شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 56 ـ (1)
ومن أشيع العادات الموروثة لعدم قيام الحكومة المستتبة ذات السلطان والدين القويم تتولى بهما تنظيم القصاص العادل ما كان شائعاً في الجاهلية منتشراً بين العرب يعايرون من لم يتصف بها.. ومن لم ينهض لأداء واجبها الدموي المقدس المفروض.. ألا وهي عادة الأخذ بالثأر من القاتل لأب أو أخ أو جد أو من إليهم.
ولا تزال في بعض الأرياف والبدو بقية من رواسبها المنتهية حتماً للزوال الكلي.. والحكاية اليوم للأسف أنموذج واحد منها وصاحبها هو قيس بن الخطيم بن عدي وكان من صفاته البدنية أنه مقرون الحاجبين أدعج العينين برّاق الثنايا.. وتقول:
كان من حديث قيس بن الخطيم من يثرب أن جده عدي بن عمر قتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة يقال له مالك.. كما قتل أباه الخطيم بن عدي رجل من عبد القيس ممن يسكن هجر.. كان قيس صبياً صغيراً يوم قتل أبوه.. كما أن أباه الخطيم كان قد قتل قبل أن يثأر لأبيه عدي.. فخشيت أم قيس على ابنها أن يخرج فيطلب بثأر أبيه وجده.. فيهلك.. فعمدت إلى كومة من تراب عند باب دارهم فوضعت عليها أحجاراً جعلت تقول لقيس.. هذا قبر أبيك وجدك معاً.. فكان قيس لا يشك أن ذلك.. على ذلك..
ونشأ قيس أيداً شديد الساعدين.. فنازع يوماً فتى من فتيان بني ظفر فقال له ذلك الفتى والله لو جعلت شدة ساعديك على قاتل أبيك وجدك لكان خيراً لك من أن تخرجها علي.. فقال ومن قاتل أبي وجدي.. قال: سل أمك تخبرك.. فأخذ السيف ووضع قائمة على الأرض وذبابة بين ثدييه وقال لأمه.. أخبريني من قتل أبي وجدي؟ قالت ماتا كما يموت الناس وهذا قبرهما بالفناء.. فقال: والله لتخبرينني عمن قتلهما أو لأتحاملن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري.. فقالت: أما جدك فقتله رجل من بني عمرو ابن عامر بن ربيعة يقال له مالك. وأما أبوك فقتله رجل من عبد القيس ممن يسكن هجر.. إن مالكاً قاتل جدك من قوم خدش ابن زهير ولأبيك عند خداش نعمة هو شاكر لها.. فأته فاستشره في أمرك واستعنه يُعِنْك..
فخرج قيس من شقه حتى أتى بعيره وهو يسقي فضرب الحبل بالسيف فقطعه فسقطت الدلو في البئر وأخذ برأس البعير فحمل عليه غرارتين من تمر وقال: من يكفيني أمر هذه العجوز.. يعني أمه.. فإن أناحت ينفق عليها من هذا الحائط.. البستان.. حتى تموت ثم هو له.. وإن أنا عشت فما لي عائد إلي وله منه ما شاء أن يأكل من تمره.. فقال رجل من قومه أنا له.. فأعطاه الحائط..
ثم سافر يسأل عن خداش بن زهير حتى دلّ عليه بمر الظهران.. وادي فاطمة.. فصار إلى ضبائه فلم يجده فنزل تحت شجرة يكون تحتها أضيافه ثم نادى امرأة خداش هل من طعام؟ فقالت والله ما عندنا من نزل نرضاه لك إلا تمراً.. فقال لا أبالي.. فأرسلت إليه بقباع فيه تمر فأخذ منه تمرة فأكل شقتها ورد شقها الباقي ثم ذهب لبعض حاجاته.. ورجع خداش فأخبرته امرأته خبر قيس فقال هذا رجل له عندنا حرمة وذمة وأقبل قيس راجعاً فلما رأى خداش رجله وهو على بعيره قال لامرأته هذا ضيفك؟ قالت نعم.. قال كان قدمه قدم الخطيم صديقي اليثربي فلما دنا منه وقرع طنب البيت بسنان رمحه واستأذن.. فأذن له خداش فدخل إليه فنسبه فانتسب وأخبره بالذي جاء له وذكر نعمة أبيه عنده.. فقال إن هذا الأمر كنت أتوقعه منك منذ حين.. فأما قاتل جدك فهو ابن عم لي وأنا أعينك عليه. فإذا اجتمعنا في نادينا جلست إلى جانبه وتحدثت معه فإذا ضربت فخذه فثب إليه فاقتله.
قال قيس.. فأقبلت معه نحوه حتى قمت على رأسه لما جالسه خداش. فحين ضرب فخذه ضربت رأسه بسيف يقال له ((ذو الخرصين)) فثار إلى القوم ليقتلوني فحال خداش بينهم وبيني وقال: دعوه والله ما قتل إلا قاتل جده..
ثم دعا خداش بجمل من إبله فركبه وانطلق مع قيس إلى العبدي الذي قتل أباه.. حتى إذا كان قريباً من هجر.. أشار عليه خداش أن ينطلق حتى يسأل عن قاتل أبيه فإذا دلّ عليه قال له إن لصاً من لصوص قومك عارضني فأخذ متاعاً لي.. فسألت من سيد قومه هنا فدلوني عليك فانطلق معي حتى نأخذ متاعي منه فإن اتبعك وحده فستنال ما تريد منه وإن خرج معه غيره فاضحك.. فإن سألك مم ضحكت فقل: إن الشريف عندنا لا يصنع كما صنعت.. إذا دعي إلى اللص من قومه إنما يخرج وحده بسوطه دون سيفه، فإذا رآه اللص أعطى كل شيء أخذه هيبة له. فإن أمر أصحابه بالرجوع فسبيل ذلك.. وإن أبى إلا أن يمضوا معه فأتني به..
ففعل قيس ما أشار به خداش حتى إذا انفرد بالعبدي طعنه قيس صاحب الثأر فقتله ثم اتخذا مأوى إلى أن كف الطلب عنهما فعادا سوية.. ثم اتخذ كل منهما سبيله إلى أهله..
وفي موضوع الحكاية يقول قيس:
تذكر ليلى.. حسنها وصفاءها
وبانت.. فما أن يستطيع لقاءها
ومثلك قد أصيبت لست بكنة
ولا جارة أفضت إلي ضيائها
ثأرت عدياً والخطيم.. فلم أضع
ولاية أشياخ جعلت إزاءها
ضربت بذي النرجين ربقة مالك
فأبت بنفسي قد أصبت شفاءها
وسامحني فيها ابن عمر بن عامر
خداش.. فأدى نعمة وأفاءها
طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر
لها نفذ لولا الشعاع أضاءها
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها
يرى قائم من دونها ما وراءها
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :997  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 109 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.