عاتَبتُ ـ لو سمعَ القريبُ عتابي . . |
وكتبتُ ـ لو قرأ البعيدُ كتابي! |
وسألتُ ـ لو أنَّ الذين مَحَضْتُهُم |
وِدّي أضاؤوا حيرتي بجوابِ! |
وَعَصَرْتُ ماءَ العينِ لو أنَّ الأسى |
أبقى بحقلِ العمرِ عُشْبَ شبابِ |
وَأنَبْتُ عني لو يُنابُ أخو الهوى |
بسخينِ أحداقٍ ونزفِ إهابِ
(1)
|
وَتَرَنَّمتْ لو لم تكن مشلولةً |
شفتي ... ومصلوبَ اللحونِ ربابي |
كيف الغناءُ؟ حدائقي مذبوحةٌ |
أزهارُها ... ويبيسةٌ أعنابي |
شجري بلا ظِلٍّ .. وكلُّ فصولهِ |
قيظٌ .. وظمآنُ الغيومِ سحابي |
طَرَقَ الهوى قلبي .. وحين فَتَحْتُهُ |
ألقى به عصفاً وعودَ ثقابِ |
حتى إذا كشَفَ الضحى عن شمسهِ |
ألفيتُني ميتاً بنبضِ ثيابِ |
يتقاتل الضِدّان بين أضالعي: |
عَزْمُ اليقينِ وحيرةُ المرتابِ |
صُبْحي بلا شمسِ .. وأما أنجمي |
فَبَريقُ بارودٍ وومضُ حرابِ |
روحي تمصُّ لظى الهجيرِ وَتَسْتَقي |
شفتاي من دمعٍ ووهجِ سرابِ |
أرفو بخيطِ الذكرياتِ حشاشةً |
خَرَمَتْ ملاءَتَها نِصالُ غيابِ |
الدارُ بالأحبابِ .. ما أفياؤُها |
إنْ أَقْفَرَتْ داري من الأحباب؟ |
عابوا على قلبي قناعةَ نَبْضِهِ |
أنَّ الردى في العشقِ ليس بِعابِ |
أنا سادنُ الوَجَعِ الجليلِ خَبَرْتُهُ |
طفلاً .. وها قارَبْتُ يومَ ذهابي |
* * * |
صوفيَّةَ النيرانِ لا تترفَّقي |
بي لو أتيتُكِ حاملاً أحطابي |
قد جئتُ أستجدي لظاكِ .. لتحرقي |
ما أَبْقَتِ الأيامُ من أعشابي |
أنا طِفْلُكِ الشيخُ ... ابتدأتُ كهولتي |
من قبلِ بدءِ طفولتي وشبابي |
لَعِبَتْ بيَ الأيامُ حتى أَدْمَنَتْ |
وَجَعي .. وَخَرَّزَتِ العثارُ شِعابي |
يحدو بقافلتي الضَياعُ كأنني |
للحزنِ راحٌ والهمومِ خوابي
(2)
|
إنْ تفتحي بابَ العتابِ فإنني |
أَغْلَقْتُ في وجهِ الملامةِ بابي |
أهواكِ ؟ لا أدري .. أَضَعْتُ بداهتي |
وأَضاعني في ليلهِ تِغْرابي |
كلُّ الذي أدريهِ أني بَذْرَةٌ |
أَمّا هواكِ فجدولي وتُرابي |
نَزَقي عفيفٌ كالطفولةِ فاهدئي |
أنا طفلكِ المفطومُ .. لا ترتابي |
الشيبُ؟ ذا زَبَدُ السنين رمى به |
موجُ الحياةِ على فتىً متصابي |
"ستٌ وخمسون" انتهين وليس من |
فرحٍ أُخيطُ به فتوقَ عذابي! |
الدغل والزُقّومُ فوق موائدي |
والقيحُ والغِسلينُ في أكوابي
(3)
|
أحبيبةَ الوجعِ الجليل ِ مصيبتي |
أن العراقَ اليومَ غابُ ذئابِ |
لو كان يفتح للمشرّدِ بابَهُ |
لأتيتُهُ زحفاً على أهدابي |
وطويتُ خيمةَ غربتي لو أنها |
عَرَفَتْ أماناً في العراق روابي |
أوقفتُ ناعوري على بستانِهِ |
وعلى دجاهُ المستريب ِ شهابي |
* * * |
عانَقْتُها فتوضَّأتْ بزفيرِها |
روحي.. وعطَّرني شميمُ خضابِ |
كادت تَفرُّ إلى زنابقِ خصرها |
شفتي فرارَ ظميئةٍ لشرابِ |
سكرتْ يدي لمّا مَرَرْتُ براحتي |
ما بينَ موجِ جدائلٍ وقِبابِ |
وحقولِ نعناعٍ تَفَتَّحَ وردها |
وسهول ِ ريحان ٍ وطل ّ حبابِ
(4)
|
لُذْنا بثوبِ الليلِ نَسْترُ شوقنا |
من عين مُلتصٍّ ومن مرتابِ
(5)
|
فشربتُ أعذبَ ما تمنّى ظامئٌ : |
شهدٌ غَسَلتُ بهِ مُضاغَ الصّابِ
(6)
|
يا أيها المجنونُ ـ صاحَتْ ـ دَعْكَ من |
تُفاحِ بُستاني وَزِقٍّ رضابي |
جَرَّحْتَ فستاني فكيف بزنبقي؟ |
فَأَعِدْ عليَّ عباءتي وحِجابي |
حتى إذا نَهَضَ المُكبِّرُّ..... والدجى |
فَرَكَ العيونَ ولاحَ خيطُ شِهابِ |
وتثاءَبَ القنديلُ... وابتدأ السنا |
عريانَ مُلْتَفًًّا بثوبِ ضَبابِ |
صَلَّتْ وصلَّيتُ النوافلَ مثلَها |
وبسطتُ صَحْنَ الروحِ للوهّابِ |
* * * |
خوفي عليَّ ـ وقد تَلَبَّسَني الهوى ـ |
مني ... ومنكِ عليكِ يومَ حسابِ |
إنْ كنتِ جاحدةً هوايَ فهاتِني |
قلبي وتِبْرَ عواطفي وصوابي |
نَمْ يا طريدَ الجَّنتينِ معانقاً |
خالاًً يشعُّ سناهُ بين هضابِ |
عَرَفَتْكَ مخبولاً تُقايضُ بالندى |
جمراً وكهفَ فجيعةٍ برحابِ |
* * * |
أصحابَنا في دار دجلةَ عذرَكمْ |
إنْ غَرَّبَتْ قدماي يا أصحابي |
جَفَّتْ ينابيعُ الوئامِ وأَصْحَرَتْ |
بدءَ الربيعِ حدائق اللبلابِ |
أحبابَنا ... واسْتَوْحَشَتْ أجفانَها |
مُقَلي وشاكسَني طريقُ إيابي |
أحبابَنا عَزَّ اللقاءُ وآذَنَتْ |
شمسي قُبيلَ شروقِها بغيابِ |
أحبابَنا في الدجلتين تَعَطَّلَتْ |
أعيادُنا من بعدكم أحبابي |
ندعو ونجهل أَنَّ جُلَّ دُعائِنا |
منذ احترفنا الحقدَ غيرُ مُجابِ |
نَخَرَ الوباءُ الطائفيُّ عظامنا |
واسْتَفْحلَ الطاعونُ بالأربابِ |
عشنا بديجورٍ فلما أَشْمَسَتْ |
كشفَ الضحى عن قاتلٍ ومرابي |
ومُسَبِّحينَ تكاد حين دخولهم |
تشكو الإلهَ حجارةُ المحرابِ |
ومُخَنَّثين يرون دكَّ مآذنٍ |
مجداً ... وأنَّ النصرَ حزُّ رقابِ |
واللاعقين يد َ الدخيل ِ تضرّعا ً |
لنعيم كرسي ٍ بدار ِ خراب ِ ... |
جيف ٌ ـ وإنْ عافتْ عفونة لحمِها |
أضراسُ ذئبان ٍ وناب ُ كلاب ِ... |
وطنَ الفجيعة ِ والشقاء ألا كفى |
صبراً على الدُخلاءِ والأذنابِ |
* * * |