شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
3 ـ نحن والتقاليد (1)
(الشوارب واللحى) اللَّهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وصل بنا التقليد الأعمى إلى الشارب واللحية فقلدنا فيهما غيرنا غير ملتفتين إلى معارضة ذلك لديننا، تماشياً مع التقليد، واتباعاً لشهوات أنفسنا وحباً في تقليدنا غيرنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وصل إلى الحجاز الشوارب المقطوطة واللحى المكعبة وسرعان ما انتشرا وعما جميع المدن الحجازية على الإطلاق واعتنقهما الكثير من الشباب الناهض فأصبحنا نرى شوارب مقطقطة ولحى مكعبة أو إذا شئت قلت مشوهة أشياء لسنا في حاجة إليها ومن العيب علينا استعمالها. نحن عرب فمالنا وهذه التقاليد المضرة الهالكة المشوهة لخلقنا والمخالفة لأصول ديننا والقاضية على تقاليدنا وشخصيتنا العربية ولا أعرف بل ولا توجد صلة تربطنا بهذا التقليد الأعمى حتى نأخذه ونعتنقه ومن الغريب أن من المقلدين لهذا النوع قسماً من الشباب المتعلم الذي يلتّون ويعجنون في ذكر العرب والعربية. وهناك شارب ((الطرة)) والغريب منه وإذا شئت فقل والمصيبة من أمر هذا التقليد أننا نجد أصحابه بينما هم يحافظون على الشوارب ويبرمون فيها نهارهم ويربونها كما تربي المرأة شعرها نجدهم يحلقون لحاهم ـ والعياذ بالله ـ لا أعرف ماذا يريدون من وراء ذلك وماذا يبتغون.. هل يريدون أن يكونوا جرداً مرداً؟ أظن كذلك!! الرجل يبلغ سن الرجولة بل سن الكهولة (ولا حول ولا قوة إلا بالله) فيقدم على أشياء ترجعه إلى عهد الطفولة فيحلق لحيته ويربي شاربه كأنه يأبى إلا يمتع نفسه بذلك العهد الماضي وهو لا يعرف كيف مضى فيبعد عن نفسه شوك اللحية.. كما يقول بعضهم ويرقص شاربه ويلاعبه ويداعبه وإذا ما أردت أن تنصحه يقول لك: اللحية لحيتي والشارب شاربي وأنا أدرى بنفسي. شيء غريب إذا كنت ترضى بالنقص لنفسك فالدين الإسلامي لا يرضى بذلك ولا يقره، والشخصية العربية تنفر منه ولا تحب أن تتقيد به، ما دمت أنت من أتباع هذا المذهب ومن أبناء تلك الأمة فالواجب الديني والقومية العربية تحتمان عليك أن تتقيد بقيودهما. وإني أقول ما أقول مؤملاً من أولئك النفر العدول عن هذه الخطة. خطة التقليد الأعمى. إن الواجب الديني يحتم علينا العدول عن ذلك وبصفتنا مسلمين موحدين يجب اتباع ما يأمر به وما ينهى عنه.
التواليت
اعتاد بعض الناس أن يربوا شعورهم حتى أصبحوا لا يستطيعون نزعها وقد رأيت أناساً عديدين يصابون بدوار شديد في رؤوسهم عندما ينزعوها. والحقيقة أن تربية شعورهم معلومة لا تحتاج إلى شرح. ولكن نحن العرب تركنا عادة العرب وقلدنا في تربية الشعر أوروبا قلدناها في تربيته ومشطه وفرقه ودهنه وتعطيره وكل شيء فيه.
أما عادة العرب فلا يستعملها إلا قسم من الأشراف أو النجديين وبعض بوادي الحجاز، وقد أدخل بعض هؤلاء أشياء أوجدت الاشمئزاز منها. والآن لنستعرض تربية الشعر في حجازنا أو التواليت كما يسميه المغرمون بهذا التقليد فنجد لهم طرقاً مخصوصة لغسله وتنشيفه ومشطه ودهنه وصقله ولهم عدة مخصوصة تحتوي على الصابونة ـ جنس جيد إن لم يكن ممسك المشط والمرآة وسكينة ـ جنس جفرليت جلاتين ـ وقارورة الوزلين وقارورة الكولونيا وأشياء كثيرة لا أعرفها، والمستعملون للتواليت في مكة بعض من الشباب أما في جدة فهو منتشر فيها انتشاراً عظيماً أما في المدينة فقليل وأستطيع أن أقول يكاد يكون معدوماً في بقية المدن الحجازية وإني أخجل أن أقول إن أكثر المستعملين للتواليت في الحجاز هم من الشبيبة التي نعلّق عليها آمالاً عظيمة، يقوم صاحب التواليت من الصباح فيشمر ساعد جهده واجتهاده ويغسل رأسه ثم ينشفه جيداً ويمشطه بعد أن يضع عليه الكولونيا ما شاءت له نفسه الأمارة بالسوء بعد كل هذا يمشي الموسى على لحيته (لأجل أن يأخذ إن كان هناك زغب أو شعر ظهر جديداً أو شيء يعكّر صفو الخد ونعومته). ولا حول ولا قوة إلا بالله وقد تستغرق منه هذه العملية من نصف ساعة إلى ساعة وهذا الوقت لا يؤثر عليهم لأن من عاداتهم ضياع الوقت سدىً أو كما يسميه الكثير منا (قتل الوقت) والحقيقة أن الوقت لم يقتل بل نحن قتلنا بتضييع أوقاتنا سدى وسنأتي على ذلك عندما يأتي بحثه إن شاء الله والويل ثم الويل للذي يكون حاضراً تلك العملية فيفسد منها شيئاً أو يعاكس صاحبها في شيء فهذه الأشياء التي تكبده هذه المشاق ما هي الفائدة التي نجنيها من ورائها؟ أقول وأنا على يقين من قولي إننا لا نجني من ورائها غير تبذير الأموال والتشبه بالنساء والتقليد الأعمى والله لا نجني من وراء ذلك غير الضياع. والإهمال والقضاء على شعارنا وزينا العربي بل ونخالف الشريعة في ذلك.
لكل أمة من الأمم (2) عوائد مخصوصة تتقيّد بها، وتسير على نظامها وتحافظ محافظة تامة على عدم العبث بها وقد تتمكن بعض العادات من النفوس وتتغلغل في قلوب الأمة فتصير واجباً وفرضاً لازماً من الفروض المقدسة وقد يبلغ حد التمسك بالعادات إلى مقاومة من أراد العبث بهاء ومن الصعب جداً نزع العادات من الأمم وإبقاؤها خالية منها، وإن التغير الذي نراه يحدث في عادات بعض الأمم ما هو إلا ناشىء عن محاربة قلمية أو دساتير رسمية لتلك العادات فأثمرت وتغيرت تلك العادات السيئة بأخرى أحسن منها فصارت هذه الأخيرة عادة لتلك الأمة. فالعادات باقية ببقاء الحياة لا يمكن أن تزول إلا بزوالها وإذا نحن كتبنا فيها فلا نكتب فيها لاستئصالها، بل لأجل أن نضع موضعها عادة حسنة نستفيد منها أكثر من الأولى التي كانت تضرنا وتفتك فينا. أما استئصال العادات تماماً فهذا شيء من المستحيل لأنه لا يمكن بقاء الأمة خالية من العادات فمثلاً إذا كانت عادتنا في غذاء أطفالنا سيئة لا تنطبق على الوجه الصحيح وقلنا بإزالتها فمعناه أننا نطلب أن تكون التغذية على وجهة فنية لكي تفيد أطفالنا وتحسّن من صحتهم وعند ذلك نكون قد أبدلنا العادة السيئة بعادة أخرى حسنة. وكل شيء يتفق عليه العرف وتعمله الأمة وتواظب عليه يكون عادة فيها. وكل أمة من الأمم يوجد لديها من العادات ما هو حسن وما هو قبيح وحجازنا كذلك، ولما كان القصد الفائدة ليس إلا فسنقصر في بحث العادات على ذكر السيئ منها المضر بنا فقط أما العادات الحسنة فما لنا وإياها لأن الحسن حسن والقبيح قبيح وقد يظن البعض أن القصد من هذا هو التشهير بمعائبنا ونقائصنا والتشهير بما فينا من سيئات، وقد جزم البعض بذلك حالة كوني ما قصدت ذلك ولا أردته وليس لي فيه غاية وإنما ما قلته وما سأقوله الغرض منه لفت نظر الأمة إلى الداء الساري الذي يفتك بها من حيث لا تشعر، علّها تنتبه فتقاومه وتحس فتناضله وهذا واجب قمت به وهو الذي دفعني إلى ذلك وإني لا أريد من أحد جزاء ولا شكوراً ما دمت أقوم بأداء واجبي وأداء ما على نحو وطني وأمتي وإني أقول إن من رأى في كتاباتي غير الحقيقة فليردها علي مقرونة بالبراهين وإذا فعل فإني أقبلها وأنا له من الشاكرين.
كيف ننفق؟
كل منا يعرف أن ليس لنا مرتفق غير ما نحصل عليه من الموسم وهو كل ثروتنا وكل ما نعلق عليه من آمال فنحن نكابد أيام الموسم للحصول على ما نصرفه طوال سنتنا فنخرج بما نخرج به من قليل أو كثير ولم نكن لنقتصد فيه ولا ندخر منه لعوزنا قليلاً ولا كثيراً حتى نوزعه على أيام سنتنا كلها بل اعتدنا أن نصرف جميع ما يصل أيدينا في الحلوة والمرة والحسنة والسيئة والجديد والقديم في (جعرانة وآخر في سولة، وثالث في الوادي) و.. ثم ثوب لاس، وآخر كتان، وثالث رشوان و..
وفوق ذلك كوت تراك وآخر ملوكاني وثالث وزيرية و.. يلحقه إحرام صوف وآخر حرير وثالث مشروك و..
متبعين الموضة التي مصت أجسامنا وأنهكت قوانا وأخذت ما حصلنا عليه بأعظم المشقات غير مبالين بما سيعقب من أتراح تدمي القلب وأيام سود تكسر العظم وتفتت الكبد فلطفك اللَّهم وحنانك وعفوك فاهدنا إلى سواء السبيل. إني أكتب هذه والقلب يتقطّع ألماً من العادات السيئة التي اعتدناها في مصرفنا وبذخنا ولهونا، ولو تدبرنا الأمر وحاسبنا أنفسنا وناقشناها لكان أولى، كم جميل لو عدلنا عن هذه العادة واتبعنا عادة تؤمن مصلحتنا وأحسنا التصرف في أعمالنا وحسبنا للزمن ألف حساب واستيقظنا لمثل هذه الحوادث وادخرنا بعض الشيء نقاومها به.
فعسى أن تفيدنا كل هذه الدروس القاسية التي تلقيها علينا هذه الحوادث المؤلمة فتنبهنا وتوقظنا فتجعلنا ندخر قرشنا الأبيض ليومنا الأسود ونسير في صرفها على طريقة حسنة وإذا أبينا إلا التمادي فإنا نكون قد جنينا على أنفسنا بأنفسنا وعلى مستقبلنا بيدنا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :407  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 35 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج