شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به سعادة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ))
ثم أعطيت الكلمة للمحتفى به سعادة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم..
- الحمد الله الَّذي بنعمته تتم الصالحات، الَّذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله (صلوات الله وسلامه عليه) وعلى صحبه، وعلى من دعا بدعوته، واهتدى بسنَّته، وجاهد جهاده إلى يوم الدين.
- خير ما أحييكم به - أيها الأخوة الأحبة - تحية الإِسلام، وتحية الإِسلام السلام.. فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
- ولا يسعني إلاَّ أن أزجي خالص الشكر وعميقه إلى أخي الكريم وصديقي الحبيب، سعادة الأخ الشيخ: عبد المقصود خوجه، على أن أتاح لي هذا اللقاء الَّذي طالما تشوقت إليه أو شوقني هو إليه، هذه الاثنينية، هذه السنَّة الحميدة المباركة، سنَّة اللقاء على العلم.. والفكر.. والأدب، في عالم لم يعد يلتقي به الناس إلاَّ على موائد البطون، أو على توافه الأفكار، أو الأعمال، وقلما يلتقون على علم نافع أو عمل صالح..؛ فهذه الاثنينية سنَّة حميدة له أجرها وأجر من انتفع بها - إن شاء الله -.
- وأشارك أخي الشيخ عبد المقصود، والأخوة الَّذين تحدثوا عن الأحبة الَّذين فارقونا، ممن كانوا شركاء في هذه الندوة أو ضيوفاً عليها، وخصوصاً الأخ الشيخ عبد العزيز الرفاعي، الَّذي تعرفت عليه ليس في الاثنينيات، ولكن في ندوات خاصة دعانا إليها سعادة الأخ عبد المقصود خوجه، تغمد الله الراحلين - جميعاً - برحمته، وأن يحشرهم مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
- ما سمعته - أيها الأخوة - من مديح وثناء على شخصي الضعيف، من إخوة أحبة نظروا إليَّ بعين الرضا، وإمامنا الشافعي - قديماً - قال:
وعيـن الرضـا عـن كـل عيب كليلـة
كمـا أن عيـن السخـط تبدي المساويا (1)
 
- فهم نظروا إليَّ بعين الرضا من ناحية، ومن ناحية أخرى: إنهم لم يعرفوا مني إلاَّ الظاهر، وهذا الظاهر جمله الله (سبحانه وتعالى) ومن هنا كان فضل الله على الإنسان عظيماً؛ أن يجمل ظاهره للناس ويخفي عنهم حقيقة باطنه، ولهذا كان الصحابة إذا أُثنيَ عليهم في وجوههم، يقول أحدهم: (اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون) وأنا أدعو الله بهذا أن يغفر لي ما لا يعلم الإخوة الأحبة الأفاضل، وكلهم أعلام.. وهذا ما أعتزّ به حقيقة، وأعتبر كل كلمة من هذه الكلمات وساماً على صدري، ونعمة من الله (تبارك وتعالى) يجب أن أقابلها بالشكر، وإن كان هذا لا يخدعني عن نفسي، وابن عطاء الله السكندري في حكمه كلمات جميلة وجليلة يقول فيها:
- من أكرمك فإنما أكرم فيك جميل ستره (عزّ وجلّ) فالفضل لمن أكرمك وسترك، ليس الفضل لمن مدحك وشكرك؛ الناس يمدحونك لما يظنونه فيك، فكن أنت ذاماً لنفسك لما تعلمه منها، العاقل لا يترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس، فأنا أعرف يقين ما عندي وأتمثل - دائما - بقول ذلك الشاعر الصالح، الَّذي مدحه من مدحه وأثنى عليه من أثنى، فقال مناجياً ربه:
يظنون بي خيراً وما بي من خير
ولكنني عبد ظلوم كما تدري
سترت عيوبي كلها عن عيونهم
وألبستني ثوباً جميلاً من الستر
فصاروا يحبُّوني وما أنا بالَّذي
يُحَبُّ ولكن شبهوني بالغير
فلا تفضحني في القيامة بينهم
وكن لـِيَ يـا مولاي في موقـف الحشـر
- فأسأل الله الَّذي سترنا في الدنيا أن يسترنا في الآخرة.
- لأبي العتاهية بعض الأبيات يقول فيها:
أحسن الله بنا
أن الخطايا لا تفوح (2)
فإذا المستور منا
بين جنبيه فضوح (3)
 
- فمن فضل الله أن الخطايا ليس لها رائحـة تفـوح؛ فلذلك نحن نحمد الله على الستر، ونحمد الله على حب أفاضل الناس؛ وهذا الحب أعتبره من أعظم نعم الله (تعالى) والتي لا أستطيع أن أقوم ببعض شكرها، وأقول ما قال ذلك الرجل الصالح:
لك الحمد مولانا على كل نعمة
ومن جملة النعمـاء قولـي: لـك الحمـد
 
- يا أيها الأخوة: سرني في هذه الاثنينية أنها تعنى بتكريم أهل العلم، وأهل الفكر، وأهل الأدب، على اختلاف تخصصاتهم وتنوعاتهم؛ وهذا أمر مهم لسببين، أولا: أن الإِسلاميين - للأسف - أصحاب الاتجاه الإِسلامي أشحاء - للأسف - في تقدير بعضهم لبعض؛ الماركسيون والشيوعيون والعلمانيون وغير الدينيين، يحاول أن يضخم بعضهم بعضاً، يحاول أن يجعل كل واحد منهم صاحبه قمة في العلم أو في الأدب؛ فالشاعر منهم قبل أن يقول القصيدة يقولون عنه: إنه - الآن - في حالة مخاض لقصيدة، قبل أن تأتي القصيدة، وبعد أن تأتي القصيدة يتحدث المتحدثون عنها وتكتب المقالات؛ وكم بيننا في الساحة الإِسلامية من أدباء، وشعراء، وكتَّاب، لا يعرف الناس عنهم شيئاً، لا يتحدث الناس عنهم شيئاً؛ أولئك كما قال القائل:
وبقيت في خَلَفٍ يزيِّنُ بعضُهم
بعضاً، ويدفع معور عن معور
 
هؤلاء المعورون يزين بعضهم بعضاً، وقلما يفعل ذلك الإِسلاميون للأسف؛ لذلك هذه السنَّة الحميدة المعطية للناس بعض حقوقهم، هذا أمر يحمد عليه أخي الحبيب الشيخ عبد المقصود وإخوانه..
- من ناحية أخرى - أيها الإخوة -: هذه الساحة، وهذه الندوة، وهذه الجامعة الشعبية، ترد على اتجاه سلبي هدام، للأسف أرى مظاهره - الآن - تتنوع؛ هناك أناس من أمتنا مولعون بالهدم لا بالبناء، لم يسلم من قلمهم ولا من لسانهم أحد، جرحوا المتقدمين، وجرحوا المتأخرين، وجرحوا المعاصرين، عرضت عليَّ بعض الكتب في هذه الزيارة، والله تقطع قلبي حسرات، وذرفت عيني عبرات لما أرى؛ أليس لنا عمل إلاَّ الهدم؛ ألا نبني لبنة على لبنة؟ رأيت من لم يدع أحداً.. لا النووي، ولا العسقلاني، ولا الجويني، ولا الغزالي، ومن عهد جمال الدين، ومحمد عبده، للقرضاوي، للندوي، للمودودي، لرشيد رضا، لفريد وجدي.. ما ترك أحدٌ أبداً، ما ذكر لأحد حسنة..
- فهذا خطر على دين أمة، ومن هنا كانت مثل هذه الندوات، التي تحاول أن تواجه مثل هذا السيل في الهدم إلى شيء بناء إيجابي، ما قيمة سب الناس وشتمهم؟ النبيّ صلى الله عليه وسلم عندما ركب معه بعض الناس عثرت الدابة، فقال: تعس الشيطان؛ فقال: لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت: تعس الشيطان.. تضخم وانتفخ حتى يصير مثل الجبل؛ ولكنك إذا قلت: بسم الله.. تضاءل وتصاغر حتى صار كأنه ذباب..
- حتى الشيطان، لا تقل: تعس الشيطان؛ وفي حديث آخر قال: لا تسبوا الشيطان، وتعوذوا بالله من شره.
- السب عمل سلبي، فلماذا تنشغل أمتنا بسب العلماء، وبسب الأقدمين والمعاصرين؟ نحن في حاجة إلى أن نبني، ولذلك فإني - الحقيقة - سعيد بهذا اللقاء، بهذه النخبة الطيبة التي اجتمعت في هذه الأمسية الكريمة، وأسأل الله (سبحانه وتعالى) أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً على طاعة الله (سبحانه وتعالى) وأن يجعل هذه الليلة في ميزان حسنات الجميع، ميزان درجاتهم وقبولهم عند الله (عزّ وجلّ) وأكتفي بهذا القدر، لأتيح الفرصة للأسئلة والحوار، عسى أن يكون من وراء ذلك بعض النفع..، شكر الله لكم وجزاكم خيراً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1084  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 9 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.