شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شيء من صفات محمد سعيد
كان ـ رحمه الله ـ جمّ التواضع، ومن دلائل تواضعه أنه لم يثبت له ترجمة في كتاب (وحي الصحراء) مع أنه أثبت ترجمة لزميله وصديقه عبد الله بلخير وهو أصغر منه سنًّا، وكان بلخير لا يزال طالباً، ومن ذلك أيضاً تجنبه فضول الكلام في ما اطمأن إلى وفرة البحوث فيه، ومنه عدم حديثه عن الأدب الجاهلي في الحجاز في مقدمة كتاب (وحي الصحراء). ومن جميل صفاته العلمية أنه لا يكابر في الباطل، ولا يستمر في قول قاله، ثم ثبت له عدم صحته، ونضرب على ذلك مثالاً بقوله في صدر بحثه عن مكان (الحجون) وتحديده إياه: ((قلت إني لآسف على ما بدر مني في الهامش الثاني من القسم الرابع من بحثي المياه بمكة المنشور في العدد 521 من جريدة أم القرى ما نصه: (أما الآن فقد تغيّر الوضع، فأصبحت المياه تسير من القبة من قناة واحدة حتى تصل إلى المقسم الذي فوق الطريق المرتفع على يسار الداخل إلى مكة، والطريق هذا الحجون وكنت يوم ذاك معتقداً صحة هذه النظرية ولكنني لما قمت بالبحث الدقيق اتضح لي أني واهم في نظريتي فأوجبت عليّ الحقيقة تصحيحها وأني أسحب كل ما قلته عن الحجون وأثبت ما يأتي بدلاً منه). وكان ـ رحمه الله ـ يحب النظام في كل شيء، ومنه أنه إذا تناول بحثاً تاريخياً جعل الحديث فيه يسيراً مسلسلاً من بداية وجود موضوع البحث إلى عصر توقف تاريخ الموضوع، تشهد بذلك بحوثه في:
1 ـ الأدب في الحجاز.
2 ـ المياه بمكة.
3 ـ الحجون.
4 ـ دار الندوة.
ورغم قلة ما عثرنا عليه من أخبار الرجل، فإن الشيء الكثير قد فاتنا بدليل ما يرد في كتاباته من إرشادات إلى شيء من أحداث حياته، وفيه دليل واضح على أن الرجل كان يتمتع بعبقرية فذّة تجلّت وهو صبي في المدرسة الابتدائية، ومن المؤكد أيضاً أن أباه قد أحس هذه العبقرية فانقاد لها وإلا لما أقدم على نقل ابنه من المدرسة.
وكان أدباء زمانه ينفسون عليه تفوقه عليهم، وسبقه إياهم، ولذا تألبوا عليه، ونقدوه، وعابوا عليه من كتاباته ما يستحق عليه الشكر والثناء، ومن ذلك موقف محمد راسم ومن رمز لنفسه بالمنسف وغيره كثير.
ولقد بلغ من حقد بعضهم أن شمتوا به حين اخترمته يد المنون وتشفوا منه، وكان أحرى بهم على الأقل أن ينقادوا لما روي عن المصطفى ـ ((اذكروا محاسن موتاكم)) رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر.
ومن هذا القبيل ما همَّش به محمد حسن عواد ـ عفا الله عني وعنه ـ على أحد أبيات قصيدته (الساحر العظيم).
وقد بحثت عن ذلك النقد الذي أشار إليه الأستاذ محمد حسن عواد ـ رحمه الله ـ فلم أعثر في الصحف والمجلات على أي شيء منه، ولم يرو لي أهل عصره منه شيئاً حتى سألت الشيخ حمد الجاسر فذكر لي أن ذلك كان في صحيفة، كانت تخط باليد، ويقوم على تحريرها طلاب المعهد السعودي الذين طلبوا من الأستاذ محمد حسن عواد أن يكتب لهم كلمة تنشر في صحيفتهم فكتب لهم نقداً للأستاذ محمد سعيد عبد المقصود، وقد حوكم العوّاد في المحكمة الشرعية على ذلك النقد وأدين عفا الله عنا وعنهم.
والواقع أنه لا يمكن لأي شخص أن يتصور دور (خوجه) في الإصلاح الفكري والاجتماعي إلاّ من أتيحت له قراءة الصحف والمجلات التي كانت تصدر في زمانه، ذلك أن تلك الصحف تنطق بالدور العظيم الذي كان لذلك الرجل الذي وقف حياته وكل طاقاته في سبيل الإصلاح، وكان حريًّا أن ينال حقه من الذكر والتمجيد، لكنه كان يلقى من مزامنيه من كان يقف في وجه أعماله ثم لقي منهم وممن أتى بعدهم إغفالاً وإهمالاً.
لقد كان مخلصاً كل الإخلاص لأمته حكومة وشعباً، وكان يقضي وقته في خدمة هذه الأمة، ويتفانى إخلاصاً في العمل الذي ائتمنته عليه الدولة، فلقي التقدير من الملك عبد العزيز غفر الله له، غير أن إخوانه من الأدباء غفلوا عن حقه عليهم، وراحوا يغرون صحيفة (صوت الحجاز) برمي مقالاته في سلة المهملات. والدليل على صدق هذا ما ذكره في مقال نشره في (أم القرى) رداً على المنسف بعنوان ((الغربال ومنتقدوه)) حول مقال المنسف.
وذكر في إحدى مقالاته أنه ينوي أن يطبع المقالات التي كان ينشرها بتوقيع الغربال في كتاب يضم فيه إليها مقالات الناقدين له، فعاجلته المنية، وبدد الضياع ما كتب وجُمع إلاّ ما حفظته الصحف.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1112  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 238 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.