| لا تسأليهِ الصَبْرَ لو جَزعا |
| مما رأى.. بغدادُ.. أو سَمَعا |
| فَرْدٌ ولكن بين أضْلُعِهِ |
| وطنٌ وشعبٌ يخفقانِ معا |
| صادٍ يُبَلِّلُ باللظى شفةً |
| وَيَصدُّ عن مُسْتَعْذَبٍ نَبَعا |
| أَنِفَ انتهالَ الراحِ لا بَطَراً |
| أو خَوْفَ مُلْتَصٍّ ولا
وَرَعا
(1)
|
| لكنه طَبْعٌ تَلَبَّسَهُ |
| والمرءُ في حَاليْهِ ما
طُبِعا
(2)
|
| وبهِ حَياءٌ من مروءَتِهِ |
| لو راوَدَتْهُ النفسُ فاتَّبَعا |
| فَرَشَتْ له الأوهامُ أَبْسِطَةً |
| واسْتَنْبَتَتْ صحراءَهُ فَرَعى |
| صاحٍ ولكنْ صحوَ مَخْتَبِلٍ |
| لا فَرْقَ إنْ أَسرى وإنْ هَجَعا |
| غافٍ يُدَثِّرُهُ حريرُ مُنىً |
| فَتَوَهَّمَ التابوتَ مُنْتَجَعا |
| وَسِعَتْ أمانيهِ الخيالَ فما |
| أَبْقَتْ له الأحلامُ مُتَّسَعا |
| مَلَكَتْ فؤاداً منه أسِرَةُ |
| فَسَعَتْ إليهِ بِقَيْدِها.. وَسَعى |
| شاخَ المشوق بِغُرْبَتَيْهِ وإذْ |
| جَلَسا لمائدةِ الهوى
يَفَعا
(3)
|
| عِقْدانِ إلاّ بضعةُ وَهُما |
| يَتَرَقّبانِ الوصلَ.. واجْتَمَعا |
| خَلَعَتْ عليه لذائذاً فأبى |
| غيَر العَفافِ لِحُبِّهِ
خُلَعا
(4)
|
| صاغَتْ له من طينِها رئِةً |
| ولها أقامَ القلبَ مُرْتَبَعا |
| وَتَراقَصَتْ أعشابُ مقلتِهِ |
| فَرَحاً بنجمِ مَسَرَّةٍ سَطَعا |
| فَتَناجَيا لحناً وقافيةً |
| وَتَصاهرَا نَبْضاً وَمُصْطَرَعا |
| وَتَعاتَبا كلٌّ يرى سَبَباً |
| لِيُريقَ كأساً بَعْدُ ما تُرِعا |
| طَمَعَتْ بِصَمْتٍ من يَراعتِهِ |
| وبصرخةٍ من صَخْرِها طَمَعا |
| فَتَشاجرا: دَوْحاً وفاخِتَةً |
| وتَخاصَما: ثَدْياً وَمُرْتَضِعا |
| كَظَما على غَيْظَيْهما فَوَشى |
| بهما اخْتِلاجُ الجفنِ إذْ دَمَعا |
| * * * |
| حَيْرانُ بين اثنينِ خَيرُهُما |
| شَرٌّ يُحيقُ بهِ إذا قَنَعا |
| فإذا أقامَ فَقَهْرُ مُغْتَصِبٍ |
| وَسَيَسْتَبيهِ الشوقُ لو رَجَعا |
| خَبَرَ العذابَ جميعَهُ فرأى |
| أَنَّ الأَشَدَّ: مكابرٌ خَنَعا |
| غَضَّ الفؤادُ النَبْضَ عن تَرَفٍ |
| مُسْتَعْبِدٍ فاخْتارَ أَنْ يَدَعا |
| لا تَسأَليه الصَبر لو جَزَعا |
| ما دام فأْسُ الذُلِّ قد وَقَعا |
| زارَ الديارَ ضُحىً فأَرْعَبَهُ |
| أَنَّ الفرات وَنَخْلَهُ
افْتُرعا
(5)
|
| فَرَكَتْ أَصابعُ صَحْوِهِ مُقَلاً |
| سكرَتْ بخمرِ الحلمِ فانْفَجَعا |
| أَلفى الأَحِبَّةَ بعد عودتِهِ |
| رِمَماً وَرِفْقَةَ أَمْسِهِ شِيَعا |
| عاشَ المواجِعَ منذُ فارَقَهُمْ |
| وازْدادَ بعدَ لقائِهِمْ وَجَعا |
| غَفَلوا فَعاجَلَهُمْ بفاجِعَةٍ |
| مُتَرَبّصٌ لم يَدَّخِرْ خُدَعا |
| شَبِعَ الردى والقَهْرُ من دمهم |
| و
((مُحَرري)) المزعومُ ما شَبِعا |
| أَسَفي على بغدادَ.. كيف غَدَتْ |
| سوقاً وأَنْجمُ مجدِها سِلَعا؟ |
| قد كان يربِطُني بَهَوْدَجِها |
| خَيْطٌ من الآمالِ.. وانْقَطَعا |
| الجسرُ؟ تَجْفوهُ المَها.. وإذا |
| قَرُبَتْ تَشَظّى وَجْهُها
فَزَعا
(6)
|
| أما
((الرّصافةُ)) فالجلوسُ إلى |
| شطآنِها يَسْتَنْفرُ الهَلَعا |
| خرساءَ تَسْتَجدي الخُطى صِلَةً |
| والسامرينَ الشعرَ والسَجَعا |
| ودخانَ
((مسقوفٍ)) بَمُغْتَبَقٍ |
| وغناءَ صَبٍّ مُدْنَفٍ
ضَرَعا
(7)
|
| وَدَّعْتها قَسْراً فَوَدَّعَني |
| قلبٌ أبى من بَعْدِها مُتَعا |
| حذَّرتُها مني.. وَحَذَّرَني |
| منها هيامٌ من دمي رَضَعا |
| لكنها تبقى رفيفَ دمي |
| إنَّ الهوى أَبْقاهُ ما صَرَعا |
| * * * |