شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(128) (1)
وقال لي اليوم.. وهو يصوب نظرته نحو أرض الغرفة حتى لا ألاحظ بها ما يعنيه واضحاً فيها مما استطاعت كلماته أن تخفيه عني بمهارة فائقة:
إنني ألاحظ أنك وفلان الشاعر.. وعلان الكاتب تحرصون على أن يكون لكم في جرائدنا كل صباح كلام يقرأ.. أو شعر يتلى.. أو خبر يروى.. مصدّراً كل ذلك بصوركم الكريمة.. فهل تستطيع بما جبلت عليه من صراحة ساخرة.. أو سخرية نادرة أن تكشف لي الغطاء حتى أرى الرأس الحقيقية بدلاً من الجثة؟ مشيراً بما قال إلى كلمتي السابقة عن لعبة.. راص بلا جتة.. التي كان يتلهى بها الأطفال على أيدي الحواة بالأعياد في برحة العيدروس بجدة..
فصوبت نظرتي إليه لا للأرض كما فعل ـ وغمغمت بكلمات ساخرة المعنى والحروف.. أما عني ذاتياً ـ ولا أسأل إلا عنها.. على طريقتنا الشائعة في كل صغيرة وكبيرة.. اللَّهم إني لا أسألك إلا عن روحي! فإنني أرمي من وراء ذلك إلى استمرارية الوجود.. حتى لا أظل غريباً عن بلدي.. كما كنت غريباً عنها وجهاً وقفا.. وصوتاً وصورة.. لسنوات طويلة مرت سدى.. في رحلة جهنم الحمراء..
ولقد أضربت.. بعد العودة ـ لأسباب يطول شرحها.. عن النشر.. ولكن ما لبثت أن أدركت أنني أصبحت غريباً فعلاً.. بل ومنسياً من أهلي القدماء.. ومن الذين أصبحوا بالتجنس ـ وبالولادة في حكم الأهل المحدثين..
إن الأسماء.. يا صاحبي السائل.. كالنقد الرائح إذا لم تتداولها الأسماع كما تتداوله الأيدي فلسوف تهبط قيمتها في الأسواق.. ثم في ذاتها.. إن كانت خفيفة الوزن ورقية الاستعمال.. ولقد وازنت ذات يوم بين اسمي حمزة شحاته.. وبين السرحان وكعدور.. وبيني وبين الكتلوج.. وبين الأب عزيز والوصلة.. وبين محمد راسم وأبي غنم.. فوجدت الفرق هائلاً في التداول اليومي.. وفي الأسعار!
وبالمناسبة.. فإنني أروي لك رواية يشهد بها للحق وللتاريخ رئيس تحرير جريدة مشهورة كما هو مشهور!
لقد كنت لديه ذات مرة.. حين قال لقد غضب مني الكاتب فلان.. لحذفي أجزاء من مقاله.. واغتم لذلك.. فطمأنته أن هذا الكاتب سوف يعود ثانية للنشر لديك فلا تجزع.. فأخرج لي طرف لسانه استهزاء.. واستبعاداً لما قلت..
وفوجئ.. ولم أفاجأ.. بعودة الكاتب إليه من تلقاء نفسه.. فقال لي لقد صدقت فراستك في الأمر.. فقلت: وإن لدي جديداً أشير به عليك.. ولعلّك لا تحجم عن العمل به.. لزيادة وارد الجريدة.. قال: فهاته..
قلت: إنني أقترح أن تفرض مبلغاً تتقاضاه عن كل مقال يرد للنشر من هذا الكاتب.. ومن أمثالي.. وثق أن القادر على الدفع منا سوف يقدم لك المطلوب.. ولو باسم صندوق البر ـ أو جمعية الرفق بالقراء!! مهما تغاليت في المقابل.. ولعلّك لصغر سنك لا تعرف أن بعض المغنين في بعض العصور كانوا يؤدون مقابلاً لمن يسمع أصواتهم المنكرة.. ولا جديد تحت الشمس!
وتركته ـ يومها ـ وهو لا يزال يفكر في تنمية وارد الجريدة ـ بالإضافة إلى الإعلانات بها ـ عن طريق المدفوع من بعضنا نحن الكتّاب اليوميين القادرين على الدفع للنشر.. لصندوق جمعية الرفق بالقراء!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :712  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 167 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.