شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الأول الدكتور مصطفى معمر ))
ثم أعطيت الكلمة للدكتور مصطفى معمر - ليلقي الضوء على مشروعه العلمي - فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم..
- والحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله.
- الحقيقة: أود أتوجه بالشكر لسعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه على لفتته الكريمة كالمعتاد؛ وأتوجه بالشكر للزملاء والأخوة الَّذين غبطونا بكلماتهم؛ وسأحاول الخروج عن إطار الفصول الدراسية بقدر الإمكان؛ لأنني - في الحقيقة - مللت هذا الأسلوب، وأرغب أن تكون هذه الأمسية نوعاً من الترفيه والتثقيف معاً، لذلك سنضطر إلى تخفيض الإضاءة لكي نستمتع مع بعض بعرض الشرائح التي سأقوم بعرضها.
- في البداية كانت توجد بعض المشاكل البيئية، التي ألقى سعادة الدكتور زهير نواب الضوء على بعض منها، ثم ازدادت شدة تفاقم هذه المشاكل البيئية، حتى رأى كثير من العلماء في العالم ضرورة المحافظة على البيئة، وأخذ المبادرة بأن يكون هناك شبه اتحاد دولي للدعوة للمحافظة على البيئة، يكون نوعاً ما بعيداً عن نطاق النهج المعروف؛ وهدفنا لفت انتباه أبناء هذه الكرة الأرضية – بصفة عامة من مشرقها إلى مغربها ومن شمالها إلى جنوبها – إلى أهمية المحافظة على البيئة.
- واختيرت قارة أنتاكتيكا لكونها القارة المحايدة بمعنى الكلمة، حيث لا تنتمي لا سياسياً ولا جغرافياً إلى أي دولة أو إلى أي نظام، بل كانت ملتقى لهؤلاء العلماء، ومنها تبدأ دعوتهم بأهمية المحافظة على البيئة، للفت انتباه الأطفال في العالم، والشباب والبالغين بصفة عامة، لذلك اختيرت قارة أنتاكتيكا عام 1989م، انطلاقاً لهذه البعثة؛ وذلك لأن نهاية عام 1989 تكمل مضي 30 سنة على توقيع اتفاقية حياد قارة أنتاكتيكا، ورغبة من العلماء في أن تجدد هذه الاتفاقية، والإصرار على أن يبقى في هذه الكرة الأرضية منطقة واحدة على الأقل، ننظر إليها كعلماء على أنها منطقة لا تزال بكراً.
- فمن هنا جاء اختيار هذا التاريخ؛ أيضاً وبالفعل مع نهاية البعثة، عرفنا أن الإتفاقية الدولية جددت لمدة خمسين سنة قادمة، وكان ذلك بإصرار شعوب العالم التي تعاطفت مع المستشكفين والعلماء، الَّذين جابوا قارة أنتاكتيكا في هذه الرحلة؛ الفريق الدولي قسم بصفة عامة إلى قسمين: قسم كانت وظيفته الأساسية أن يجتاز قارة أنتاكتيكا من أحد أطرافها، من الطرف المتاخم لأمريكا الجنوبية إلى الطرف الآخر المتاخم لأستراليا؛ وفريق علمي آخر مهمته الالتفاف حول أنتاكتيكا، لجمع الدراسات ذات العلاقة بالبيئة البحرية، حتى يكون هناك تنسيق بين الدراستين اللتين أجريتا على اليابسة وعلى البحر، وكنت بصحبة الدكتور إبراهيم عالم في الفريق الَّذي جاب القارة؛ والتقينا - في نفس الوقت - مع بقية الزملاء في قلب القارة، وسوف نتكلم عن هذا في حينه.
- السفينة التي استخدمت لاجتياز القارة القطبية، عبارة عن سفينة شراعية مصممة من الألومنيوم، الجزء الغاطس ضحل جداً جداً، وتصميمها يشبه الشكل البيضاوي، أي نصف بيضة؛ ولهذا التصميم هدف هو أنه إذا انحبست السفينة - أي وصلنا إلى منطقة وقفل عليها الثلج من جميع النواحي - يعطي هذا التصميم لها فرصة أن تنزلق إلى أعلى بسبب وزنها الثقيل؛ فهي ترجع مرةً أخرى وتهشم الجليد، وتأخذ مسارها، فهي سفينة أبحاث بمعنى الكلمة، نقوم بإجراء التحورات والتعديلات، وإدخال بعض التجهيزات لتتلاءم مع أغراض علوم البحار، وهذا الشيء أول ما بدأنا به قبل انطلاقنا في الرحلة.
- الرحلة بدأت من أمريكا الجنوبية شيلي "بونتونس" ومررنا خلال هذه الرحلة بمضائق ماجلان المشهورة، ومنطقة بتاجونيا - وهي بصفة عامة - شيء جميل جداً جداً، حيث ترى فيها الطبيعة على وجهين نقيضين، حيث تجد في بعض المناطق الشواطئ تغطيها الخضرة، في حين تجد على الشاطئ الآخر الأنهار الجليدية أو الزلاجات؛ وفي بعض المناطق توجد شبه بحيرات، بسبب ارتفاع مستوى سطح الأرض على سطح الماء، والمد والجزر في المنطقة يعتبر بمستويات وليس كما نراه هنا في حدود المتر ونصف المتر..، فالثلاجات والأنهار الجليدية شيء شائع جداً نراه هناك.
 
- بعد خروجنا من مضائق ماجلان ومنطقة بتاجونيا - في أقصى الطرف من أمريكا الجنوبية - وصلنا ما يسمى برأس القرن، وقد أبت المدينة هناك إلاَّ أن تودعنا وداعاً حاراً، بحيث اجتمع جميع سكانها لوداعنا قبل أن ندخل إلى رأس القرن، وكان مجموع السكان ثلاثة أشخاص فقط؛ ثم خرجنا من منطقة رأس القرن، وفي اتجاهنا إلى القارة القطبية الجنوبية عن طريق ممر الدريك، وهو من الممرات البحرية والملاحة فيه خطرة، حيث تهب عليه عواصف وتيارات بحرية، وترتفع به الأمواج البحرية علواً مخيفاً..، غير أننا - ولله الحمد - اجتزنا الممر بدون أي عقبات.
- المنطقة جميلة جداً جداً، وهي منطقة يتميز فيها الليل والنهار نوعاً ما، ونستطيع فيها رؤية تأثير انخفاض السحب في هذه المنطقة، حيث أن هذه المنطقة متطرفة جداً، والضغط منخفض فيها جداً، فالسحب والغيوم تكون قريبة من سطح البحر بدرجة كبيرة.
- الشيء الَّذي يلفت الانتباه أن قمم الجبال لا يوجد عليها جليد، وهو أمر غير مألوف في المناطق التي نعرفها، وهو أمر يثير التساؤل؛ فكيف تكون منطقة جليدية هي بالفعل من أشد المناطق جفافاً في العالم، ويمكن أنها أكثر جفافاً من الصحراء التي نعيش فيها هنا ومع ذلك لا يوجد على قممها جليد؟ لذلك فإن الجليد الَّذي ينزل يكون سائباً جداً، فأقل نسمة هواء تؤدي إلى تذريته، وبفعل الجاذبية يترسب ويتراكم في المناطق المنخفظة، ويبدأ النمو إلى أعلى، أي يتراكم من تحت إلى أعلى؛ مثل هذه المناظر تغري إخواننا الأدباء والشعراء، بأن يُطلقوا أعنة خيالهم لوصفها، لأنهم كثيرو العشق للمناظر هذه.
- المنطقة القطبية الجنوبية هامة جداً للكرة الأرضية، بسبب وجودها الجغرافي ولها - بالفعل - ظروف بيئية قاسية جداً جداً، فدرجة حرارتها منخفضة، والواحد لا يطيق أن يعيش فيها ويتذمر مثل تذمر أي شخص يزور منطقة في خط الاستواء، نتيجة ارتفاع درجة الحرارة؛ لكن الشيء هذا لا بد منه، إذ يجب أن يكون هناك منطقة ساخنة جداً جداً ومنطقة باردة جداً جداً، وهذا إبداع الخالق (عزَّ وجلَّ) حتى يوفر لهذه الأرض الميكنة الدائمة لتحريك وتقليب الهواء ولتحريك وتقليب الماء، ولولا وجود هذا التطرف في المنطقة الاستوائية وفي المنطقة القطبية، فلن يكون هناك أي حياة على الأرض.
- فسبحان الخالق وفي طرق القارة القطبية نقدر نميز الشروق والغروب وإن كان الشروق والغروب سويعات؛ وفي البحر أو المحيط بالقارة القطبية الجنوبية تكثر الكتل الجليدية والجبال الجليدية التي تتكون نتيجة انفصالها؛ والدورة المائية في منطقتنا تتم عن طريق تبخر الماء، ويسقط مرةً أخرى على شكل أمطار؛ فإذا سقط أو ترسبت هذه المياه المتبخرة في مناطق باردة ومتجمدة، فهي تسقط على شكل جليد؛ والجليد مصيره يوماً ما أن ينفصل عن المنطقة التي يتراكم فيها؛ خاصة حين تبدأ درجة الحرارة ترتفع نسبياً، حتى يعود مرةً أخرى إلى البحر ويذوب، ويأخذ دورته مرةً أخرى؛ وتكتمل الدورة المائية بهذه الطريقة.
- تنفصل الجبال الجليدية على شكل مسطحات مستوية، وحين تجري الكتل الجليدية بواسطة التيارات المائية إلى مناطق دافئة نسبياً، تبدأ عوامل التعرية عليها، وهي – هنا – درجات الحرارة والرياح، وتؤدي إلى صهرها شيئاً فشيئاً، وخلال عملية الصهر فإنها تتشكل وتأخذ أشكالاً جمالية جداً؛ ويظهر تأثير التيارات المائية في عملية حفر الكهوف، عن طريق لطم الأمواج للكتلة الجليدية في اتجاه واحد، مما يؤدي - في النهاية - إلى فتح قناة؛ وفي نفس الوقت فإن اتجاه الرياح الدافئة - نوعاً ما - يؤدي إلى عملية إذابة الجليد شيئاً فشيئاً، ويأخذ شكلاً جمالياً؛ وتستمر العملية إلى أن يعود الجليد كما كان مرةً أخرى ماء.
- وتتم عملية انغلاق الكتل الجليدية عن القارة الأم، بسبب ما يسمى بزحزحة الصفائح الأرضية أو تحرك الصفائح الأرضية، وهو شيء موجود في المنطقة القطبية؛ حيث أن القشرة الأرضية - بصفة عامة - غير مستقرة وفي حركة مستمرة، وتنقسم إلى مسطحات، والمسطحات هذه تنقسم إلى مسطحات أصغر فأصغر، وهكذا..، وبسبب تحرك هذه المسطحات في اتجاهات وبسرعة مختلفة عن بعضها البعض، يؤدي إلى انغلاقها؛ فالجليد المتراكم على قارة أنتاكتيكا مصيره في النهاية إلى أن ينفصل عن القارة، ويعود مرة أخرى إلى حالته الأولى؛ وجريان الأنهار الجليلة - أو الثلاجات - ما هي إلاَّ إحدى الطرق لإفراغ الجليد، الَّذي ترسب على القارة إلى البحر مرةً أخرى.
- والقياسات البحرية التي قمنا بها في هذه المنطقة، كانت عبارة عن 13 معلومة مختلفة من كيميائية وفيزيائية، باستخدام جهاز له القدرة على أن يرسل معلومات مستمرة، من سطح البحر إلى عمق 2500 متر، وترسل المعلومات عن طريق العصب الإلكتروني، وتخزن في الكمبيوتر "الحاسوب"؛ في نفس الوقت زوِّد هذا الجهاز بزجاجات خاصة لجميع العينات المائية، لغرض التحليل الكيميائي لإجراء الدراسات.
- لم ننعم في كل الأوقات ونسعد ببحر هادئ، بل إننا حينما دخلنا إلى المنطقة القطبية واجهنا المسطحات الجليدية الناتجة من تجمد سطح البحر، وحيث إن السفينة مصممة بطريقة، تمكنها من المرور في المسطحات المتجمدة الخفيفة، فنقدر نسميها هنا: كاسحة جليد؛ وهي - بالفعل - ليست كاسحة جليد، لكنها استخدمت ككاسحة جليد، فأي شيء سمكه 30 سم أو 50 سم كان بإمكاننا أننا نتجاوزه.
- كانت المنطقة على مد البصر مغطاة بالجليد، وليس هناك أي ممر مائي، فلزمنا أن نصنع لأنفسنا ممراً مائياً؛ وفي هذه الحالة تستخدم محركات السفينة لتعطي قوة دفع السفينة، معتمدين على الأشرعة والرياح كطاقة لتسييرها، لكن في المناطق التي يوجد بها جليد فإن السفينة كانت مزودة بمحرك ذي قوة دفع 350 حصان، بحيث يعطي لها قوة دفع، لتنزلق فوق الكتلة الجليدية مع وزنها الثقيل، وتبدأ تهشمه وتفتح لنفسها طريقاً.
- وبعد اجتياز وتهشم الجليد، نفتح لأنفسنا طريقاً للعبور، من خلال هذا الجليد.
- الكتلة القطبية الجنوبية؛ قارة بالفطرة لا يوجد فيها حياة إلاَّ على شواطئها أو أطرافها؛ فالمنطقة المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية الشاطئية والبحرية، فيها زخوم كبيرة جداً من الكائنات الحية، لكن إذا توغلنا إلى الداخل فلا حياة إطلاقاً، وحين نتكلم عن قارة أنتاكتيكا على طول، يخطر في بالنا طائر البطريق، وهناك نوعان من طيور البطريق، أحدهما يسمى: "أدلي" والثاني "جنتو"، كما أن هناك بطريقاً يطلق عليه نطاط الصخور.
- المنطقة القطبية المتجمدة الجنوبية، تختلف عن لفظ القارة القطبية المتجمدة الجنوبية، فحين نقول القارة القطبية المتجمدة الجنوبية، فنحن نعني بذلك قارة أنتاكتيكا.. القارة الأم؛ لكن حين نقول المنطقة القطبية المتجمدة الجنوبية، فهذا كل ما هو داخل منطقة الحيد القطبي؛ منطقة الحيد القطبي تفصل المحيط المتجمد الجنوبي عن بقية المحيطات الأخرى التي تحيط به، ويوجد في داخل هذه المنطقة قارة أنتاكتيكا التي هي القارة القطبية، وبعض الجزر الأخرى والمتطرفة منها في حدود، نعني بالمتطرفة شمالاً أي التي تكون متاخمة لمنطقة الحيد بذاتها، وتكون درجة الحرارة فيها أدفأ مما هي عليه في العمق، ودرجة الحرارة هذه تساعد على نمو بعض الحشائش.
- وتوجد أنواع أخرى من البطريق؛ منها: البطريق الملكي، وما يسمى بالبطريق المكروني؛ وطيور البطريق يطلق عليها لفظ طيور، لكنها لا تطير فجسمها ثقيل جداً وكبير مقارنة بحجم جناحها، إلاَّ أن الله (سبحانه وتعالى) عوضها عن مقدرة الطيران بمقدرة السباحة، ويساعدها في ذلك أرجلها التي تشبه أرجل الطيور البحرية، وتقوم الأجنحة بعملية التجديف، فالبطاريق تجيد السباحة، وبعض منها يغوص إلى أعماق تصل إلى 100 متر، وبعض منها يسبح مسافة 60 و80 كلم حتى يجد غذاءه.
- والبطاريق بصفة عامة يمكن أن نقسمها إلى قسمين رئيسين، القسم الأول: الطيور الصغيرة الحجم والمتوسطة الحجم، والقسم الثاني: الطيور الكبيرة، والبطريق الملكي من الطيور الكبيرة الحجم، بينما جنتو وأدلي ومكروني، فهذه من صغيرة الحجم، وتضع بيضتين، وتستمرُّ حضانة البيضة لمدة خمسة أسابيع تقريباً، حيث يفقس فرخين صغيرين، وفي خلال عشرة أسابيع يتناوب الأبوان - الذكر والأنثى - على تغذيتهما عن طريق الغذاء الَّذي يصطادانه من البحر، إلى أن يكبرا؛ وفي خلال هذه المدة يبدأ البطريق الصغير – أو الفرخ الصغير – بتغيير ريشه، وريشه في هذه الحالة عبارة عن زغب أو وبر مثل وبر الصوف، حتى يقيه درجة الحرارة المنخفضة؛ ويتغير هذا الوبر ليتكون بدلاً عنه.. ريش الطائر البالغ، ويتخلله - في نفس الوقت - بعض الوبر - أيضاً - لمساعدته على الوقاية من درجة الحرارة المنخفضة، هذا بالإضافة إلى كمية الدهن التي توجد تحت طبقة الجلد، طيور البطريق لها عشق كبير جداً للجليد، والله (سبحانه وتعالى) خلقها عارية لتتحمل درجة الحرارة.
- لقد حملنا في رحلتنا ملابس صنعت خصيصاً للبعثة، مزودة بلدائن راقية في التكنولوجيا، ومع هذا - ورغم ما لبسناه من ملابس صوفية - فإننا ظللنا نرتعد من البرد؛ في حين أن هذا الطائر يستمتع فوق الجليد؛ أما الطيور التي تعيش في الجزر المتطرفة والدافئة - نوعاً ما - فهي تحب أو تفضل أن تصنع عشاشها في مناطق خاصة، فبطريق نطاط الصخور ينط أعلى الصخور وأعلى الجبال، حتى يصنع أعشاشه في مناطق بعيدة؛ أما طيور البطريق الملكي، فطائر يعتبر كبير الحجم بالنسبة للبطاريق السابقة، والبطريق الملكي كبقية البطاريق أحادي الزواج، فلا يعرف عنها تعدد الزوجات..، وفي خلال فترة الزواج يكون هناك غزل طويل بين الذكر والأنثى، وتصدر عنها أصوات وترانيم تشبه هديل الحمام أو هديل القمارى، وعادة ما تضع البطاريق بيضها فوق عشاش حتى يحتضنه الذكر 6 أسابيع تقريباً.
- والمجموعة الثانية من البيئة الفطرية في هذه المنطقة الفقمة، والفقمة يمكن أن تقسمها إلى قسمين رئيسين، أحدهما: فقمة حقيقية زعنفية الأرجل، وسميت بزعنفية الأرجل لأن لها القدرة أن تستخدم الزعانف كأطراف وتقف عليها، ويقال لها فقمة فرائية؛ وهناك نوع آخر من الفقمة يقال فيل القطب الجنوبي، وسمي كذلك لأن أنفه يشبه خرطوم الفيل. والفقمة الفُرائية سميت بفقمة فرائية، لوجود الفرو الجميل، ولذلك كانت مستهدفة من قبل الإنسان في القرن التاسع عشر، وأبيدت منها مئات الألوف لغرض التجارة بجلودها وفروها.
 
- وإذا كانت البطاريق لا تميل إلى تعدد الزوجات، فإن فيل القطب الجنوبي البالغ يضم حواليه ما يقارب من 30 أنثى، وفي فترة الثبات تغير الطبقة الخارجية من الجلد، وفي فترة التزاوج تشب معارك كبيرة جداً بين الذكور البالغة، ويحاول كل ذكر أن يستحوذ على أكبر عدد ممكن من الإناث، وطرد الذكور الضعاف من المنطقة.
 
- منطقة انتشار الفقمة واسعة فهي من أطراف القارة القطبية إلى خارج الدائرة القطبية؛ بينما البطاريق لا توجد إلاَّ في نصف الكرة الجنوبي فقط، ولا يوجد بطاريق بالفطرة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، إضافةً إلى ذلك فإن بطاريق الفقمة من الثدييات، وفارق الحجم بين الأنثى والذكر كبير جداً، فالذكر يساوي ثلاث إناث مع صغارها.
 
- هناك نوع آخر من الفقمة يسمى بالفقمة النمرية، وهذه من أشرس أنواع الفقمة في المنطقة؛ والفقمة النمرية تحب باستمرار أن تسترخي فوق المسطحات الجليدية، وتقوم باقتناص الفرص للهجوم والانقضاض على البطاريق التي تنزل إلى الماء لتتغذى عليها.
 
- في الحقيقة: الإنسان رغم بعد هذه المنطقة وعدم مناسبتها للتعايش فيها، إلاَّ أنه استطاع أن يصل إليها، ولكن - للأسف الشديد - فإن بعض الفئات التي وصلت إليها عجلت على تدمير المنطقة - ولا سيما في أواخر القرن الثامن عشر، والقرن التاسع عشر - والقضاء على بطاريقها، لاستخلاص الزيت منها؛ وكذلك الحيتان لم تسلم في تلك المنطقة، من عبث الإنسان، ووجدنا منطقة تعتبر مقبرة للحيتان، وهي ليست مقبرة طبيعية، ولكن نتيجة استغلالها من قبل الإنسان.
- من الطيور الأخرى الجميلة في المنطقة، طائر الكرمورون ذو العيون الزرقاء، هذه أحد الطيور البالغة وتتغذى فراخها بإدخال رؤوسها بأكمله إلى أجواف حواصل أحد الأبوين، لالتقاط الغذاء الَّذي تم تخزينه من البحر.
- ومن الطيور الجميلة - كذلك - طائر النورس؛ كما استمتعنا بمشاهدة الحوت القاتل في المنطقة، وهذا الحوت سمي بالحوت القاتل، لأنه يهاجم فيل القطب الجنوبي، الَّذي يصل وزنه إلى 4 أطنان، بينما الحوت القاتل يصل وزنه إلى 8 أطنان، وبسهولة يتغلب عليه ويلتهمه.
- أما طائر النورس، فمن الطيور التي تشتهر بأجنحتها الكبيرة، وتزور المنطقة لفرصة التزاوج وتربية الفراخ.
- بالنسبة للغطاء الخضري في القارة؛ فهناك ما يسمى بالأشن، والأشن عبارة عن مزيج من الطحالب والفطريات؛ والأعشاب التي تسمح فيها درجة الحرارة بنموها في داخل منطقة الجليد، وهي عبارة عن أعشاب دنيئة جداً، ما هي أعشاب متطورة، ولا تعتبر من النباتات الحقيقية.
- إن داخل القارة صحراء، فأينما تذهب تجد مسطحاً لا نهاية له، ويمكنك أن تتصور أنك واقف على منطقة؛ سمك الجليد فيها – تقريباً – 4 آلاف إلى 4500 متر، أي أنك واقف فوق قالب من الثلج سمكه 4500 متر؛ وهذه الصحراء - في الحقيقة - لا تختلف كلياً عن الصحراء المألوفة لنا في منطقتنا، كصحراء النفوذ أو صحراء الدهناء.
 
- ولاجتياز المنطقة، تم استخدام الزحافات الجليدية، تحمل المؤن ومعدات التخييم، وبالنسبة للمستكشفين استخدمت زحافات الأرجل والزحافات الجليدية، تجرها كلاب الهسكي المشهورة، ولا تزال هذه وسيلة الانتقال في المنطقة القطبية الشمالية في منطقة آلاسكا؛ في داخل القارة من منطقة خط عرض 80 جنوباً، لم أكن أتخيل أن هناك صخوراً أو جبالاً عادية لا يغطيها الجليد، غير أننا فوجئنا بوجودها ويرجع ذلك إلى أن هذه الكتلة الصخرية انتقلت من موقعها بعيداً عن الجبل الأصلي، بواسطة زحف الأنهار الجليدية أو الثلاجات، وربما تكوّن محاليل حمضية تساعد على عملية التعرية والتفتت في الصخور، لكن نتيجة لدرجة الحرارة المتفاوتة بين الشتاء والصيف يكون هناك تمدد وانكماش، وتنفجر الصخور نتيجة هذا العمل، ونتيجة انفجارها تكون حادة؛ وبالطريقة هذه تتم التعرية في القارة القطبية الجنوبية.
 
- مما كنا نخشاه عند اجتياز هذه المنطقة وجود ما يسمى: بالأخاديد؛ والأخاديد هي عملية انفصال الكتل الجليدية عن بعضها البعض؛ كذلك نخاف تجمد الأطراف، وهذه حقيقة من الحاجات التي يجب أن ينتبه إليها الإنسان، حتى لا يتعرض لخطرها في المنطقة المتجمدة بصفة عامة.
- وعملية التجمد كيف تتم؟ طالما تشعر بالبرد فأنت بخير وليس هنالك مشكلة، ولكن في الوقت الَّذي لا تشعر فيه بالبرد، فمعناه أن هناك مشكلة حاصلة، لأن شعورك بالبرد يعطي دليلاً على سريان الدم في جسدك، لكن إذا لم تشعر بالبرودة، فمعناه أن هذا الجزء فقد حاسة الإحساس؛ وأكثر ما تحدث عملية تجمد الأطراف، في الوقت الَّذي تكون فيه الرياح شديدة.
 
- المنطقة التي زرناها جميلة بيضاء، وجمالها في الظواهر التي توجد بها بشكل جمالي؛ فالبلورات الجليدية التي تتساقط وهي ناضجة كبيرة الحجم، تؤدي إلى انعكاس الشمس عليها، مما يحاكي لعبة المرايات، بحيث تنعكس كل مرآة على الأخرى.. وما شابه ذلك، فالواحد يقف ويخيل له أنه واقف وحوله شمس في كل الاتجاهات المختلفة، نتيجة انعكاس الشمس على البلورات الجليدية الكبيرة الحجم الناضجة.
 
- تلك من أجمل اللحظات التي قضيناها بصحبة الدكتور إبراهيم عالم هناك، إضافةً إلى شعورنا بأننا أول المسلمين في العالم، الَّذين وصلوا إلى هذه المملكة، يكفينا اعتزازنا بأننا سجدنا هناك شكراً لله، الَّذي وفقنا ومكننا من الوصول إلى هذه المنطقة، ورفعنا كفنا ضارعين إلى الله أن يعيننا على القيام برحلة أخرى.
 
- ويتبعها رحلات عديدة من أبنائنا ومن الشباب، وأنا متأكد أن أي زميل من زملائنا لو أتيحت له الفرصة سيبادر إلى القيام بها، والفرصة لا تزال. ونحمد الله أنه مَنَّ علينا بنعمة الإسلام، ونحمد الله أن مَنَّ علينا بحكومة راشدة، وبنعمة وفضل كبيرين؛ أتاح لنا الفرصة بأن نجوب مختلف الميادين العلمية؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :969  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 163 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج