شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تعليم المرأة الحجازية
خلقت المرأة لإتمام الطبيعة ولتكون قرينة الرجل في حياته ومساعدته في أعماله فلذلك جعلت حلقة الاتصال في ما بين الأسر والعائلات. ولذلك كانت كمجرى الدم في جسم الأمة المملوءة حياة ونشاطاً.
والمرأة بمقتضى تكوينها البدني واستعدادها النفسي خلقت لتكون زوجة وأماً، وظيفة الأم التي تقوم بها المرأة وظيفة مهمة. فهي بمثابة القائد في ميدان القتال. فذلك يبغي رفع لواء النصر والشرف لوطنه وأمته وهذه تريد أن تربي ولدها وتعدّه للنفع والصلاح لأن بيدها مستقبله فإن هي أحسنت تربيته وأجادت في إعداده إعداداً صحيحاً وهو صغير فقد هيأت له مستقبلاً حميداً وإن هي لم تحسن تربيته ولم تتعهده فقد جنت عليه وعلى الأمة أيضاً، فمن هنا يتبين لنا أن مجد الأمة ورفعتها في يد المرأة وإذا ما تعدّت المرأة حدودها وما هيئت له عد ذلك تمرداً على نواميس الطبيعة وشذوذاً على قوانين الفطرة الإلهية بل وربما نتجاسر فنقول ويعد مرضاً اجتماعياً أيضاً فيجب على الفتاة الحجازية ألاّ تسترسل في التقليد وألاّ تنقاد انقياداً أعمى للتقاليد الغربية التي لا تتفق وتعاليم ديننا الإسلامي في المقدس فيسبب لها هذا الانقياد الأعمى فقدان مهمتها الأولى التي وجدت من أجلها، وألقت بنفسها في ميادين شاقة ليست بها قدرة عليها فتفتقد أنوثتها ورقتها اللتين حباهما الله لها. فلهذا يجب على فتاتنا الحجازية أن تجعل نصب عينيها أنها أم وفي يقيني أن هذه المهمة الجليلة تحتاج إلى فتيات متعلمات ليتمكّن من القيام بإدارة مملكتهن الصغيرة (البيت) وتربية أبنائهن ليشبوا على مبدأ أساسي مقدس، وعلى الشعب والحكومة التضامن والتكاتف على العناية بالفتيات الحجازيات وإعدادهن إعداداً صالحاً وذلك بإنشاء مدارس ابتدائية يكون من ضمن برنامجها التدبير المنزلي والعناية الصحية والحياكة والتربية وغير ذلك مما يساعد فتاتنا على أن تخرج لنا أطفالاً مهذبين صحاحاً.
ويدهشني كثيراً ادعاء بعض الناس أن مساواة الرجل للمرأة في الحقوق التعليمية إخلال بنظم الحياة وخروج على الآداب العامة وإفساد الأخلاق للمرأة وآدابها. فإن ادعاءهم هذا ادعاء باطل تمحقه البراهين وتبطله الأدلة وقد تبين لي بعد جدل مع أحدهم أنهم يستدلون على صحة دعواهم بما يقرؤونه بين آونة وأخرى في الجرائد والمجلات من تهتك بعض الفتيات الحائزات على شيء قليل من التعليم ونرى أن من الواجب علينا الآن وقد عنينا بالكتابة في هذا الموضوع الهام وأخذنا على عاتقنا الدعوة إليه أن نبين خطر هذا الرأي فنقول إن فساد التربية المنزلية لا يقاومه التعليم البسيط إلا نادراً ولو أن الفتيات نشأن نشأة سامية إسلامية وشببن على أخلاق فاضلة وتربية قديمة أساسها الآداب التي يأمر بها دستورنا السماوي الشريف لكنّ الآن في درجة عالية من الآداب والأخلاق والتمسك ولتمكنت الفضائل من قلوبهن ولما كنا نرى لهذا التهتك من أثر يروى بل لرأينا منهن أيضاً دليلاً صادقاً على ما نقول ونطالب به وإليك القول التركي المشهور في هذا الصدد وهو: (الأم أصل الوطن) وفروعه الأبناء فإذا كان الأصل يتغذى من تربة حرة فإن الفروع تنمو وتمتد حتى تنتشر على أرض الوطن ظلالاً وارفة وإن ذلك الادعاء الممل من بعض أخوتنا لهو ادعاء باطل لا معنى له أبداً خصوصاً وبعد أن عرفنا الآن مهمة المرأة في المجتمع وتأثيرها المباشر في تقدّم الأمم وعمران البلاد.
أما إذا لم تتعلم الفتاة إلا كل ما يتعلق بمنزلها المحدود وأسرتها فقط تعلم تقليد وجود فبذلك نكون قد قضينا على مواهبها العقلية حتى وعلى ملكة التفكير فيها ونزلنا بها إلى منزلة ساقطة هي أشبه بمنزلة الخادمات وربما كانت هذه الطريقة وهذه التربية الناقصة سبباً في انحطاط فتاتنا وتأخرها في المجتمع فيجب علينا إزاء هذا أن نربي الفتاة الحجازية تربية قوية ومنظمة نخصصها بعد ذلك في التربية والتدبير المنزلي وما إليها لأنه بقدر ما تكون الفتاة متعلمة مثقفة تكون مملكتها البيتية عامرة منظمة ويجب علينا إزاء الفتاة أن نحدد السن التي تخصص فيها الفتاة للتدبير المنزلي كما أنه لا بد للفتاة من أن تستنير في تعلمها وتربيتها بالعلوم والمعارف الراقية لتلائم بذلك درجة الرجل في تعليمه وتثقيفه ولتستطيع أن تنشئ من أبنائنا رجالاً صالحين وإليك ما يقوله الأستاذ مصطفى لطفي المنفلوطي (علموا الفتاة لتجعلوا منها مدرسة يتعلم فيها أولادكم قبل المدرسة وربوها ليتربى في حجرها المستقبل العظيم للوطن الكريم).
وقد ساعدت هيئة النظر والإشراف على مدارس الفلاح في جدة فأنشأت مدرسة بسيطة للبنات إلا أنها لا تفي بالمقصود من جهة ولأن معلميها ذكور من جهة أخرى.
على صفحات التاريخ:
من البديهي أن أي أمة لا تعلو في حضارتها ولا تظهر بمظهر القوة إلا أخذت على عاتقها نصرة العلم وبثه بين الخاص والعام من أفراد أبنائها، وتزويدهم بما هو أجدى في مضمار الحياة والعقل قابل لذلك إذا وجد من يغذيه من العلوم والمعارف ويزيد في نموه وتثقيفه، وأن صاحبه يجني في النهاية ثمرة حسنة تعود علينا وعلى الأمة والعالم أجمع بالمنفعة العامة. إن العقل لم يخلقه البارئ إلا لأن يكون لبني الإنسان مصباحاً يستضاء به ويهتدى بواسطته يميز النافع من الضار (ولا فرق بين الإنسان والحيوان.. إلا بالعقل) لماذا؟ لأن الأول يفكر ويتأمل ويكد قريحته بقوة ملكته حتى يخرج في النهاية بنتيجة مرضية والآخر يتخبط في دياجير الفلوات يبحث عن فريسة ويسد بها رمق جوعه مع أن الأول ولو بذلوا له شيئاً ثميناً في أن يأكل من فريسة الثاني لعافها ولم تطاوعه نفسه على ذلك ولذا ينصح المربون على أن يعتمد الأبوان طفلهما منذ ظهوره إلى الحياة بعقله أولاً، أظن أني خرجت بك أيها القارئ الكريم عن الموضوع. ولكن الحالة أرغمتني على أن أتوسّع في موضوع نافع وأن أتكلم مبدئياً عن العقل وهو الذي نعوّل عليه في مهام الأمور ولا غرو كأنه أكبر دليل وأعظم قائد وأحسن نبراس يهتدى به في ظلمات هذه الحياة، وبه تعرف قوة الإنسان في أعماله وإرادته.
وبهذه المناسبة أذكر نبأ إدخال درس في الزراعة في المعهد العلمي السعودي وأن هذا العمل السعودي وهذا العمل الجليل سيكون له الأثر الصالح وسيعود بالنفع والفائدة العظمى لأن الزراعة من الأشياء الأساسية من هذه الحياة.
ولقد استبشرنا بذلك ورجونا أن يسير المعهد في تقدم إلى الأمام وأن يستمر في علمه بخطوات واسعة تضمن الرقي والتقدم وأن تكشف لنا الأيام عن مستقبل باهر زاهر، نعم فرحت القلوب لذلك لأن هذا مما يقوِّم دعائم أمتنا وينهض بنا ويسد عوزنا ويحول دون إرسال قرشنا إلى الخارج ليضعه الأجنبي في جيبه، هذه ميزة حسنة محضتها العقول وفر فيها الرجال العاملون فاستبشرنا بذلك خيراً.
وهذه الرياض قد أخذت تتقدم بخطى واسعة إلى الأمام فقد جرب فيها زراعة قصب السكر والنعناع فأسفرت عن نتيجة حسنة. هذه بعض حسنات الحكومة فليسطرها التاريخ بين دفتيه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :646  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 22 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.