(123)
(1)
|
كنت حريصاً على مشاهدة مباريات كرة القدم حينما كنت متيماً بأحد الأقطار العربية قبل سنوات قصيرة هنا.. لسنوات طويلة هناك.. وقد اخترت مع صديقي ورفيقي الذي كان مواظباً على حضورها معي آنذاك.. اصطلاحاً ليوم كل مباراة باسم.. مع الناس.. وذلك لضمان رؤية وجوه جديدة وكثيرة.. وللانطلاق من حالة التعليب اليومي حيث كنا مثل الكونسروة في رفوف دكاكين البقالة.. ولتحريك المشاعر الراكدة مع المشاعر الهائجة المستجيبة لطبيعتها البشرية دون ثقل.. ومن غير رتوش اجتماعية.. لنحيا ساعة حارة.. |
ومع أن مشاهداتنا للمباريات كانت مقتصرة على ما يقام منها بالنادي الذي كنا أعضاء منتسبين فيه.. وما أكثر ما كان يقام به من مباريات.. إلا أننا نزولاً على مقررات وواجبات اصطلاحنا الخاص.. مع الناس.. اضطررنا لحفظ جداول الدوري العام.. والكأس.. وللإلمام غير الواسع بأصول اللعبة.. نظرياً لا جسدياً.. كما لا أحتاج أن أقول.. |
وعلى نغمات هذه التحميلة الموسيقية اللازمة وعلى هدى من هذه الإيماءة المبطنة والماكرة الدلالة على أنني من غير الجهلة بلعبة الكرة.. أو الفضوليين عليها.. فقد رحبت اليوم باقتراح رئيس النادي الأهلي حضورنا سوية مباراة منتخب المنطقة الغربية السعودي مع الفريق التونسي الزائر للمملكة والمقامة في ملعب الصبان العتيد.. والوحيد.. في جدة.. |
وأول ما رأيت الملعب ورائي.. أدركت أنه لم يزل.. هو.. هو.. على حالته القديمة التي رأيته عليها منذ سنتين لم تطأ أرضه المباركة قدماي خلالهما.. ومنذ أن قلت في وصفه حينذاك: |
واغش الملاعب عندنا متفرجاً |
إن كنت عاشق كورة ملبوشاً |
تجد الملاعب فرجة.. وترابها |
ما كان مزروعاً.. ولا مرشوشا |
وبملعب الصبان تجلس كاشفاً |
للشمس رأسك عارياً.. منكوشا! |
|
وعليه فقد آمنت بهذا الدليل العملي على بقاء كل قديم على قدمه.. إن الدنيا. ولله الحمد.. بخير.. يؤكد ذلك اكتظاظه بالجموع الحاشدة التي ترى في الإقبال عليه رغم بقائه كالعهد به.. عملاً وطنياً وشعبياً يعتبر مثالاً نادراً للتضحية.. وإنكار الذت.. |
ومن باب ضيق.. كأخلاقي!.. يوم لا أنام بعد الغداء.. دخلت بتصريح خاص شاكراً ومقدراً من أباح لي حق الدخول مما دعاني إلى أن أخرج لساني.. وأفرد مشلحي.. وأمسح نظارتي.. وأبحلق في وجوه المصطفين خارج سياجه الشائك.. |
وقبل أن أنسى.. فإنني أقترح بناء مقصورة وذلك لإتاحة الفرصة لحضور كثير من ذوات الهيئة.. وأصحاب الجيب المنفوخ.. ولزيادة الدخل بتوفير عدد من المقاعد ذات القيمة العالية ولإلغاء نظام الباب الضيق.. وما يترتب على ضيقه ونظام المرور به.. من ازدحام.. ومناكبة ومفاخذة.. وتفويل!.. |
ومع ما قلت.. فإنني أشهد أن النظام كان دقيقاً ورائعاً وهذه كلمة لوجه الحق.. وليست من باب.. أدخل الشخص يحلو اللسان.. معارضة نثرية للمثل.. أطعم الفم.. تستحي العين!.. |
وابتدأ اللعب.. وانتهى بما دلت عليه البداية. ولأنني لا أحب أن أزاحم المعلقين الرياضيين في فنهم الذي لا أجيده.. ولا في لقمة العيش التي لا أطولها من هذا الباب.. باب التعليق.. فإنني أوجز بالآتي.. حصيلة ما رأيت.. على قصر النظر.. وما سمعت.. رغم طول الأذن.. وما تنبأت به مع إيماني بأنه كذب المنجمون ولو صدقوا: |
أولاً: كان واضحاً منذ البداية أن منتخبنا السعودي يصح أن تطلق عليه بالراحة اسم.. الخرز المجمع.. ولقد سميته قبل أن أعرف بالتأكيد أن أفراده لا يمثلون المنطقة الغربية وحدها طبقاً للمسمى.. وإنما شتى المناطق! |
ثانياً: وإن خطوط الهجوم.. والوسط.. والدفاع.. ويد الله مع الجماعة.. كانت فردية بحتة في الجهد وفي المجهود في أغلب الأوقات وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية! |
ثالثاً: ولهذا كان كل فرد من أفراد الجمهور متابعاً ومشجعاً حركات اللاعب المنتمي لفريقه.. فالمتفرج الأهلاوي مع اللاعب الأهلاوي.. وكذلك الوحدوي.. والاتحادي.. وسواهم.. كل مع هواه الخاص.. وكان الأفضل قياساً على ما ذكرت أن تتم اللعبة مع نادٍ واحد مطعّم ببعض لاعبين سواه.. |
رابعاً: ولقد لعب الفريق التونسي برجولة.. ولا أوافق على تسميتها خشونة.. فالمجال مجال صراع.. ومزاحمة.. وانتزاع.. ومشاركة بدنية.. لا مجال.. تعاليلي يبطه! |
خامساً: وأن علينا أخيراً.. للمباريات الخارجية بأنواعها.. تكوين فريق أهلي للمملكة كلها لا للمناطق وحدها.. على أن ذلك التكوين في المستوى الدولي والعالمي يحتاج لتخطيط مفصل ولأمد طويل جداً.. جداً.. |
هذا.. ولقد أحسست بدوّار خفيف في رأسي بعد الأهداف الأربعة المتوالية في الشوط الثاني.. كرسم كف مريم!! بالتعبير المحلي الدارج.. كما شعرت بغثيان ثقيل في معدتي من حيثية الإصابتين المضادة.. |
وعلى طريقة: عوضي وعوضك على الله.. فإن التحكيم الوطني أثبت كفاءة ونزاهة مما دفعني.. حين سنحت فرصة مقابلة الحكم في الاستراحة بين الشوطين.. أن أقول له: أرجو إن فاتنا النصر في مستوى اللعب.. ألا يفوتنا في مستوى التحكيم.. فأجاب في تأتأة ممطوطة: |
إننا ملتزمون بما جاء في الكتاب العزيز: |
وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ (النساء: 58)! |
* * * |
|