(( فتح باب الحوار ))
|
كان السؤال الأول من الدكتور غازي زين عوض الله يقول فيه. |
- الشاعر المبدع يحيى توفيق، كيف يستطيع التوفيق بين حريته الإبداعية في نظم الشعر، والالتزام الَّذي يربطه بأنظمة المجتمع وفق إطار المسؤولية الاجتماعية؟ |
وأجاب المحتفى به: |
- والله يا دكتور غازي هذه الحقيقة مشكلة، لكن أحاول جهدي أن أوزع وقتي بين من أحب وهوايتي، الشعر ليس حرفتي ولكنه هوايتي؛ عادةً بعد صلاة الفجر أجلس للقراءة، فإذا كان هناك أي فكرة أو أي احتراق داخلي، أو مكابدة أو معاناة..، فربما تنصب عليَّ في تلك اللحظات فأكتبها. |
|
ثم وجه سؤال من الأستاذ عدنان فقي يقول: |
- هل لكم أن تقولوا لنا متى كان مولد أول قصيدة نظمتموها، والقصيدة التي تمنيتم لو أنكم لم تنظموها؟ وما هي الأوقات المناسبة لنظم الشعر لديكم؟ مع رجاء التفضل بقراءة قصيدتكم الرائعة سمراء على الحضور؟ |
وفي نفس مجال سمراء وجه الأستاذ أمين عبد الوهاب الوصابي سؤالاً بدأه ببيتين من القصيدة: "سمراء" هما: |
سمراء رقي للعليل الباكي |
وترفقي بفتى مناه رضاك |
ما نام منذ رآك ليلة عيدِه |
وسقته من نبع الهوى عيناك |
|
- هذه القصيدة الغنائية التي رددها العديد من الفنانين في الوطن العربي هل بالإمكان الإفصاح عن التداعيات العاطفية التي عاشها الشاعر يحيى توفيق في أجواء هذه القصيدة، التي تحمل في قوافيها صدق المعاناة وحرارة الأشواق والألم العاطفي. |
وأجاب الشاعر يحيى توفيق قائلاً: |
- في ملاحظة الحقيقة، شيخنا (الله يحفظه) سيعطيني نسخة من الشريط، ومن الطبيعي أن آخذه معي إلى البيت؛ فالإبحار في هذه الأسئلة شيء محرج، لكنني أحب أن أقول: إن سمراء كتبت وأنا دون العشرين فعلاً، ولكن كانت نتيجة تجربة عاطفية لا شك في ذلك؛ ومع الأسف أنا لا أحفظ شعري ولكن ربما - إذا شئتم - أعرج على بيتين - أو ثلاثة - منها فسأفعل. |
|
ثم أنشد الشاعر الأبيات التالية من القصيدة، يكمل بها البيتين اللَّذين تلاهما السائل أمين الوصابي فقال: |
ورأيتني وقد استبدَّ بي الهوى |
أدنو إليك على النوى فأراك |
كغريب دار شفَّه طول الجوى |
فهفا إليك بروحه ودعاك |
فإذا نسيت الحب يوماً فاذكري |
كم خاصرتني في الدروب يداك |
وإذا سلوت الحب يوماً فاذكري |
كم ذوبتني في الدجى شفتاك |
فإذا تلاشى الحسن أو فني الصبا |
فسلي الثواكل عن ضريح فتاك |
|
|
- أما القصيدة التي تمنيت أنني لم أنظمها، فأنا - في الحقيقة - سأعرج على حكاية النظم والشعر، هناك فرق كبير بين النظم والشعر، ألفية ابن مالك لا يمكن أن تكون شعراً ولكنها موزونة: |
وقبر حرب بمكان قفر |
وليس قرب قبر حرب قبر |
|
|
- هذا بيت ولكنه من أثقل الأبيات، وهل تعتبرون هذا شعراً؟ طبعاً لا.. كل ما أكتب أنا أكتبه بإحساس، يعني أنفعل في دواخلي، أكابد، أحترق، أنصهر..، ثم تتفجر كل هذه المشاعر وتستكتبني..، أنا لا أكتب الشعر بل الشعر يستكتبني، يرغمني، يجلسني..، ربما كنت أسير في الشارع فيسقط بيت من أروع الأبيات، فأقف لكي أكتبه. |
|
- أشكركم - جميعاً - على احتفائكم بي، وإن كنت - الحقيقة - أحس بأني أقل من هذا الاحتفاء وهذا الترحيب؛ لكنكم كرماء، أهل بلدي كرماء، وإن كان فيهم مشاكسون.. ولكنهم كرماء. |
وبهذه الكلمات الرقيقة حاول المحتفى به أن يغلق باب الأسئلة لينصرف الجميع إلى موائد الطعام، لكن المحتفي الأستاذ عبد المقصود خوجه فطن لما يهدف إليه المحتفي، ففوَّت عليه الفرصة وقال: أنت في مكانك الطبيعي وما زالت هناك بقية من الأسئلة. |
فقرأ عريف الحفل سؤالاً موجهاً من الأستاذ نادر صلاح الدين وقال: |
- ما تطالعنا به صفحات الصحف الأدبية من نقد لأعمال إبداعية، مجرد انطباعات شخصية في معظمه، النقد التطبيقي كاد يختفي حتى من المجلات الأدبية المتخصصة، في حين اتسعت دائرة النقد النظري، لا شك أن هذا يؤثر على النشاط الإبداعي؛ ما تعليقكم الكريم على ذلك؟ وما سبيل الخروج من هذه الأزمة؟ أزمة النقد التطبيقي والجاد؟ |
فردَّ الشاعر يحيى توفيق على سؤال السائل بقوله: |
- كنا نحضر زواج الشريف في وادي لية، شاعرنا الحبيب، وكان معنا الدكتور عبد المحسن القحطاني، والأستاذ الكريم عبد الفتاح أبو مدين، وأنا عندما ألعب: "البلوت" أدندن ببيت شعر ربما يكون لي، وربما يكون لغيري، وكان معنا ناقد معروف كبير.. وقلت بيت شعر، وفجأة صدمت به يقول لي بصوت مرتفع.. وعلى مرأى ومشهد من الجميع: أستاذ يحيى البيت مكسور - تستطيع أن تقول للشاعر: أنت لحنت، لكن أن تقول له بيتك مكسور شيء صعب حقيقة؛ كان البيت من البحر الَّذي أنا مهتم به وهو البحر البسيط آخر تفعيلة فيه: فعلن تحرك وتسكن العين؛ وكنت أنا - الحقيقة - محركها في ذلك البيت - لا أذكر البيت الآن - فكنت للتو عائداً من الغربة ولا يعرف أحد يحيى توفيق من يكون، رغم أن "سمراء" سبقتني، ولكن سمراء قصيدة حلوة.. لكنها بسيطة وساذجة على قدر السن، فصمت الحضور وتخلوا عن لعب "البلوت" وابتدؤوا يسمعون الكلام.. لأنه كلام دسم؛ ناقد يقول لشاعر: بيتُك الشعري هذا مكسور؛ فسألته: أين موضع الكسر؟ فقال لي: أنت حركت العين في فعلن؛ فارتخت أعصابي وارتحت، ورددت بسرعة: |
الله أكبر كم في الحرب من عجب |
يا خالـد التـرك جـدد خالـد العـرب |
|
|
- قال لي أنا آسف، أنا غلطان، وأنت على حق. |
- لقد غلط غلطتين - في الحقيقة - لازلت أذكرهما إلى الآن.. الأولى: انتقاده لشاعر في وسط أحبائه وبصوت مرتفع، بطريقة استفزازية، أما الغلطة الثانية: فإنه لم يتثبت وهو رئيس قسم اللغة العربية في جامعة من الجامعات..، تصوروا عظم هذه الغلطة. |
|
- أنا أريد أن أرد على الدكتور، ولكن أريد أن أقول كلمة واحدة: |
|
- إن الدكتور عبد المحسن أول من صحح لي، فقد وقفت - ذات مرة - ألقي قصيدة، وكان في القصيدة كلمة: "يراع"، فنطقتُها على وزن حُسام، جهلاً مني بالنطق الصحيح للكلمة؛ انظروا إلى الفارق بين الرجال، فبعد أن انتهت الحفلة، قال لي: أنت غلطت وقلت: يُراع (بضم الياء)؟ قلت له في الحقيقة أنا لم أغلط، أنا - فعلاً - أعتقد أنها يُراع (بضم الياء) قال لي: لا هي يَراع (بفتح الياء).. |
- فيمكن أن تنتقد لغة الشاعر، أن تنتقد بلاغة الشاعر، أن تنتقد أسلوب الشاعر..، لكن - الحقيقة - الَّذي ذكره دكتورنا الغالي: لماذا أعطيت نفسي حق الحديث - ولا أقول النقد - الحديث عن شعر الأستاذ العواد، ولا أعطي للآخرين الحق في الحديث عنِّي؛ أنا أعطي لنفسي الحق لأني شاعر، أدرك الفرق بين النظم وبين الشعر. |
|
ثم وجَّه الأستاذ بكري كبه سؤالاً جاء فيه: |
- هل هو إجماع بين متحدثي الحفل، على أن شاعرنا يحيى توفيق حسن أحد شعراء الغزل والتجسيد في العصر الحديث.. ما هو رأي شاعرنا وأين يضع نفسه بين الشعراء؟ |
وأجاب المحتفى به قائلاً: |
- هذا يذكرني بواحد قال عني: متنبي السعودية.. أين أنا يا إخواني وأحبابي؟ رحم الله امرأ عرف قدر نفسه، يعني الحقيقة أنا رجل ليس الشعر غاية من غاياتي، بل هو مزاج، هواية، تنفيس، لا أكثر ولا أقل؛ ربما تصيب، وربما تخطئ، ولكني لا أستطيع أن أضع نفسي في مصاف الشعراء العظماء الكبار، لا.. لا.. لا..، شكراً. |
|
ووجه الأستاذ نبيل خياط - مدير العلاقات العامة بالنادي الثقافي الأدبي بمكة - السؤال التالي: |
- يقولون: إن الشعر الحديث يؤثر في الشعر العمودي، فماذا تقول أنت؟ |
وأجاب ضيف الاثنينية على سؤال السائل بقوله: |
- هذا سؤال ملغم.. الحقيقة: في بعض الأحيان ما يسمى بالقصيدة النثرية تستهويني، ولكن لماذا يسمونها شعراً؟ هذا هو السؤال؛ كان يمكن أن يسموها نثراً ويصفوها بما يريدون، ولكن لماذا تسمى شعراً وهي لا تملك الموسيقى، ولا القافية، ولا الوزن، ولا أي عنصر من عناصر الشعر؟ وهذا هو الفرق، ولكن النثر الَّذي يستطيع أن يلامس مشاعرك ويحرك أحاسيسك، لا شك أنه شيء رائع مهما كان، الاعتراض فقط على التسمية..، وشكراً. |
|
السؤال الأخير تقدم به الأستاذ مصطفى محمد من مجلة المنهل يقول فيه: |
- الشاعر ناقد، نتفق معك في ذلك، ولكن ليس شرطاً أن يكون الناقد شاعراً لينتقد..؟ |
وأجاب المحتفى به على السؤال بقوله: |
- لو كنت جالساً هنا وبجواري محمد سعيد فارسي، وقال الدكتور محمد سعيد فارسي: إن هذا البيت سيعيش مائة عام، وقلت أنا هذا البيت سيعيش خمسة عشر عاماً، فمن تصدقون؟ من الطبيعي أنكم ستصدقون من عنده المقاييس، فتصدقون المهندس طبعاً، لأن ذلك حقله، الَّذي أريد أن أوضحه أكثر أن الشعر فيه أشياء كثيرة يمكن أن تكون محل نقد، لأساطين النقد من حيث الكلمة المفردة، والنحو، والبلاغة، والوزن، إلخ.. لكن العمق، الحس، الروح..، لا يستطيع أن يتحدث عنه أحد إلا شاعر، بصراحة: أنا أريد أن أدافع عن نفسي عندما قلت: إن شعر أستاذنا العواد نظم وليس شعراً، لأن كثيراً من الإخوة لا يفرقون بين النظم وبين الشعر، والشعر هو ما لامس مشاعرك وحرك أحاسيسك: |
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه |
فليس حرياً أن يقال لـه شعر |
|
|
- الحقيقة: لا أريد أن أتصدى لمعركة أخرى مع النقاد، فليس عندي وقت وإمكاناتي على قدر استطاعتي، ولكن هذا شعوري وهذا إحساسي، وهذا ناتج عن تجربة ذاتية وشكراً. |
|
|