شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإصلاح الاجتماعي
كان محمد سعيد مذ كان صبياً ينفر من ذلك التباين الاجتماعي الذي كان عليه المجتمع المكّي، وكذلك كان المجتمع المدني والجِدِّي. فلما كان العهد السعودي الجديد المتسم بالانفتاح المتعقل والانضباط الجاد، وجد محمد سعيد فرصته حين استطاع حمل القلم فبدأ الدعوة إلى الإصلاح ليس فيما يتعلق بالتباين الاجتماعي فحسب، بل شملت دعوته الإصلاحية جميع ميادين الحياة في ذلك المجتمع. وهذا هو أوسع باب طرقه حيث عالج فيه كثيراً من مشكلات المجتمع وأدوائه، وتحدث عن شؤونه الخاصة والعامة، يجول في حياة المجتمع، يدعو حيناً وينصح ويرشد حيناً آخر، ولم يدع موضوعاً قائماً إلاّ طرقه، فتارة نجده يتحدث عن اللبس والزي في مدارس البنين، فيدعو إلى توحيد زيهم بحجة أمرين أساسيين:
أولهما: المظهر العام، فإن ظهور الطلبة في زي واحد يعطيهم نظرة اجتماعية خاصة.
وثانيهما: أنه يكون مظهراً من مظاهر التساوي، وفي هذا ما فيه من طمأنينة نفسية تنعكس آثارها على حصيلتهم العلمية.
ومن تلك القضايا مسألة المرأة، وفي هذا الموضوع تحدث عن الزواج والزوجين، ثم عن المرأة في الحجاز ومبلغ محافظتها ودورها في المجتمع والبيت، ثم ما امتازت به عن النساء في البلدان الأخرى، وكان في ذلك يطرق حيناً أموراً تعد بدعاً في مجتمعه كدعوته إلى أن يجتاز الرجل فحصاً طبياً يثبت صلاحيته لإنشاء أسرة، كما يثبت لياقة الرجل البدنية.
ويتحدث عن الأخلاق فتدفعه ثقافته وحرصه على عدم مس مشاعر الآخرين إلى أن يجعل نفسه موضع الملحوظات التي طرقها في أحاديثه فيلوم أمته أفراداً وجماعات على التهاون في ميدان الأخلاق، ويحمِّلهم جزءاً من المسؤولية لأنهم لم يقوموا بدورهم في بناء الخلق الفاضل في نفوس الناشئين. وقد درس ابن عبد المقصود العادات والتقاليد بعد أن نظر إلى واقعهما في مجتمعه نظرة المصلح الغيور فساءه كثير منها، فأقبل عليها بفكره وقلمه وأخذ يتتبعها مثنياً على حسنها، مشنِّعاً على سيئها، داعياً مجتمعه إلى إصلاح ما اعوجّ من عاداتهم وتقاليدهم، وكتب في ذلك كثيراً جداً. ونودّ أن نشير إلى شيء منها. لا لأهميتها في حياة مجتمعنا فحسب، بل لأنها في أيام الرجل كانت بداية داء يصل سريانه في جسم مجتمعنا حتى بات علاجه عصياً، فمن ذلك حديثه عن الألفاظ التي اتخذها الناس عادةً في حديثهم رغم كونها لا تمت إلى لغتهم بسبب، وإنما هي ألفاظ وفدت علينا من الخارج وكان يمكن أن يستعمل بديلها في اللغة العربية مثل (ألو ـ تلفون ـ سنترال) وما أشبه ذلك.
ومن ذلك أيضاً حديثه عن الشوارب واللحى والتواليت والعمامة ولست أدري ما الذي سيقوله (خوجه) لو عاش في زماننا، حيث شاع فيه بشكل واسع حلق اللحى، وأساليب إرخاء الشعور على نحو ينطبق عليه قول الدكتور حسن جاد:
من مجيري من الأولى واللواتي
حرت فيهم بين الفتى والفتاة
وكان كثير من أهل عصره لا يوافقونه على هذا المنهج الإصلاحي، وربما جهروا بذلك في الصحف على نحو من موقفهم في حديثه عن العمامة ـ مثلاً ـ ومنه أيضاً تلك الكلمات التي تناثرت في الصحف مهاجمةً (الغربال) وهو الذي كان يوقع به في كتاباته.
وأحاديث (خوجه) عن العادات والتقاليد تظل جديدة ما بقيت بقايا من تلك العادات، غير أننا نجد كثيراً من العادات والتقاليد التي عالجها لم يستفحل أمرها ويستطير شرها إلاّ في زماننا، من ذلك ما أشرنا إليه آنفاً، ومنه أحاديث عن التجار وعاداتهم فلقد عالج في كلماته عن التجار حال أولئك الذين يقومون على التجارة برأس مال ضعيف فيفضي بهم ذلك إلى الغش والخداع والمماطلة والمخالفات التجارية الكثيرة.
ومما طرقه من عادات التجار الغمز واللمز، ثم إسراف أبناء ذوي الأموال في الإنفاق إسرافاً جر بعضهم إلى الإفلاس، وهذه مشكلة كان منشؤها فساداً في التربية، كما أشار إلى ذلك (خوجه)، وهو في أحاديثه هذه لا يغفل الإشارة إلى عادات الصالحين من أهل هذا الميدان غير أنه يركّز كثيراً على العادات الفاسدة تحرياً منه لسبل علاجها.
ومن مقالاته الهادفة التي كانت تناسب زمانها ولكن لم يبق لها في زماننا إلاّ دلالة تاريخية لجوانب من الحياة والفكر والعمل عند أسلافنا ما كتبه حول مشروع القرش الذي اقترحه ونظمه ثم دعا قومه إلى أن يباشروا العمل فيه.
فقد وضع نظاماً لمشروع يقوم على أساس يسهم فيه كل فرد من المجتمع بقرش يدفعه في كل يوم لمدة معينة، ثم تجمع هذه القروش ليفتح بها مشروع صناعي، تستثمر فيه طاقات الشباب وقدراتهم الجسمية والفكرية، ثم عرض هذا المشروع على رجال الفكر في الحجاز، فجروا معه جادين أو لاهين، لكن شيئاً من ذلك لم يتم، لأنهم لم يتفقوا على الرئيس، وأمين الصندوق فلم ينجح المشروع لعدم توافر رأس المال بسبب عدم الاتفاق. وهذه مشكلة انتهى زمانها. فقد توافرت الأموال وصارت الدولة تبذل الإعانات لكل صاحب مشروع ولم يبق على الطامح لمثل هذا العمل إلاّ أن يصدق مع نفسه، ومع الدولة التي ضمنت للعاملين كل ما يهب لهم أسباب النجاح، وأهم الأسباب في فشل ((مشروع القرش)) الذي دعا إليه هو المثالية الموغلة، حيث أراد ألاّ يكون للمسهمين نصيب في رأس المال، وأن المسؤول عنه المنتجون ولا يحل إلاّ بأمر الحكومة، وتعود ممتلكاته إلى بعض الهيئات العامة مثل أمانة مكة المكرمة والأوقاف.
ومما ورد في مقالاته في هذا الباب الحديث عن مشروع التعليم الليلي، وما ذكره من وجوب استئذان الحكومة، ويظهر لقارئ مقالات (خوجه) أنه كان يعاني من مزامنيه الأمرّين، وهو يدعو إلى إصلاح أوضاعهم الفكرية والاقتصادية والعمرانية. ومما يجب التنبيه إليه أن مثل تلك الأعمال كانت في زمن لم تفتح فيه الكنوز على خزانة الدولة. ومما يتصل بذلك ـ أعني معالجة (خوجه) لمشكلات مجتمعه ـ حديثه عن العمل وشرفه ومنزلة العامل الجاد في مجتمعه، وموقف الإسلام من العمل والعمال وتشجيعه، وذلك معروف في كتاب الله وسنَّة رسوله.
ولقد منيَ الحجاز ببعض الحاقدين المغرضين الذين كانوا يعودون إلى بلادهم فيشرعون في الطعن والذم والتشنيع، ربما ليقال إنهم لحظوا أشياء فاتت غيرهم وكانوا ينشرون غثيانهم في صحف بلادهم.
وكان أن تصدى الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود لكشف هذه الشبهات بمقالات من جميل ما فيها أن القارئ يجد فيها صورة جليلة للمجتمع الذي عاش فيه كاتبه، ذلك أنه يتحدث لك تارة عن الزواج وعاداته وتقاليده، وتارة أخرى يصف لك لبس القوم وزيهم، وثالثة يتحدث عن طرق المعيشة ومصادر الكسب في هذه البلاد المقدسة في تلك الأيام التي سبقت انفتاح أبواب الخير على هذه البلاد، ثم ما إلى ذلك من العادات والتقاليد التي يندر ـ جداً ـ أن تجد حديثاً عنها في ما كتب الآخرون.
ولعلّ اتجاه (خوجه) إلى وصف العادات والتقاليد إنما كان من منطلق حبه لإصلاح مجتمعه، وهذا أمر معروف من سيرته ـ رحمه الله ـ غير أن أحداً لم يجلّ هذه الجوانب الخيرة في حياة الرجل بعد.
لقد تحدث عن وجوه الإنفاق فأشار إلى الإسراف، ثم دلف إلى حضِّ ذوي اليسار على الإنفاق في وجوه الخير.
وما تحدثنا عنه من معالجته الاجتماعية لا يعني إخراج ما عدا ذلك من هذا الميدان الاجتماعي، وذلك أن أعمال محمد سعيد الفكرية كلها اجتماعية إلاّ ما قلّ منها، وهو قليل لم يخل من التفاتات اجتماعية أيضاً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :802  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 19 من 36
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.