داويتُ جُرحي والزمانُ طبيبُ |
بالصبرِ أطحنُ صَخرَهُ وأُذيبُ |
لا أدّعي جَلَداً ..ولكنْ للهوى |
حُكْمٌ يُطاعُ بشرعِهِ المحبوبُ |
أسلَمتُهُ أمري وأعلَمُ أنني |
حطَبٌ .. وأما دربُهُ فلَهيبُ |
أحببتُهُ حتْماً عليَّ لأنهُ |
كُلّي : صِباً وطفولةً ومَشيبُ |
جرَّبتُ أن لا أستجيب فعابني |
شَرفي .. وهَدّدَ بالخِصامِ نسيبُ |
هو من غصوني المورقاتِ جذورُها |
هل للغصونِ من الجذورِ هروبُ ؟ |
حيناً يُنيبُ ضُحايَ عن دَيجورِهِ |
غمًّا وحيناً عن ضُحاهُ أنوبُ |
عاندْتهُ يوماً فعانَدَ مِعزَفي |
لحْني وجفَّ على فمي التطْريبُ |
ورأيتُ أن العاشقينَ تعاضدوا |
ضدي وقالت بالجفاءِ عَروبُ |
كُتِبَ الوفاءُ عليَّ دونَ إرادتي |
فاللوحُ قبلَ ولادتي مكتوبُ ! |
قدْ ثاب لو أنَّ الجنونَ يثوبُ |
وأجابَ لو أنَّ القتيلَ يُجيبُ |
صبٌّ ولا كالآخرينَ: ضلوعُهُ |
نخلٌ ..وأما قلبُهُ فشعوبُ |
قدْ كان أقسمَ أن يموتَ على هوىً |
وإن استخفَّ بعشقهِ المحبوبُ |
ضاقتْ بهِ ـ قبل الديارِ ـ هواجسٌ |
وتَقاذَفَتْهُ ملاجىءٌ ودروبُ |
ما إنْ يُكحّلُ بالشروقِ جفونَهُ |
حتى يخيطُ المقلتينِ غروبُ |
يمشي بهِ الوَجَعُ المُذِلُّ ويرتعي |
دمَهُ اشتياقٌ أنْ يُطِلَّ حبيبُ |
تلهو بزورقهِ الرياحُ وتَستبي |
أيامَهُ أنّى أقامَ خطوبُ |
"ليلاهُ" في حضنِ الغُزاةِ سبيئَةٌ |
أما العشيرُ فسيفُهُ معضوبُ
(1)
|
أجَل .. البلادُ نجيبةٌ يا صاحبي |
والنخلُ والنهرُ الجريحُ نجيبُ |
لكنَّ بعضَ "رؤوسِنا" يا صاحبي |
جُبِلتْ على فَسَدٍ فليسَ تثوبُ |
غرسوا بنا سُلَّ الشقاقِ فلَيْلُنا |
مُتَأبِدٌ... وصباحُنا مَعصوبُ |
بتْنا لفأسِ الطائفيةِ مَحطباً |
فلكلِّ حقلٍ "سادنٌ" و"نقيبُ" |
عِللُ العراقِ كثيرةٌ... وأضرُّها |
أنَّ الجهادَ "الذبحُ" و"التسليبُ"
(2)
|
وطنٌ ولكنْ للفجيعةِ... ماؤهُ |
قيحٌ... وأمّا خبزُهُ فنَحيبُ |
مسلولةٌ أنهارُهُ... ومَهيضَةٌ |
أطيارُهُ... ونخيلهُ مصلوبُ |
" قومي هموُ قتلوا أُميمَ أخي" ولا
(3)
|
ذنبٌ سوى أنَّ القتيلَ قريبُ |
أُكذوبةٌ تحريرنا يا صاحبي |
والشاهدان: الظلمُ والتعذيبُ |
أُكذوبةٌ حرّية الإنسانِ في |
وطنٍ يسوسُ بهِ الجميعَ "غريبُ" |
مُدُنٌ تُبادُ بزعمِ أنّ "مُخرّباً" |
فيها... وطبع " محرري" التخريبُ
(4)
|
وحشيّةٌ تندى لقسوةِ نابِها |
خَجَلاً ضباعُ قفارِهِ والذيبُ |
أكذوبةٌ أن يستحيلَ غزالةً |
ذئبٌ... وحقلاً للأمانِ حروبُ |
مالي أبثّكَ يا نديمَ قريحتي |
شجَني وفيكَ من الهُمومِ سُهُوبُ ؟ |
هل نحن إلا أمةٌ مغلوبةٌ |
رأتِ المَشورةَ ما يقولُ مُريبُ ؟ |
ما نفعُ توحيدِ اللسانِ لأمةٍ |
إنْ لمْ تُوحّدْ أذْرعٌ وقلوبُ ؟ |
هي أمةٌ أعداؤها منها ... متى |
طارَ الجناحُ وبعضُهُ معطوبُ ؟ |
من أين يأتينا الأمانُ و "بعضنا " |
لِعدوّنا والطامعينَ ربيبُ ؟ |
ومُدَجّجٍ بالحقدِ ينْخرُ قلبهُ |
ضَغَنٌ إذا قادَ الجموعَ لبيبُ
(5)
|
حازَ العيوبَ جميعها فكأنه |
مأوىً رأتْ فيهِ الكمالَ عيوبُ |
أعمى البصيرةِ فيهِ من خُيلائِهِ |
مسٌ ومن صدأ الظنونِ رسيبُ |
إنْ قامَ يخطبُ فهو "عنترةُ" الفتى |
و" الحارسُ القوميُّ" و "الرعبوبُ" |
أمّا إذا شَهَرَ الحسامَ عدوُهُ |
عندَ النزالِ فإنهُ "شيبوبُ" ! |
وهو "الأديب الفيلسوف " وفكرُهُ |
فلسٌ بسوقِ حماقةٍ مضروبُ |
هل نحن إلا أمةٌ مغلوبةٌ |
فإلى مَ يشكو العاشقُ المغلوبُ ؟ |
لا بدّ من غَرَقِ السفينِ إذا انبرى |
لقيادها " المنبوذُ" و" المجذوبُ"
(6)
|
يا "صالحاً" في الدنيينِ أرحمةٌ |
هذا الهوى ؟ أم لعنةٌ وذنوبُ ؟ |
أجفو نعيمَ المارقينَ وإنْ سعى |
لي منهُ صحنٌ بالقطافِ خضيبُ |
لو كنتُ خبًّا لأغترفتُ وإنّما |
كفّي ـ كقلبي ـ زاهدٌ وقشيبُ
(7)
|
باقٍ على هذا الهوى ولو أنّه |
سببٌ بهِ عاشَ الشقاءَ تَروبُ
(8)
|
ثلثا دمي ماءُ الفراتِ وثلثُهُ |
طينٌ بدمعِ المتعبينَ مَذوبُ |
شكراً تقي العشقِ باسم صبابتي |
" والشكرُ موصولٌ بهِ الترحيبُ" |
* * * |