شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الدُّجِّيَرهْ..
القسم الثاني.. بلدي على عربي هذا.. وقبل أن ندخل.. أي أن نخش.. في سرد القسم الثاني من سيرة الدجيرة.. تكملة.. أو بقية للقسم الأول.. والبقية في حياة الجميع.. نود هنا أن نطمئن الأخ الفاضل الذي سألنا صباح اليوم تلفونياً عما إذا كان فعلاً.. لا اسماً للدجيرة هذه وجود سابق؟؟ فنقول له ـ بكل صدق وفي تواضع مشكور ـ أجل!! فقد كانت المرحومة على لسان أهلها طبعاً.. حديث المدينة نهاراً لا ليلاً. وكان من المعتاد أن يذهب الناس إلى زقاق الخنجي ظهراً لكي يشاهدوا أثار معاركها الليلية.. وتلك حقيقية لا يمكن أن يطمس تاريخ أساطيرنا الشعبية بها مكابر.. أو جاهل!!
وبعد.. فقد جاء في بعض روايات جيران زقاق الخنجي أنهم جميعاً. أو معظمهم على الأصح.. قد سمعوا ذات ليلة بأمهات أذانهم الحوار التاريخي الذي دار بين والدي الدجيره.. وهما السيد.. البعبع.. والسيدة.. الهميا.. بغياب ابنتهما.. وكان كالآتي:
الوالد البعبع: ـ أنا شايف ترى.. يهميه.. إن البنت دجيره رايحه تضيع مستقبلها أكثر مما ضاع.. وأنو ما راح يجي لها ولا عريس.. لأن سمعتها..
الأم الهمية مقاطعة: ـ سمعتها؟؟ دي بنتي اشرف واطهر من كل بنت جنية في الحارة!! بس هي تحب تعاكس البني آدم.. مزاج يا أخي!!
الوالد البعبع: ـ موهو هادا اللي مخوفني على مستقبلها.. ومستقبلنا كمان.
الأم الهمية: ـ وايش دخل مستقبلنا في الحكاية دي.. يسي بعبع؟
الوالد البعبع: ـ قلتي لي.. شوفي يستي.. دحين لمن البني آدم يولف على وحده من جماعة ((بسم الله.. بسم الله)).. على قولهم.. ويحكي عليها.. ويخصر سمعتها.. يقوموا الإنس يتجرؤا.. وما عاد يخافوا من جماعتنا!
الأم الهمية: ـ بس كدا؟.. لا.. اطمئن!! ما دام نحن هنا.. والدنيا ضلام.. وكل ست انسيه ما تنيم بزورتها إلا لمن تفجعهم بالبعبع والهمية.
الأب ضاحكاً: ـ اللي هم أنا.. وانتي.. موكداً؟!
الأم الهمية: ـ طبعاً!! طبعاً!! على قول جارنا اللي من غير شنب.. واللي بيسموه اجرود افندي.
الدجيره داخلة ومقاطعة والدتها: أفندي؟ أفندي؟ لا.. لا.. شوفي يماما أنا ما أحب الأفنديات دول.. وأنا نهار ما ابغي أتجوز.. أتجوز على كيفي أنا.
الأم الهمية: ـ إنتي حرة.. يبنتي.. تتجوزي اللي يعجبك.. واللي يكون من ((تيبك)).
الأب البعبع: ـ أنا ما قلت لك يهميه.. ألف مرة.. لا تتكلمي بالانقليزي!! غايتو.. انتي يبنتي.. زي ما قالت لك أمك.. حرة.. اتجوزي اللي يناسبك واللي يكون من ((طنجك)) من ((تيبك)) على قول أمك.. وإلى هنا انتهى هذا الشهد المسموع من جيران زقاق الخنجي ـ والذي هو جزء من تمثيلية ((البعبع ومراتو)) ـ وبانتهائه أخذت الدجيرة حريتها الكاملة.. وبتصريح من أبيها ومن أمها.. فابتدأت في توسيع عملياتها دون حرص على سمعة العائلة.. ويقول الجيران أنها منذ تلك الليلة أصبحت لا تفارق الشبابيك.. والنوافذ.. وسطوح بيت أهلها.. في أغلب الأحيان!!
ونعود لما كنا فيه.. فنقول.. أما بالنسبة للمقرئين في كل أربعين.. أو حول بيوت الأموات.. فقد كانت لعبتها معهم تقتصر على زيادة رنات الخلاخيل بقدميها.. وصلصلة البناجر بيديها.. ولقد حدثني المرحوم والدي.. وهو أحد قراء جدة القدماء والمشهورين.. إنه كان مع بعض الفقهاء البصيرين ـ أي العميان ـ في قرية ببيت الخال باربعة المجاور لمعصورة أبو الخيور القريبة من زقاق الخنجي.. وقد اشترط عليه الزملاء البصيرون الثلاثة أن يتجنب السير بهم في الزقاق.. فقد سمع أحدهم من بعيد لبعيد صوت الخلخال.. ولما كان الوالد.. وانت تعرف طبع الوالد على تعبير الزميل حسن قزاز.. محباً للمداعبات الإخوانية.. فقد أفلت يد أولهم وهو قائد المجموعة صارخاً: يا ساتر! هو نحن يا مولانا سرنا في وسط الزقاق.. لا حول ولا قوة.. إلا بالله..
عند ذلك.. احتار الزملاء الثلاثة.. وتخبطوا في سيرهم.. ثم كفشوا في بعضهم.. كفشة أعمى في ضلمه.. بحق.. ويقولون ـ فيما بعد ـ إنه لم ينقذهم من مكر الدجيرة إلا أنهم بادروا حالاً إلى تلاوة آية الكرسي وبصوت مرتفع جداً.. وقد كرروا التلاوة لسبع أو تسع مرات.. ولم يقطعوها إلا بعد أن سمعوا صوت الوالد وهو يقول لهم.. لقد صرفها الله عنا.. فاندفعوا ضاحكين مقهقهين.. متعاهدين فيما بينهم ألا يقبلوا بعد الليلة هذه قراية في أي بيت مجاور أو قريب من زقاق الخنجي.. محل الدجيرة!!
هذا.. وقد روى لي أحد المتولين عملية هدم البيوت التي فيها الزقاق لعمل الشارع الجديد.. إنه حين وصل الهدم للبيتين اللذين يقع بينهما.. وهجم الدركتر عليهما سمع صرخة نسائية حادة.. اعقبتها ضحكة رهيبة طويلة.. ثم صوت خفي من أصوات طائفة ((بسم الله.. بسم الله)) وهو يهتف بسكان الزقاق من جماعته ((الحقوا.. عزلوا.. قوام.. قوام.. فليس بعد اليوم ظلام)) وهكذا بهجمة دركتر باسل شجاع اختفت حياة الأشباح والأوهام!!
تلك هي.. يا سيدي السائل غير الجامد صباح اليوم.. حياة إحدى بطلات أساطيرنا الشعبية.. الدجيرة بخلاخيلها وبناجرها وبقشتها وضحكتها الساحرة.. وقهقهتها الرهيبة.. الحياة التي بدأت مع الظلام وانتهت بوصول التيار الكهربائي إلى موضع الزقاق الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من شارع طويل عريض لا يخلو دائماً من الزحام! وترى.. وبالمناسبة.. وقبل أن أنسى.. فإن الخنجي مالك البيت المسمى به الزقاق كان أحد كبار تجار جدة.. وأصله من الهند.. وكان قصيراً.. وظريفاً حتى في إطلاقه على الكباب الميرو.. كباب كراشي!!
أما سبب تسمية هذه الفتاة الجنية وإحدى بطلات أساطيرنا الشعبية ((الدجيرة)) عامياً وشعبياً فيرجع إلى قصر قامتها مما أصبحت معه كلمة دجيرة ذائعة شائعة مطلقة على كل قصير مفرط في القصر.. أما ما قرره الأستاذ عبد القدوس في كتابه ((مدينة جدة الجديدة تحت الطبع)) فيقول إن الدجيرة آتية من لفظة ((الديجور)) من دياجير ودياجر.. وهو الظلام الذي هو أصل البلاء في كل شيء.. وهو قول مردود عليه.. ومع ذلك.. فالله أعلم.
وأخيراً.. ولله مزيد الحمد.. فقد وافق أحد الأعضاء المهتمين بمتحف الآثار إلى الحصول على النسخة القديمة والوحيدة من المرثية الأنسية الجنية للمدموزيل ((الدجيره)).. وقد حفظها في علبة من البلاستيك حتى حين فتح الباب.. وتعتبر هذه المرثية دليلاً قطعياً على صدق الرواية العربية التي تقول أن لكل شاعر قريناً من الجن يوحي له به إذا كان حليفاً لسكان وادي عبقر.. وإليكم بعضاً منها:
قفوا عند الزقاق.. إذا أتيتم
إلى الخنجي.. وقد حبك الظلام
تروا دجيرتي الحسناء.. دارت
هنالك.. حيث فاض بها الغرام
عليها القنعة التركي.. تبدت
ككيس الفحم.. ينقصه الضرام
ببرقعها الطويل.. وأين منه
ومنها.. في حلاوته.. اللثام
وقد شنت.. برجليها.. ورنت
خلاخيل.. يشخلعها القوام
لكم فجعت.. وكم زبعت قلوباً
جرى أصحابها سحراً.. وناموا
فيا أخت العفاريت النشامى
وبنت الجن.. في الخنجى أقاموا
لسوق أقيم في الأَطلال.. قهوا
أسميها: ـ دجوا دجيرا مامو!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1831  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 45 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.