(121)
(1)
|
ومن الناس من يزنون خطواتهم في الحياة اليومية.. وفي دروب سلوكهم الاجتماعي العام برأي الناس فيهم.. وبما يقولونه عنهم.. وبتقاليدهم لمن يختارونه أنموذجاً ملائماً لهم.. يكادون بذلك يلغون حوافزهم الذاتية.. ونوازع شخصياتهم.. وينقلبون نسخة توشك أن تكون طبق الأصل من سواهم.. |
فهم.. بما سلف.. كأنما يجعلون غيرهم المرآة لذواتهم يقفون أمامها صباح مساء.. ليكملوا زيهم وزينتهم بما تتلقفه أسماعهم عن الغير.. ملاحظة.. أو فكرة.. أو رأياً.. أو نصيحة متحرين أو تتخذ هيئتهم في مجموعها هيئة من يقلدون! |
وسمعت اليوم واحداً من هذا الصنف من الناس يسأل من كان في زيارة لمديره العام.. وحتى أكون أميناً في النقل فقد دار الحوار كالآتي: |
قال الزائر للرئيس: ولقد كنت بمكتبه الصباح فوجدت من الرجل لطفاً.. وبشاشة.. وإقبالاً على زوّاره يتكافأ مع إقباله على العمل.. وبالمناسبة.. فقد جاءت سيرتك.. يا فلان!! |
وهنا نصب فلان قامته.. وشد حيله.. وحملق في محدثنا قائلاً: ها!! وماذا قال سعادته عني؟ وهل دلدل رجليه عند ذكر اسمي.. أو رفعهما بعد أن كانتا مدلدلتين؟ ونظرته.. نظرته.. هل فاضت رقة وحناناً أم قست بعض الشيء؟.. وكيف رضاؤه عن عملي.. هل ابتسم أم عبس؟ وهل يرى إجمالاً في سلوكي العام شيئاً ينبغي أن يعدل؟ و.. و.. |
فأجاب الزائر.. إنه لا يعيب عليك إلا إسرافك في سؤاله عن الصغيرة.. وعن الكبيرة من الإجراءات.. غير مكتف بشرحه الموجز على الأوراق.. وإلا فإنك مثاليّ في عملك ونشيط.. ومواظب على الدوام.. وهو راضٍ جداً على العموم عن زيك وعنك.. إلا فيما سلف! |
وهكذا استمر الحوار الرئيسي وفروعه على هذا المنوال مما هو مألوف ومعروف.. وكدت أنفجر غيظاً من الأسلوب المسخ لا يضع الرجال بما يختارونه بحريتهم أسلوباً مميزاً لأنفسهم.. كاللحن المميز حتى لأي برنامج مسموع.. ومكرور. |
وعندما استدار ناحيتي يسألني كذلك عما يقوله الناس عنه.. لأخذ رأي الشعب فيه.. وما يصفه به المراجعون.. وباختصار يريدني أن أكون له رجع الصدى العام.. فردت وجهي بعد تقطيب وكرمشة وقلت: |
إنني أرى بصرف النظر عما يقال عنك وفيك أن تتخذ البرنامج الآتي في حياتك.. فمد عنقه في لهفة وقال هات.. نوّرني يا أستاذ فإنني دائماً بحاجة إلى أن أسمع.. وأستفيد.. وأتعلم.. فاستطردت: |
عليك قبل أن تخرج من بيتك أن تتصل بالمراجع إياه.. لتسأله رأيه.. مثلاً.. في أنه من الأفضل أن يكون فطورك فولاً فقط.. وبالسمن البري.. أو الصناعي.. أو الزيت أم أن تتناول معه قطعة من الجبن.. وحبات من الزيتون.. الأسود أو الأخضر؟.. وهل الأخف على المعدة أن يكون البيض ـ في يوم البيض ـ نمرشتا.. أم مسلوقاً؟ وبمناسبة برودة الجو نوعاً ما فهل يكون الأنيق أن ترتدي المشلح العوري المرينا.. أم تظل بمشلحك الأسود الخفيف هذا؟ وإذا كان الرشح مستمراً معه فهل تصحب معك له علبة من ورق الكلينكس احتياطاً.. أم أنه يفضل الأخذ بنصيحتك من الإكثار من عصير الليمون؟! |
أما عن الناس.. فإنهم يقولون عنك أنك تبدو بهندامك الجميل وعشيتك في شكل رائع خصوصاً حين تتلب طرف الغترة من ناحية الشمال على رأسك لتبدو صفحة وجهك اليسرى كاملة.. وكذلك عندما تلملم طرفي المشلح وتجمعهما على صدرك واضعاً كفيك عليهما.. وكأنك تتلو الفاتحة في خشوع ورهبة وأنك.. وأنك.. فواظب على كل ذلك.. فإنك صورة طبيعية وبالألوان من رئيسك حتى أنهم لا يكادون يفرقون بينكما.. في أغلب الأحيان! |
هنالك أجاب في طبيعية متلهفة.. وفي ترتيل محفوظ إنني أحرص الحرص كله على أن أكون في الصورة المحبوبة من الكل.. لا أكاد أفعل إلا ما أثق بأنه السلوك المرضي عنه.. لا يُنتقَد من أحد.. وإنني معك في كل ما ذكرت.. إلا من ناحية نوع الفطور.. والأكل.. فأنا أخالفك لأنك تعرف وأنت سيد العارفين المثل القائل: |
كل ما يعجبك.. والبس ما يعجب الناس! |
فصفقنا لعبقريته الفذة واعتبرنا ما قال فلتة من فلتات الذاتية المعبرة لحساب نفسها.. فارتاحت أعصابه وكرّر الطلب لنا على حسابه شاياً.. وبارداً في آن واحد.. ولكنه ما لبث أن تغيرت أحواله كلها حين سألني عما أراه وعما أسير أنا به في حياتي.. قاعدة ثابتة وسلوكاً يومياً.. وحين أجبته أن لي ثلاثية شعرية أقول فيها.. للأسف الشديد: |
وقالوا: |
تشبه في حياتك بالذي |
من الناس قد أحببته الآن أو قبلا |
فقلت: وهل مسخ التشبه كافل |
لشخصي تبديل الذي فيه قد حلا |
بشخصي أصلاً عشت ذاتاً ومظهراً |
وهيهات أرضى أن أعيش به ظلا! |
|
هنالك ساد الصمت.. وتكهرب الجو.. وخرجنا فوراً دون أن نشرب الحار.. من الطلب الجديد أو البارد!! |
* * * |
|