شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الاجتماعيات
هذا هو أوسع باب طرقه محمد بن سعيد بن عبد المقصود حيث عالج فيه كثيراً من مشاكل المجتمع وأدوائه وتحدث عن شؤونه الخاصة والعامة يجول في حياة المجتمع يدعو حيناً وينصح ويرشد حيناً آخر ولم يدع موضوعاً إلا طرقه فتارة نجده يتحدث عن لبس زي في مدارس البنين فيدعو إلى توحيد زيهم بحجة أمرين أساسيين.
أولهما: المظهر العام، فإن ظهور الطلبة في زي واحد يعطيهم نظرة اجتماعية خاصة.
والثاني: أنه يكون مظهراً من مظاهر التساوي، وفي هذا ما فيه من طمأنينة نفسية تنعكس آثارها على حصيلتهم العلمية.
2 ـ ومن تلك القضايا مسألة المرأة وفي هذا الموضوع تحدث عن الزواج والزوجين ثم عن المرأة في الحجاز ومبلغ محافظتها، ودورها في المجتمع والبيت ثم ما امتازت به عن النساء في البلدان الأخرى.
وكان في ذلك يطرق حيناً أموراً تعد بدعاً في مجتمعه كدعوته إلى أن يجتاز الرجل فحصاً طبياً يثبت صلاحيته لإنشاء أسرة كما يثبت أو ينفي لياقة الرجل البدنية.
3 ـ ويتحدث عن الأخلاق فتدفعه ثقافته وحرصه على عدم مس مشاعر الآخرين إلى أن يجعل نفسه موضع الملحوظات التي طرقها في أحاديثه فيلوم أمته أفراداً وجمعاً على التهاون في ميدان الأخلاق ويحملهم جزءاً من المسؤولية لأنهم لم يقوموا بدورهم في بناء الحق الفاضل في نفوس الناشئين.
4 ـ وقد درس ابن عبد المقصود العادات والتقاليد بعد أن نظر إلى واقعها في مجتمعه نظرة المصلح الغيور فساءه كثير من تلك العادات والتقاليد، فأقبل عليها بفكره وقلمه وأخذ يتابع تلك العادات والتقاليد مثنياً على حسنها مشنعاً على سيئها داعياً مجتمعه إلى إصلاح ما اعوجّ من عاداتهم وتقاليدهم، وكتب في ذلك مقالات كثيرة جداً سنثبتها لك في ما يلي من صفحات، وقبل أن نفعل ذلك نودّ أن نشير إلى شيء منها لا لأهميتها في حياة مجتمعنا فحسب، وإنما لأنها في أيام الرجل كانت بداية داء يصل سريانه في جسم مجتمعنا حتى بات علاجه عصيًّا فمن ذلك حديثه عن الألفاظ التي اتخذها الناس عادة في حديثهم رغم كونها لا تمت إلى لغتهم بسبب، وإنما هي ألفاظ وفدت علينا من الخارج وكان يمكن أن يستعمل بديلها في اللغة العربية مثل (ألو ـ تليفون ـ سنترال) وما أشبه ذلك.
ومن ذلك أيضاً حديثه عن الشوارب واللحى والتواليت والعمامة ولست أدري ما الذي سيقول (خوجه) لو عاش في زماننا حيث شاع فيه بشكل واسع حلق اللحى، وأساليب إرضاء الشعور على نحو ينطبق عليه قول الدكتور حسن جاد.
من مجيري من اللوائي اللواتي
حرت فيهم بين الفتى والفتاة
وكان كثير من أهل عصره لا يوافقونه على هذا المنهج الإصلاحي، وربما جهروا بذلك في الصحف على نحو من موقفهم في حديثه عن العمامة ـ مثلاً ـ ومنه أيضاً تلك الكليمات التي تناثرت في الصحف مهاجمة (الغربال) وهو الرمز الذي كان يوقع به في كتاباته.
ووصف مقالاته في العادات والتقاليد يطول، ويحجزنا عنه ما يفضي إليه من تكرار قد يسأم من يقرأ ما نكتب ثم نقرأ في تلك المقالات التي وضعناها ـ فرضاً ـ في ما كتبنا.
5 ـ وأحاديث (خوجه) عن العادات والتقاليد تظل جديدة ما بقيت بقايا من تلك العادات، غير أنا نجد كثيراً بين العادات والتقاليد التي عالجها في مقالاته لا يستفحل أمرها ويستطير شرها إلا في زمننا، من ذلك ما أشرنا إليه سلفاً ومنه أحاديثه عن التجار وعاداتهم فلقد عالج في كلماته عن التجار حال أولئك الذين يقدمون على التجارة برأس مال ضعيف فيفضي بهم ذلك إلى الغش والخداع والمماطلة والمخالفات التجارية الكثيرة فلو أن (خوجه) نظر إلى كثير من أهل زماننا لوجد أنهم يغشون ميدان العمل التجاري وبخاصة المتاجرة في الأراضي وهم لا يملكون شيئاً إطلاقاً، فيأتون من سبل المخاتلة والمخادعة والغش والكذب ما الله به عليم.
وهذه مشكلة اجتماعية خطيرة خلقت كثيراً من المشكلات والقضايا المعقدة، أضافت إلى أعمال المسؤولين في الدولة والقضاء أثقالاً فسببت تعطيل كثير من المصالح والإبطاء بحركة الباني.
ومما طرقه من عادات التجار الغمز واللمز، ثم إسراف أبناء ذوي الأموال في الإنفاق إسرافاً جر إلى إباء بعضهم الإفلاس وهذه مشكلة كان منشؤها فساداً في التربية كما أشار إلى ذلك (خوجه).
وهو في أحاديثه هذه لا يغفل الإشارة إلى عادات الصالحين من أهل هذا الميدان غير أنه يركّز كثيراً على العادات الفاسدة تحرياً منه لسبل علاجها.
6 ـ ومن مقالاته الهادفة التي كانت تناسب زمانها، ولكن لم يبق لها في زماننا إلا دلالة تاريخية لجوانب من حياة الفكر والعمل عند أسلافنا ما كتبه حول مشروع القرش الذي اقترحه ووضع أنظمته ثم دعا قومه إلى أن يباشر العمل فيه.
لقد وضع نظاماً لمشروع يقوم على أساس يسهم فيه كل فرد من المجتمع بقرش يدفعه في كل يوم لمدة معينة، ثم تجمع هذه القروش ليفتتح بها مشروعاً صناعياً تستثمر فيه طاقات الشباب وقدراتهم الجسمية والفكرية ثم عرض هذا المشروع على رجال الفكر في الحجاز فجروا معه فيه جادين أو لاهين لكن شيئاً من ذلك لم يتم لأنهم لم يتفقوا على الرئيس وأمين الصندوق فلم ينجح المشروع لعدم توافر رأس المال بسبب عدم الاتفاق.
وهذه مشكلة انتهى زمنها، فقد توافرت الأموال وسارت الدولة تبذل الإعانات لكل ذي مشروع ولم يبق على الطامحين لمثل هذا العمل إلا أن يصدق مع نفسه ومع الدولة التي ضمنت للعاملين كل ما يهب لهم أسباب النجاح.
ومما ورد في مقالاته في هذا الباب الحديث عن مشروع التعليم الليلي، ومما ذكره في استئذان الحكومة.
وأذكر أننا ونحن طلاب في الكلية قد قمنا بافتتاح مدرسة ليلية في مدينة الرياض 1376 هـ قمنا فيها بجميع العمل من إدارة إلى تدريس ففراشة ولم يحتج ذلك إلى أدنى جهد.
ويظهر لقارئ مقالات (خوجه) أنه كان يعاني في مضامينه الأمرين وهو يدعو إلى إصلاح أوضاعهم الفكرية والاقتصادية والعمرانية.
ومما يجب التنبيه عليه أن مثل تلك الأعمال كانت في زمن لم تفتح فيه كنوز على خزانة الدولة.
ومما يتصل بذلك ـ أعني معالجة (خوجه) لمشكلات مجتمعه ـ حديثه عن العمل وشرفه ومنزلة العامل الجاد في مجتمعه.
وموقف الإسلام من العمل والعمال وتشجيعه لذلك معروف في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
7 ـ ولقد مني الحجاز ببعض الحاقدين المغرضين الذين كانوا يعودون إلى بلادهم فيشرعون في الطعن والذم والتشنيع، ربما ليقال إنهم لحظوا أشياء فاتت غيرهم وكانوا ينشرون غثيانهم في صحف بلادهم ولم يقف الحجازيون في وجوههم ربما تهاوناً وربما إفراطاً في المجاملة، وهما أمران كل واحد منهما أسوأ من الآخر، غير أن الميدان لم يخل من رجال غير أشرعوا أقلامهم وانبروا يصدون باطل المبطلين، ومن هؤلاء ـ بل أجلّهم وأكثرهم إخلاصاً ـ الشيخ محمد سعيد عدالي.
لقد نشرت إحدى صحف البلاد العربية، التي لم يسمها (خوجه) مقالاً تحت عنوان (طرائف من الحجاز) تحدث فيه عن أشياء كان فيها من الناقدين منها ما يتصل بوسائل النقل وغلاء أجورها.
ومنها ما يعد طعناً في مسائل الدين كالتهكم بإرسال الحجازيين لحاهم والمحافظة عليها والاعتزاز بها، وما إلى ذلك مما لفظته أقلام وأفواه المغرضين الجاهلين.
وكان أن تصدى الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود لكشف هذه الشبهات بمقالات سنورد لك شيئاً منها تجدها تحت عنوان (كلمة حق للحق نفسه) من جميل ما في هذا الباب أن القارئ يجد فيه صورة جديدة للمجتمع الذي عاش فيه كاتبه، ذلك أنه يتحدث لك تارة عن الزواج وعاداته وتقاليده، وتارة أخرى يصف لك لبس القوم وزيهم وثالثة يتحدث عن طرق المعيشة ومصادر الكسب في هذه البلاد المقدسة في تلك الأيام التي سبقت انفتاح أبواب الخير على هذه البلاد، ثم ما إلى ذلك من العادات والتقاليد التي يندر ـ جداً ـ أن تجد حديثاً فيما كتب الآخرون.
ولعلّ اتجاه (خوجه) إلى وصف العادات والتقاليد إنما كان من منطلق حبه لإصلاح مجتمعه، وهذا أمر معروف في سيرته رحمه الله، غير أن أحداً لم يجل هذه الجوانب الخيّرة في حياة الرجل بعد، فعسى أن نوفق لبسط الحديث عنها في بحثنا الموسع عن حياة الرجل وأعماله، وذلك حين نتقصى آثاره من مظانها وأخباره التي ربما جاد بها علينا من عاش من أهل زمانه (1) .
وإن كنت أعتب على بعضهم لعدم مبادرتهم إلى إمدادي بما يعرفون عن الرجل رغم أنه كان فيها الرجل الأول.
ومما غفلنا عن التنبيه عليه أهم الأسباب في فشل ((مشروع القرش)) الذي تبناه محمد سعيد عبد المقصود وهو المثالية الموغلة حيث أراد ألا يكون للمساهمين نصيب في رأس المال، وأن المسؤول عنه المنتجون، ولا يحل إلا بأمر الحكومة، وتعود ممتلكاته إلى بعض الهيئات العامة مثل أمانة مكة المكرمة، والأوقاف.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :592  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.