رويدَكِ... لا الملامُ ولا العِتابُ |
يُعادُ بهِ ـ إذا سُكِبَ ـ الشرابُ |
فليس بمُزهِرٍ صخراً نميرٌ |
وليس بمُعشِبٍ رملاً سَرابُ |
عقدتُ على اليَبابِ طِماحَ صحني |
فجادَ عليَّ بالسَغَبِ اليَبابُ |
وجيّشتُ الأمانيَ دونَ خطوٍ |
فشَاخَ الدربُ واكتَهَل الإيابُ |
ولمّا شكَّ بي جسدي وكادتْ |
تُعيّرني المَباهجُ والرِّغابُ |
عزمتُ على الحياةِ ورغّبتني |
بها خُودٌ ودانيةٌ رِطابُ |
صرختُ بها: أَلا يا نفسُ تبًّا... |
أتالي العمرِ فاحِشةٌ وعابُ؟
(1)
|
وكنتُ خبرتُ ـ بِدءَ صِباً ـ جنوحاً |
إلى فرحٍ نهايتهُ اكتئابُ |
وجرَّبتُ اللذاذةََ في كُؤوسٍ |
تدورُ بها الغَوانيَ والكَعابُ |
وأوتارٌ إذا عُزفتْ تناستْ |
رزانتَها الأصابِعُ والرقابُ |
فما طَرَدَت همومَ الروحِ راحٌ |
ولا روّى ظميءَ هوىً رُضابُ |
حرَثتُ بأضلُعي بُستانَ طَيشٍ |
تماهى فيهِ لي نفرٌ صحابُ |
فلم تنبتْ سوى أشجارِ وهمٍ |
دواليها مُخادِعةٌ كِذابُ |
أفقتُ على صخورِ الحلمِ أقوتْ
(2)
|
فمَمْلكَتي الندامَةُ والخرابُ |
وقَرَّبَ من متاهَتهِ ضَياعٌ |
وباعدَ من جنائِنهِ مآبُ |
وجئتُكِ مُستَميحاً عفوَ قلبٍ |
له في الحبِّ صدقٌ لا يُشابُ
(3)
|
كفى عتَباً... فأن كثير عُتبى |
وطول مَلامَةٍ ظُفُرٌ ونابُ |
غريبٌ... والهوى مثلي غريبٌ |
ورُبَّ هوىً بمغتَربٍ عقابُ |
كِلانا جائعٌ والزادُ جمرٌ |
كلانا ظامىءٌ والماءُ صابُ
(4)
|
كِلانا فيهِ من حُزنٍ سهولٌ |
وأوديةٌ... ومن ضَجَرٍ هِضابُ |
صبرت على قذى الأيام ألوي |
بها حيناً... وتلويني الصِعابُ |
أُناطِحُ مُستَبدَّ الدهرِ حتى |
تَهَشّمَ فوق صخرتهِ الشبابُ |
رويدكِ...تسألينَ عن اصطخابٍ |
بنهري بعدما نشَف الحَبابُ ؟
(5)
|
وكيف نهضتُ من تابوتِ يأسي |
فؤاداً ليس يقربهُ ارتيابُ ؟ |
وكيفَ أضأتُ بالآمالِ كهفاً |
بمنفىً كانَ يجهَلُهُ الشهابُ ؟ |
بلى.. كنتُ السحَابَ يزخُّ هَمًّا |
وما لنخيلِ أحزاني حسابُ |
شُفيتُ فلم أعدْ ناعورَ دمعٍ |
وهاأنا ذا ينابيعٌ وغابُ |
رويدكِ... ما لزهرائي استحمّت |
بنهرِ ظنونها وأنا الصوابُ ؟ |
إذا شِئتِ الجوابَ فليس عندي... |
ولكن: في "المُجمّعةِ" الجوابُ
(6)
|
سليها عن فتاها فهي أدرى... |
سلي تُجِبِ اليراعةُ والقِبابُ
(7)
|
تخيّرهُ الوقارُ لهُ مثالاً |
وتاهتْ في رحابتهِ الرحابُ |
فتى التسعين... لا أغراهُ جاهٌ |
ولا الحسبُ المُضيءُ... ولا اكتسابُ |
تُنادمهُ الفيافي حين يغفو |
وإذ يصحو يسامِرهُ السَحابُ |
كأنَّ لقلبِهِ عقلاً .. وقلباً |
لعَقلٍ فهو سَحٌ وانسيابُ
(8)
|
أحبَّ الناسَ ما قالوا "سلاماً" |
وما ذهبوا لمكرمةٍ وآبوا |
لهُ بـ " الأحمدينِ" رفاقُ دربٍ |
هما منهُ السُلافةُ والرَبابُ
(9)
|
قَصَدْنا حقلَهُ أربابَ حرفٍ |
لهم بِظلالِ حكمتهِ طِلابُ |
طرقتُ البابَ مُنتظِراً جواباً |
فردَّ عليَّ ـ قَبلَ بنيهِ ـ بابُ
(10)
|
دخلتُ فأسكَرَ الترحابُ خطوي |
وقد ثمِلتْ من الطيبِ الثيابُ |
جلستُ إليهِ... في جفني ثباتٌ |
وفي شَفَتي ـ من الذُهلِ ـ اضطرابُ |
تَحَدَّثَ فالفصاحةُ في بيانٍ |
تُوَشّيها معانيهِ الخِلابُ |
وما خَطَبَ الحكيمُ بنا... ولكنْ |
حِجاهُ لكلِّ ذي لبٍّ خطابُ |
يرى أن الحضورَ بدارِ دُنيا |
بلا تقوى وطهُرِ هوىً غيابُ |
وأنّ المرءَ مرعىً... والأماني |
ظِباء... والمقاديرُ الذئابُ |
وأنَّ الدُرَّ قيمتُهُ بعزمٍ |
تلينُ لهُ العواصفُ والعُبابُ |
وأذكرُ بعضَ ما قال انتصاحاً: |
" أخبزٌ دونَ جمرٍ يُستطابُ" ؟ |
وعلّلَ... فالعيونُ إليهِ تُصغي |
بدهشِتها... أجابَ وما أجابوا |
فتى التسعين... أكثرنا شباباً |
وأفتى لو تسابقتِ اللبابُ |
أبا الأبرارَ طبتَ لنا طبيباً |
وقنديلاً إذا دَجَتِ الشعابُ |
وطبتَ مُنَقّباً في أرضِ فكرٍ |
عليها من غشاوتِها نِقابُ |
ويا جبلَ الوقارِ أرى ذهولي |
يُسائلني وقد شُدَّ الركابُ : |
جلستُ إليكَ يُثقلني ظلامٌ |
وقمتُ وللسَنا بدمي انسيابُ |
أعطرُكَ أم شميمُ عرارِ نجدٍ |
سرى بدمي فضاحَكني الشبابُ؟ |
* * * |