تربيَة الأطفال
(1)
|
من الأطفال ينشأ الرجال، ومن الرجال تتكوّن الأمة، والأمة تسعد برجالها، أو تذل وتشقى بهم، الأمة إذا اعتنت بأطفالها وأفلاذ أكبادها وهم أبناء اليوم ورجال الغد وعليهم تعلّق الآمال وإليهم ترنو الأبصار ولهم تخفق القلوب إذا اعتنت الأمة بهم فتكون قد أدت واجباً تحتمه عليها الإنسانية وتفرضه عليها الواجبات المقدسة. |
إن الأطفال في حجازنا يحتاجون إلى عناية تامة في جميع أدوارهم التي يقطعونها والتي تملأ عليهم في سن التربية، وهذه العناية مطلوبة ممن يتولون أمورهم ويشرفون على تربيتهم والمسؤولون في الدرجة الأولى عن الأطفال: العائلة والمدرسة فعلى العائلة وعلى المدرسة تلقى كل المسؤوليات، ومن العائلة والمدرسة يطلب الاعتناء بأمر تربية الأطفال ويجب قبل أن يطالب الطالب العائلة والمدرسة بهذه الأشياء قبل أن نضعها موضع المسؤولية يجب أن نسلح الأولى بسلاح العلم ونسلح الثانية بالمعاونة المادية والمعنوية، أما كوننا نطالبهما بتربية صحيحة قبل أن توجد فيهما المؤهلات التي تساعدهما على ذلك فهو خطأ، وليس معنى هذا أن العائلة والمدرسة هما الآن في حل من ذلك لا، بل عليهما المسؤولية ويجب على الأمة أن تسعى جهدها في تقديم المساعدة اللازمة أما إذا بقيت الأمة مقصرة وضنت بكل شيء فتكون إذا ذاك قد جنت على نفسها وبيدها وسددت بسهام تقصيرها إلى قلوب أبنائها وأفلاذ أكبادها. |
واجب العائلة: |
العائلة هي المدرسة الأولى للطفل بين أفرادها ينشأ، وفي وسطها يترعرع ومن طبائعها يقتبس وما يغرسونه في نفسيته من عادات وأخلاق يشب عليه، وما يعودونه من طبائع يأتلفها وما يعلمونه من كلام ينهج منهجهم فيه لا رأي له في شيء ولا قوة في عمل المحاكاة والتقليد، هما عنده كل شيء فإذا كان ما حول الطفل من الأقوال والأعمال حسناً كانت نشأة الطفل حسنة وإذا كان ما حوله سيئاً كانت نشأة الطفل سيئة وعلى العائلة تلقى المسؤولية الأولى وهي الحجر الأساسي في تربية الطفل ونشأته. ومع الأسف الشديد أن أكثر العائلات أهملت أمر أطفالنا فلذلك أصبحنا نرى أن الأخلاق بها فوضى تؤلم وأن هذا الإهمال الواقع في تربية الطفل يرجع لدى بعضه إلى الجهل العلمي في بعض العائلات (وهنا يكون من باب أولى جهلهم طرق التربية) وبعضه يرجع إلى الإفراط في التدليل لدى بعض العائلات، أو الإساءة من حيث يظنون أنهم يحسنون صنعاً، والنظرية الأخيرة أغلبها على سابقتها لأن الوالد والوالدة يحبان أن يريا أولادهما في عناية من الكمال وعلى جانب عظيم من الرقي ولكن قد ضلّ بعضهم الطريق فأخذوا يقولون للأطفال هذا مضر وهذا قبيح ويرتكبونه أمامهم، ونظراً إلى أن التقليد والمحاكاة في العقل هي عنده كل شيء، فهو يجنح إلى تقليدهم في ما يعملونه أمامه بمزيد من الشوق ضارباً بنصائحهم عرض الحائط. والحقيقة أن هذا من أهم الأشياء التي يجب أن تعتني بها العوائل ليكونوا قدوة حسنة لأطفالهم وإذا فعلوا ذلك وطبقوه فسيساعدهم كثيراً على تربية أطفالهم على تربية أفلاذ أكبادهم على تربية من يسهرون الليالي الطوال عند رؤوسهم إذا أنوا واشتكوا. قلت إن هذا الإهمال الواقع يرجع إلى الجهل عند بعض العوائل وإني أرى من الظلم أن نوجه اللوم إلى هذا القسم ما دام جاهلاً، وليس معنى هذا أني أقول لهم سيروا في غوايتكم، لا، بل يجب أن نعالجهم وبالدواء الذي نعرف أنه ينجح فيهم وننصحهم وندلهم على الطريق الذي نعرف أنها تفيدهم لأن هذا القسم كالمريض تماماً والمريض حاجته للمعالجة أو تناول الدواء أكثر من حاجته إلى غيره. وإني آسف لبعض أدبائنا وكتّابنا المنصرفين عن الكتابة في هذه الأشياء التي تهمنا والتي نحن في أشد الحاجة إليها ولا نجني من ورائها شيئاً يذكر، ولو أنهم أعطوا المواضيع التي تهمنا من عنايتهم لعاد النفع على الأمة، والأمة كما تعلم أيها القارئ تحتاج إلى كل شيء وإلى من يرشدها في كل شيء هذا من جهة، ومن جهة ثانية الشيء الذي يفيد وينفع أحسن من غيره وعسى أن يوفقوا إلى ذلك. |
أحسبني خرجت عن الموضوع الذي أنا بصدده فالعوائل إذا اعتنت بتربية أطفالنا تربية صحيحة وقامت بأمر هذه التربية أحسن قيام تكون إذ ذاك قد أدت واجباً عظيماً عليها، وتكون قد أحسنت إلى من هم عندها أعزّ شيء في الوجود ويجب أن نسأل ونسترشد إذا فعلت فبلا شك ستجد من يرشدها ويدلها إلى أقوم طريق وبلا شك ستستفيد من وراء ذلك أما إذا بقيت عاضة بالنواجذ على العوائد السيئة في التربية فستكون النتيجة مضرة، وهذا والله يؤلم كل غيور من أبناء هذه الأمة. |
إن بعض العوائل في بلادنا مقصرة في أشياء كثيرة وإن الطفل المسكين مظلوم في وسطها وإن العوائل حتى الآن لا تعرف أنها مقصرة لأنها لم تجد من يقول لها ذلك ويوضح لها قصورها ويرشدها إلى الطرق النافعة. |
إن غذاء الطفل في حجازنا سيئ ونشأة الطفل الصحيحة سيئة (وإن على إدارة الصحافة في هذا واجباً عظيماً ويجب أن توجه قسماً من عنايتها نحو ذلك وتعمل بكل الوسائل التي تعتقد أنها تفيد ويجب على بعض العوائل أن ينزعوا من أفكارهم أن الطبيب يموّت الناس لأن ذلك من الأوهام التي لا يزال البعض يتمسك بها حتى الآن) وعادة بعض العوائل في التربية سيئة والمناهج التي يسيرون عليها أطفالنا سيئة والخلاصة أن الأطفال وتربيتهم في حجازنا سيئة جداً وتحتاج إلى عناية عظيمة. |
فاتقوا الله أيها العوائل في أطفالكم، أفلاذ أكبادكم، واعملوا لتربيتهم تربية صحيحة تفيدكم وتفيد بلادكم اتقوا الله في ذلك، اتقوا الله. |
الوقت
(2)
: |
الوقت ثمين، والوقت من ذهب، الوقت يعمل فيه كل شيء فيجب أن يحافظ عليه بكل شيء هكذا الوقت في نظر سكان أوروبا الذين أصبحنا نقلّدهم في السفاسف، أما الأشياء التي من ورائها النفع فلم نقلدهم في شيء منها. |
أما الوقت عندنا فهو رخيص (ما عدا أيام الموسم) الوقت في نظرنا مجرم يجب قتله لأنه يضايقنا ويرسل بهمومه علينا هكذا الوقت في نظرنا نحن الحجازيين وقل فينا من يعتني به أو يحافظ عليه أو يقضيه في عمل يعود بالنفع عليه أو على أمته، كل منا يريد أن يقتل الوقت ولكن بماذا يقتل، بأشياء ضررها أكثر من نفعها وإني أجد أولئك الذين كانوا يقضون الليالي الطوال في الجوقر والهندية وغير ذلك وقد فقدت صداقة عدة أصدقاء من وراء النزاع الذي كان ينشأ بيننا من أجل ذلك وأسباب النزاع تنحصر دائماً في (الدق الفطيس) وأمثال ذلك كثير في الوطن العزيز، ولنا في قتل الوقت خطط عديدة غير هذه وهي معلومة ولا تحتاج إلى شرح. ومما يؤسف له أن قتلنا للوقت بهذه الصفة أخرنا كثيراً ولو قضينا أوقاتنا في أشياء نستفيد منها ديناً أو دنيا لكان أفيد لنا وأصلح لحالنا وأحسن لمستقبلنا. والحقيقة أن ليس للوقت ثمن في نظر أكثرنا إلا في أيام الموسم وهي أيام معدودات وفي تلك الأيام (هذا الحق) لكل امرئ هنا شأنه يعنيه لا يعرف فيها غير بعت واشتريت وخذ وهات، فالشخص منا يواصل ليله بنهاره ليستغل الفائدة قبل أن تذهب، أما في غير أيام الموسم فما للوقت قيمة أبداً ـ أبداً ـ. ومن هذا يظهر أن الدافع الذي يدفعنا لاستغلال الوقت أيام الموسم هي الفائدة وأن نفس هذه النظرية تنظر بها أوروبا أيضاً ولم يدفعها لأن تحافظ على أوقاتها من الضياع وأن تستغلها إلا الفائدة ولكن أوروبا تخرج الفائدة من الحجار وتفتش عليها في طبقات الجو وتحت أطباق الثرى وتستثمرها حيثما تجدها وتستغلها لمصلحتها وحدها دون غيرها أما نحن فالفائدة عندنا أيام الموسم فقط (فلذلك استغل أيامه) أما غيرها فهي أيام مراحة وطرب وأنس وتبذير.. |
أنا لا أقول إن جميع الأوقات يجب أن يقضيها الإنسان في عمل متواصل لأن هذا مضر وإذا أجهد الإنسان نفسه على ذلك فيكون قد أساء إليها وهي لها حق عليه ولغيرها حقوق عليه أيضاً وإنما أقول وقت العبادة عبادة، ووقت العمل عمل، ووقت الراحة راحة، ووقت النزهة نزهة، ولكن يجب أن نراعي المصلحة ونتوافر للفائدة فلا إفراط ولا تفريط، أما كوننا نبقى على حالتنا الحاضرة ونبخل بالوقت في أشياء مفيدة فهذا خطأ أن نرجع عنه وإذا أبينا إلا الاستمرار على ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله. |
ثم أيام الموسم هذه التي نحن بها نتمسك كل هذا التمسك ولا نريد أن نحيد عنها قيد شعرة هل هي في بلدنا نستحضرها من إرادتنا وبالصفة التي نرغبها؟ (هذه النقطة). ولو كانت أيام الموسم هذه في يدنا لكان ذلك جميلاً ولجعلنا كل أيامنا مواسم ولما وجد منا من يلتفت إلى غير استغلالها ولكن مع الأسف هذا غير ممكن ولن يمكن لأن الحج مرة في السنة وهو في وقت معلوم منها ولا يمكن أن نبدله ولا يمكن أن نجعله ثلاث أو أربع مرات في السنة. |
كذلك لا يمكن أن نجعله بالصفة التي نرغبها (والصفة التي نرغبها هي أن يكون الحج عظيماً وحجاجه الذين يجدون ما ينفعون) ثم إذا جاءنا الحجاج من الذين لا يوجد عندهم ما ينفعون (حوائجهم) على اكتفائهم وحالتهم تؤلم وطول على الطريق يا رب كريم) فماذا العمل. نحن مضطرون بداعي الواجب الديني الإنساني لأن نعطيهم ما يقتاتون به فتصير المسألة مصيبتنا ومصيبة غيرنا وكلها على رؤوسنا والموسم المنصرم أكبر حجة ناطقة على ما تقدم وعلى فشلنا في هذا الاعتقاد. |
والحقيقة أن اعتمادنا على الموسم إلى هذه الدرجة التي لا نزال عاضين عليها بالنواجذ خطأ وأن نسمم أفكارنا بأن الحجاج هم زرعنا وقلعنا دون غيره مهلك ومضر بنا. وقد أصبحنا لا نحب أن نفهم من الذين يريدون أن يفهمونا أن الاعتقاد يزيدنا تأخراً على تأخيرنا وبلاء على بلائنا ويجعلنا عالة على غيرنا ثم إن هذه الخطة أصبحت في الزمن الحاضر غير صالحة لنا لأن من العار علينا أن نبقى رحمة على غيرنا وإذا بقينا متمسكين بهذه النظرية لا نريد غيرها بديلاً ولا نسعى في إيجاد مرتزق لنا خلافها فعلينا السلام من الآن. قلت إن الذي يدفعنا لاستغلال الوقت أيام الموسم هي الفائدة، فالأيام التي غير أيام الموسم لماذا لا نعمل فيها ونخرج منها بفائدة نستغلها لمصلحتنا، ونزاحم غيرنا كما هم يزاحموننا ونضايقهم كما هم يضايقوننا ونصير عفاريت لاكتساب القرش مثلهم أو لسنا نحن خلقاً كما هم خلق؟ أو لسنا نبصر كما هم يبصرون أو لسنا نفكر كما هم يفكرون ونحن كغيرنا سواء بسواء فلماذا لا نجدّ جدّهم. |
|