه من جهة أخرى نقول إن لتكوين العادات السيئة الضرر الأكبر في إفساد النفوس وتكوين الأخلاق الفاسدة. فمتى كانت العادات الشخصية التي نعملها مبنية على مزاولة الأعمال المجيدة التي تدعو إلى الحق والفضيلة فإنها تصبح أخلاقاً عالية ومن هنا ندرك فوائد تكوين العادات. ومتى كانت الأعمال التي نزاولها في صغرنا أعمالاً شائنة فإنها تكون في نفوسنا العادات السيئة ثم الأخلاق الفاسدة. |
ومن هذا كله ندرك مقدار تسلّط العادة على الإنسان وصعوبة اقتلاعها وعليه يحتم على المربين أن يراقبوا الأولاد مراقبة دقيقة مخافة أن يقدموا على شيء سيئ فيصير عادة سيئة فيما بعد كما أنه يجب عليهم أن يدفعوا الأطفال على الدوام إلى مزاولة كل أعمال الخير لتكون فيهم العادات النافعة ثم تنشأ في نفوسهم الأخلاق الطيبة والإرادة الصالحة لعمل كل فضيلة. |
وينشأ ناشئ الفتيان منا |
على ما كان عوده أبوه |
|
وعلى رأي المثل العربي: من شب على شيء شاب عليه. |
|