أربعةً كُنّا مُصابينَ بِداءٍ |
أَعْجَزَ الطبيبَ والعطّارَ في مدينةٍ |
جميعُ أَهليها يُعانونَ من التعاسَهْ |
وَمَرَّتِ الأيامُ |
حتى حَلَّ في البلدةِ شيخٌ طاعنٌ |
مهْنَتُهُ الفِراسَهْ |
زُرْناهُ نَسْتَفْهمُ عن أمراضِنا |
بادَرَني بقولهِ: من أيِّ شيءٍ تشتكي؟ |
قلتُ: من الضَبابِ في بَصيرتي |
ومن شعورٍ غامضٍ |
أَفْقَدَني الوقارَ والكِياسَهْ |
فتارةً أشعرُ أَنَّ بلدتي مئذنةٌ |
تَرشُّنا بالنورِ والأَريجِ |
حتى تستحيلَ جَنَّةً أرضيةً.. |
وتارةً أَخالُها إِذاعةً |
تنهى عن المعروفِ.. |
أو تأمرُ بالمنكرِ |
حتى تستحيلَ حانةً ومخدعاً لساسَهْ |
فلم أَعُدْ أُمَيِّزُ العُهرَ من القداسَهْ |
* * * |
أشار للثاني: وأنتَ؟ أَيَّ شيءٍ تشتكي؟ |
أجابَهُ: من عَدَمِ النسيانِ.. |
من علائمِ انتكاسَهْ |
بَدَتْ على وجهِ غَدي.. |
فَعُمْدَةُ البلدةِ ـ قبل أَنْ يكونَ عُمْدَة ـ |
كان بَشوشاً.. وَتَقِيًّا.. |
يبدأُ الحديثَ بالذِكْرِ |
ولا يرفعُ حينما يسيرُ راسَهْ |
لكنه منذ تولى منصبَ العُمْدَةِ |
صار كاسراً |
مثلَ كلابِ الصَّيْدِ والحِراسَهْ |
* * * |
والتَفَتَ الشيخ إلى ثالثِنا |
وكان لا زال على مقاعدِ الدراسَهْ: |
وأنتَ؟ مِمَّ تشتكي؟ |
أجابَهُ: أشعرُ حين أفتح الكتابَ |
أَنَّ مدفعاً يطلعُ من بين السطورِ |
فاتحاً شدقيهِ ليْ |
فأستحيل أرنباً يَبحث في الصفِ عن الكِناسِ.. |
تغدو لغتي مكنسةً.. |
ودفتري حاويةً |
وكلُّ ما حفظتُهُ كُناسَهْ
(1)
|
وأشتكي من صَدَأ |
طال مرايا الفكرِ في عالِمنا |
فلستُ أدري: |
مَنْ بنا البائعُ والمُباعُ |
في ((عولمةِ)) النخاسَهْ؟ |
* * * |
وقالتِ الرابعةُ: ((العانسُ)): |
أشكو هاجسَ الأرْمَلَةِ الثكلى |
فَهَلْ من بلسمٍ يُوقِفُ زَحْفَ العمرِ |
ريثما يَمُرُّ عابراً شواطئَ البلدةِ |
حُوْتُ الحربِ.. |
أو توقِفُ دَوَّرانَها طاحونة السياسَهْ؟ |
فأَطْرَقَ الشيخ مَلِيِّاً.. |
ثم قال جازماً: |
أمراضُكم جميعُها مصدرُها: |
((جرثومةُ الكرسيِّ)) في ((مُسْتَنْقَعِ الرئاسَهْ))! |
* * * |