ـ 55 ـ
(1)
|
والحكاية اليوم تمس شاعرة شهيرة.. وزوجاً غيوراً.. وذكر محب لها معروف. وطارق ليل ذي نخوة وشجاعة.. وبطلتها الأولى ليلى الأخيلية.. وهي ليلى بنت عبد الله بن الرحال الأخيل من النساء المتقدمات في الشعر من شعراء الإسلام.. وكان توبة بن الحمير وهو شاعر أيضاً.. يتعشقها.. فخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه إياها حسب عادة العرب بمن يشهر ببناتهم في شعره. وزوجها لرجل من بني الأدلع.. |
وكان توبة إذا أتى ليلى الأخيلية خرجت إليه في برقع.. فلما شهر أمره شكوه إلى السلطان فأباحهم دمه إن أتاهم.. فكمنوا في الموضع الذي كان يلقاها فيه.. فلما علمت به خرجت سافرة حتى جلست في طريقه.. فما إن رآها سافرة حتى فطن لما أرادت وعلم أنه قد رصد.. وأنها بسفورها إنما تحذره.. فركض فرسه فنجا.. وذلك قوله من قصيدة له: |
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت |
فقد رابني منها.. الغداة.. سفورها |
|
وقيل عنهما: إن الحجاج قال لليلى الأخيلية.. إن شبابك قد ذهب واضمحل أمرك وأمر توبة.. فأقسم عليك ألا صدقتني.. هل كانت بينكما ريبة قط أو خاطبك في ذلك.. فقالت: لا والله أيها الأمير.. إلا أنه قال لي ليلة وقد خلونا كلمة ظننت أنه قد خضع فيها لبعض الأمر.. فقلت له: |
وذي حاجة قلنا له.. لا تبح بها |
فليس إليها.. ما حييت.. سبيل |
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه |
وأنت لأخرى صاحب.. وخليل |
|
فلا والله ما سمعت منه ريبة بعدها.. حتى فرق بيننا الموت بموته.. فقال لها الحجاج.. فما كان منه بعد ذلك؟ قالت وجه صاحباً له إلى حاضرنا فقال: إذا أتيت الحاضر من بني عباءة بن عقيل فاعل شرفاً ثم أهتف بهذا البيت: |
عفا اللَّه عنها.. هل أبيتن ليلة |
من الدهر.. لا يسري إلي خيالها |
|
فلما فعل الرجل ذلك عرفت المعنى.. فقلت له: |
وعنه عفا ربي وأحسن حفظه |
عزيز علينا حاجة.. لا ينالها |
|
والحكاية بالإضافة لما سلف تخص زوجة لرجل لزوجته مما نستقبحه كلية هذا البيت. |
اعتاد ضربها.. وترفرف بالذاكرة بمناسبة ضرب الرجل: |
رأيت رجالاً يضربون نساءهم |
فشلت يميني يوم أضرب زينبا |
|
وهي في هذا المسار تقول: |
خرج رجل من بني كلاب ثم من بني الصحمة يبتغي إبلاله حتى أوحش وأرمل ثم أمسى بأرض فنظر إلى بيت بوادي.. فأقبل حتى نزل حيث ينزل الضيف.. فأبصر أمراء وصبياناً يدورون بالخباء فلم يكلمه أحد.. فلما كان بعد هدأة من الليل سمع جرجرة إبل رائعة.. وسمع فيها صوت رجل حتى جاء بها.. فأناخها على البيت.. ثم تقدم فسمع الرجل يناجي المرأة ويقول.. ما هذا السواد هناك؟.. قالت راكب أناخ بنا حين غابت الشمس ولم أكلمه.. فقال لها.. كذبت.. ما هو إلا بعض خلانك.. ونهض يضربها.. وهي تناشده.. |
قال الرجل الصحمي.. فسمعته يقول: والله لا أترك ضربك حتى يأتي ضيفك هذا فيغيثك.. فلما عيل صبرها قالت: يا صاحب البعير.. يا رجل! فأخذ الصحمي هراوته ثم أقبل يعدو حتى أتاها وزوجها يضربها.. فضربه ثلاث ضربات أو أربعاً.. ثم أدركته المرأة.. فقالت: يا عبد الله مالك.. ولنا.. نج نفسك! |
فانصرف.. فجلس على راحلته وأدلج ليلته كلها وقد ظن أنه قتل الرجل وهو لا يدري من الحي.. ولا من الرجل.. حتى أصبح في أخبية من الناس ورأى غنماً فيها أم مولدة فسألها عن أشياء حتى بلغ به الذكر.. فقال: أخبريني عن أناس وجدتهم بشعب كذا.. فضحكت وقالت.. إنك لتسألني عن شيء وأنت به عالم.. قالت.. ذاك خباء ليلى الأخيلية وهي أحسن الناس وجهاً وزوجها رجل غيور فهو يغرب بها عن الناس فلا يحل بها معهم.. والله ما يقربها أحد ولا يضيفها.. فكيف نزلت أنت بها؟ قال: إنما مررت فنظرت إلى الخباء ولم أقربه.. وكتمها الأمر.. |
وتحدث الناس بعد ذلك عن رجل نزل بها فضربها زوجها.. فضربه الرجل ولم يعرف من هو؟ فلما أخبر أخونا الصحمي هذا باسم المرأة وأقر على نفسه تغنى بشعر دلّ فيه على نفسه فقال: |
ألا يا ليلى أخت بني عقيل |
أنا الصحمي.. إن لم تعرفيني |
دعتني دعوة.. فحجزت عنها |
بصكات رفعت بها يميني |
فإن تك غيرة أبوئك منها |
وإن تك قد جننت.. فذا جنوني |
* * * |
|
|