شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأدب في أعمال محمد سعيد
كان الشباب المثقف في عهد محمد سعيد يتجه إلى الأدب يجرون فيه أقلامهم بعدما حاولوا إشباع أفكارهم به، وذلك انقياداً لاتجاهات من كانوا يحاكونهم من أدباء العرب الذين جاؤوا بعد طبقة الاجتماعيين الذين قامت على أيديهم النهضة الحديثة في تلك الأقطار، فجاء شباب الحجاز ليبدأوا من حيث انتهى الآخرون غافلين عما كان عليهم أن يبدأوا به وهو الإصلاح الاجتماعي تعليماً وتربية واقتصاداً وعمراناً وما إلى ذلك ما لا تقوم حياة المجتمع إلاّ به.
أما الأدب فيمثل حياة الترف في المجتمعات، وإن كان يمكن استخدامه وسيلة في الإصلاح، بل إنه الوسيلة الأقوى في ذلك. ومن هنا كان اتجاه محمد سعيد اتجاهاً اجتماعياً في الدرجة الأولى، على أنه لم يغفل الجانب الأدبي لإدراكه أهميته في حياة الأمة.
ولذا كان له النصيب الأوفر من اهتماماته، بل إنه كان يدعو أدباء الشباب إلى أن يتخذوا من الأدب وسيلة في الدعوة إلى الإصلاح، ويعيب عليهم الانقطاع إلى الأدب المنفصل عن واقع حياة مجتمعهم، ويدعوهم إلى استثمار مواهبهم الأدبية في ما ينهض بمجتمعهم الذي يقف على أبواب عهد جديد وهو عهد يقودهم فيه الموحد الباني الملك عبد العزيز. وحين نقف عند إسهامات محمد سعيد الأدبية نجدها إسهامات فاعلة في حياة الأمة تأتي على النحو الذي دعا إليه مزامنوه في البلاد العربية الأخرى، ومن هنا كان إسهامه في خدمة الأدب إسهاماً متميزاً لم يقدم مثله أديب في عصره.
فعندما ننظر إلى البحوث الأدبية التي كتبها ابن عبد المقصود نجد أنها تدل دلالة واضحة على أن الرجل قد بلغ مبلغاً ممتازاً في أسلوب البحث الأدبي، وحين كتب هذه البحوث كان في الخامسة والعشرين ـ تقريباً ـ من عمره، وحين نضم إلى هذا أو ذاك ما كان عليه أدباء عصره في الحجاز في تلك الأيام من إقبال أكثرهم على التأثر بأدباء المهجر مصر والشام وتقليدهم لهم، ومجيء أدبهم على نحو من أدب أولئك مع ما كان يعتري نثر ناشئي الحجاز في تلك الفترة من تخلخل في اللفظ والأسلوب.
عندما ننظر إلى هذا كله نجد أننا أمام عبقرية فذّة خرجت على معايير زمانها، وأتت بما هو في الذروة من البحث الأدبي فكراً، ولفظاً، وأسلوباً وطريقة بحث.
بدأ ابن عبد المقصود في جمع مادة كتاب (وحي الصحراء) وكان أثناء ذلك يطالع الكتب القديمة ويقرأ فيها أخبار الحجاز، ومن تلك الكتب التي ورد ذكرها فيما كتب (كتاب الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني، (ورحلة ابن بطوطة) و (العقد الفريد) لابن عبد ربه و (مروج الذهب) للمسعودي و (كتب ابن قتيبة والمبرد، وأمثالهما) وسوى ذلك من الكتب الكثيرة التي وردت إشارة إليها في ما كتب. وكان يجمع أخبار الحجاز في السياسة والعلم والأدب والاقتصاد والعمران ونحوها فيقوم بدراسة تلك النصوص التاريخية والأدبية ثم يستخلص منها بحوثاً تصور حياة الحجاز في مختلف أدواره التاريخية، فخرج من ذلك بسلسلة متصلة الحلقات قام بنشرها في الصحف وخصوصاً في صحيفة أم القرى ثم جعلها مقدمة لكتاب (وحي الصحراء) الذي عاونه فيه الشيخ عبد الله عمر بلخير. وتعد هذه المقدمة أطول بحث أدبي عثرنا عليه لهذا الرائد، حيث بلغ عدد صفحاتها في كتاب (وحي الصحراء) أربعاً وثلاثين صفحة.
لقد صوّر الرجل بداية ما آل إليه أمر الحجاز حين تعاورته الفتن والقلاقل من بعد ما أهمله الخلفاء وأرباب الشأن في الدولة الإسلامية فتعاورته الأهواء وتقاذفته النزوات، وكان أحرى بالمواطن العناية وصون الكرامة.
ولم يقف ابن عبد المقصود عند العصر الجاهلي ولم يزد في الحديث عنه على ثلاثة أسطر على الرغم من ازدهار الأدب العربي فيه، ولعلّه أغفل ذلك لأحد سببين أولهما أن العصر الجاهلي قد حظي بعناية الباحثين قديماً وحديثاً حتى صار أثرى العصور الأدبية بحثاً ودراسة وجمعاً وتحقيقاً، والثاني أن سلسلة تاريخ الإسلام تبدأ بعد العصر الجاهلي والله أعلم.
ويرى ابن عبد المقصود أن الشعر في صدر الإسلام قد مر بحالتين متغايرتين تمام التغاير فهو في زمن النبي ـ قوي جزل، استصحب في عهده الجديد ما كان له من قوة في أيام الجاهلية، إلى ما أضافه الإسلام إلى الأدب من أفكار ومعانٍ سامية كانت تظهر في شعر شعراء الإسلام، ثم ما نفى عنه من مستهجن الألفاظ والأساليب والأفكار الجاهلية.
وكان الصراع الفكري الذي اشتد بين شعراء المسلمين وشعراء المشركين مصدر قوة دفعت بشعر تلك الأيام إلى ميادين رحبة كان فيها تهذيب وتجويد. أما في زمن الخلفاء الراشدين ـ رضوان الله عليهم ـ فقد تغيّر وضع الشعر وتبدلت حاله حيث فرض الوضع الجديد تقدم الخطابة وتقهقر الشعر. وكان في بحثه يخرج في الحديث عن السياسة بأحاديث عن الأدب وسائر شؤون الحياة، وحين وصل إلى الحديث عن الحجاز في العصر العباسي الأول أورد قول الأصمعي عن الأدب في المدينة وهو ((أقمت بالمدينة زماناً ما رأيت قصيدة واحدة صحيحة إلاّ مصحَّفة أو مصنوعة، وكان بها ابن دأب يصنع الشعر، وأحاديث السمر، وكلاماً ينسبه إلى العرب فسقط وذهب علمه وخفيت روايته)).
وقد ناقش هذا القول مناقشة الرافض له محتجاً بقول الدكتور/طه حسين في مقالة (الحياة الأدبية في جزيرة العرب) في كتابه ألوان، وقول المتأخر ليس بحجة على المتقدم إلاّ إذا نصب المتأخر دليلاً مادياً على صدق قوله، ويتدرج محمد سعيد عبد المقصود في بحثه تحت سلسلة التاريخ يتلمس الأدب، ويستنبط الأخبار، حتى يصل في مسيرته إلى زمن تأليف الكتاب.
وأهم ما نلحظه في بحوث الرجل الصدق والتجرّد من الأهواء، وتحكيم ما تنطق به الأخبار والآثار، وهذا لا يعني خلو بحوثه من هنات هينات يستطيع نظر الناقد التسلل من خلالها، فمن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه لا يحيل إلى المصدر، بل يكتفي بذكر المؤلف حيناً، وحيناً آخر يكتفي باسم الكتاب دون ذكر المؤلف أو قد يذكر المؤلف والكتاب لكنه لا يشير إلى الصفحة (وهذا خلاف صنيعه في بحوثه الأخرى) ومن ذلك أنه جعل الضعف الأدبي الذي اعترى الحجاز ناجماً عن الفتن والقلاقل، ونسي أن لذلك أسباباً أخرى من أهمها هجرة ذوي الطموح وطلاب الشهرة في الأدب والسياسة والعلم إلى مراكز الخلافة، وعندي أن هذه أهم الأسباب وأقواها إلى ما أصيب به الحجاز من إهمال ذوي الأمر، والنقص من شأنه وخصوصاً في العصر العباسي الثاني وما بعده.
ولقد كانت تلك البحوث التي دأب الرجل على نشرها محل عناية مزامنيه وإعجابهم، كما لقيت من المعارضين من ناقشها على صفحات الصحف ومنهم الذي رمز لنفسه بكلمة (ناقد).
فلقد أشار ابن عبد المقصود إلى شعر الغزل، وفي تلك الإشارة وصف شعر ابن أبي ربيعة بأنه يتسم بالعفة، ولعلّه كان يعني أنه من باب الشعر العذري وأظنه كذلك، لكن هذا لم يرق (ناقداً) فكتب مقالاً نشره في صحيفة (أم القرى) عمد فيه إلى نقد ما أثبت الأستاذ محمد سعيد.
ويبدو لي ـ والله أعلم ـ أن منطلق حديثه الغيرة على الأخلاق وهذا منحي حسن ما لم يصطدم بحقائق موضعية، وعندي أن خوجه لم يجهل وجود الغزل في العصر الجاهلي وإنما أراد أن هذا الضرب من القول قد توقف في صدر الإسلام فجاء العصر الأموي فنبهه وأعاده إلى الحياة الأدبية من جديد، ومثل هذا القول يقال في الشعر السياسي أيضاً، وذلك أن الأشعار القبلية وكذا المناقضات في صدر الإسلام ما هي إلاّ شعر سياسي.
أما ظاهرة التبذل التي غشيت المدن الحجازية أو قل بعض جوانب الحياة الاجتماعية في تلك المدن أيام بني أمية فأمر معروف لا يقبل الجدل، وإن كان الباحثون، وخصوصاً من أهل هذا الزمان، قد بالغوا في ذلك حتى صوروا الحياة في مدن الحجاز صورة تبدو فيها وقد تحولت إلى مسارح للَّهو والعبث والتهتك وهذا باطل وضلال، واتهام لأهل ذلك الزمان بما هم منه براء. على أن الشعوبيين قد أوغلوا في وضع الأخبار في تاريخ الحجاز ولا سيما الاجتماعي.
ومما يلحق البحث الأدبي ما نشر بقلم الرجل في الصحف المحلية وخصوصاً (أم القرى) و (المنهل)، ومنه إسهامه في استفتاءين طرحهما صاحب مجلة المنهل الشيخ عبد القدوس الأنصاري ـ رحمه الله ـ على بساط البحث أمام أقلام الأدباء:
أولهما: كان عن الأثر الذي تركه الأدب الحديث على أقلام الحجازيين.
وثانيهما: كان حول الكتب والصحف التي ننصح الناشئة بقراءتها.
ولقد أسهم ابن عبد المقصود في الاستفتاءين فجاء جوابه عن الأول تصويراً جيداً لحياة الأدب الحجازي في منتصف القرن الرابع عشر الهجري. كما جاء الثاني دالاً على ثقافة الرجل وسعة إطلاعه على الكتب والصحف والمجلات، وإن كان في ذلك يمثل رأي الرجل المثقف لا المتخصص يدل على هذا مزجه في الاختيار بين الحديث والتفسير والتاريخ والأدب وغيرها من فروع المعرفة.
وكما كان باحثاً مبدعاً وكاتباً مجوداً، كان كذلك خطيباً مفصحاً ومرتجلاً قديراً يقول على البديهة مثل ما يكتب مستأنياً ومن ذلك خطبته التي ارتجلها في حفل افتتاح مدرسة العلوم الشرعية، وكانت قد وجهت اهتمامها بادئ ذي بدء، إلى الخطابة لمسيس الحاجة إليها. وفيها حثه على الخطابة التي يعد فيها من المحسّنين، وقد جاء هذا الحث في قوله ((يسرني أن أشاهد افتتاح مدرسة العلوم الشرعية لدرس الخطابة في عام 1357هـ، وهذا الفن الذي اهتم به الغربيون اليوم اهتماماً عظيماً لما لمسوه من الفوائد الجمة، وأهمله العرب اليوم إهمالاً فظيعاً، إن هذا الفن لم يك للغرب، بل هو للعرب قبل أن يكون للأوروبيين، وللإسلام قبل أن يكون للغرب، فنحن إذا اعتنينا بهذا الفن فإنما نعتني بتراث آبائنا الذي أضعناه بعد أن أخذه الغربيون عنّا وأصبحوا لا يعتمدون على شيء كاعتمادهم عليه، فهم بالخطابة يؤثرون على قلوب شعوبهم، ويصلون إلى بغيته فيحاربوننا بها، ويحاربوننا بسلاحنا.
إن الخطابة فن جليل، وله قواعد وأصول، وليست الخطابة الأصوات المرتفعة والجعجعة المزعجة، لقد سمعت كثيراً من الخطب في مختلف المدارس والمحافل فكانت أشبه بالندب في المآتم).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1022  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 36
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة للأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي

[الجزء الخامس - التقطيع العروضي الحرفي للمعلقات العشر: 2005]

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الرابع - النثر - مقالات منوعة في الفكر والمجتمع: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج