(119)
(1)
|
كنت اليوم محتبياً.. في جلستي.. وأنا أحب ((الحبوة)).. عندما أشتهي القهوة في الصباح وأشربها بقعدتها الخاصة.. ولم يخطر ببالي قط أني أكتب.. على رائحتها.. هذه السطور.. |
وكان يتحدث من حولي.. القوم من أفراد العائلة وبعض الأقارب ممن قضوا الليل في الدار زواراً وضيوفاً كراماً.. اقتضى مبيتهم في الدار لا في منى! أن تضيق المسؤولة الأولى علي في نفقات الفراش.. فبدلاً من وضعها بفراشي ـ كالعادة ـ ثلاث مخدات.. اثنتان تحت الرأس لرفعها خشية الشرقة اللعينة.. والثالثة بين الركبتين وأسفل الفخذين لحفظ التوازن.. اكتفت بجعل نصيبي لليلة الماضية مخدة واحدة.. فقط لا غير زيادة على طريقة تفقيط المبالغ بالسندات وبالشيكات أحياناً! |
وكان حديثهم ينصب بالتوالي عن طيبة قلب فلان وحبه للخير وللمعروف.. بدليل ما فعله مع فلانة وفلان.. تعني نفسها وزوجها.. وكذلك عن دناءة وسفالة وتحجر قلب فلان.. بدليل منعه الرفد والعطاء وعمل الخير مع فلانة وفلان تعني نفسها وأخاها.. |
وإلى هنا.. والأمر طبيعي ودارج بين المتحدثين والمتحدثات باسم الخصوصيات المباحة.. ولكن لم يكد أحدهم يطلق جزافاً.. كالميزاب.. ما في لسانه من زفارة ذات رائحة كريهة على فلان الشهير بعمل الطيبات.. رغم أنه صنع بي ذاتياً ما صنع مالك بالخمر كما يقولون.. وينعته بأقبح النعوت لأنه ذهب إليه في طلب سلفة فرفض رفضاً باتاً إعطاءه إياها! |
أقول.. أطال الله بقاءك ـ لم يكد قريبي يقول ذلك عن الرجل الطيب مع كل الناس.. إلا معي لسوء الحظ.. حتى سارعت بنزع الحبوة.. ونزع الحبوة عند العرب كوضع العمامة سواء بسواء.. والتفت إليه وإليهم.. وإليهن صارخاً في عصبية بالغة بأعلى صوتي.. متسائلاً بأسلوب سقراطي خالد: |
إنني أود أن أسأل سؤالاً هاماً وخطيراً.. بل ويترتب عليه مآل الإنسانية المعذبة من الناحية المصيرية لها جمعاء.. فأعيروني آذانكم الطويلة وأفئدتكم الواعية ـ واسمعوا.. وعوا.. وأجيبوا: |
ترى.. هل الصحيح أن يقاس الإنسان من أخيه الإنسان في ميادين الطيبة.. والخير.. وسمو السلوك البشري.. أو في مواقف القسوة والشر.. وانحدار السلوك إياه.. بما يصل فقط لذلك الإنسان نفسه المتصدي للقياس.. وللحكم على غيره بمقدار ما ناله وصادفه هو خاصة منه؟! |
أم أنه لا بد للحكم على الإنسان من أخيه الإنسان أن يحكم عليه وله بالصفة الغالبة في مجموعها عليه.. أي بغالبية أعمال ومعاملات المحكوم عليه لكل الناس.. بصرف النظر عن نوعيتها الواحدة بالنسبة للمتصدي للحكم بمقدار ما وصله هو وحده منه؟! |
وهنا سكتوا جميعاً.. ووجموا وجوماً سائداً حتى لكأن على رؤوسهم الطير.. الطير الأخضر الناقل دائماً للأخبار السرية، واغتنمت فرصة سكوتهم.. وأعدت الحبوة إلى موضعها.. وأخذت أرشف القهوة في هدوء تام.. وكأنني لم أكن منذ لحظات مصدر تلك الزوبعة الجائحة لهم ولمجلسهم الشبيه بمحكمة أخلاقية تأديبية.. أو بسوق لتسعير ووزن أخلاق إخوانهم في الآدمية بالوطن.. بل وبالعالم كله باعتبار حكمهم الذاتي الضيق تقنيناً دولياً لأخلاق بني البشر.. فالإنسان هو الإنسان في جميع القارات! |
ولكل قارئ أو سامع أن يحكم لهم وعليهم.. أو لي وعلي.. فإني أقرر هنا علانية غير هيَّاب ولا وجِل من أي واحد منهم مهما كان.. إنني دائماً أقيس الإنسان وأحكم عليه.. لا بمقدار ما يصلني أنا وحدي من خيره أو من شره.. وإنما أقيسه وأحكم عليه من مجموع أفعاله كلها مع الناس جميعاً.. فإن غلبت على أعماله العامة في مجموعها الأغلب نزعة الخير فهو طيب وابن حلال: وإن غلبت على أعماله العامة في مجموعها الأغلب نزعة الشر والخسة فهو نذل.. وشرير.. |
وعلى هذا القياس.. أحب للقافلة أن تسير! وما عليكم الآن.. إن اقتنعتم بميزاني.. وإذا أردتم أن تسعروا فلاناً.. أو تزنوا علاناً بموجبه إلا أن تستعرضوا غالبية أفعاله كلها بصرف النظر عما خصكم منها.. حتى يمكن للواحد منكم ـ فيكم ـ وبينكم أن يصيح قائلاً بحق.. |
وبعدل: |
إيش تشهدوا عليه؟!! |
* * * |
|