شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
( 35 )
نهاية الرحلة...
الاستمرارية على النمط الواحد، والاستهلاك البطيء أو السريع لما فيه من متعة وحسن.. طريق سآمة معبد، وتعجل لمصير في قلق تام.. وحساب دقيق للدقائق تنقضي في طول الأيام..
هذا الذي أصبح مصير الركاب جميعاً ثالث يوم، لا يلهيهم البحر بمرآه، ولا السماء بكواكبها.. عن واقع جامد بالنفس.. وقد تمّت الألفة له.. وانتهى استهلاك أجمل وأحسن ما فيه.. والنفوس طائرة تتعجل النهاية المرقوبة منها في لهفة.. فأين الجديد؟
إن الحيلة أو التحايل على قتل الوقت باللعب، والحديث، والمسامرة، وتنوع الأساليب، والأسباب.. الوسيلة المكشوفة أو المستورة، ولكنها لا تغني عندما يطول الوقت، فقد ألفت واستهلكت هي نفسها، والملل طبيعة الإنسان، لا يحرّك جموده أو يستثير كامنه إلاّ الجديد، وإلا استعجاله رغم العلم بعدمه مكان حدوثه حالاً..
إنها ليلة الوصول إلى جده، والساعات وحساب الوقت بها، وتصورات المفاجأة في الحركة وفي الشعور السائدين على القادمين إليها، للبقاء، أو الانتقال منها إلى المقر المقصود بمكة، أو المدينة.. هي شغلهم الشاغل.. فهي ليلة الهواجس، والقلق والانتظار.. والانتظار عدو النفس، لا يشغلها إلا هو، حتى القاصدين إلى غير هذا الميناء الحجازي بدأوا يضجرون.. فهم في سبيله، سبيلاً لسواه..
لقد أخذنا نبحث حال الموظف بالباخرة، والعامل بها. فإذا هو يتكشّف بعد الإلفة والتصبّر لا الصبر.. عن سأم من مكرور معاد يقابله فرح ونشاط، وشعور جديد، كلّما جاءوا إلى بلد جديد.
فالموظف بالباخرة في هذا "البين بين" إحساس متجدد، ركوداً في حينه، وتفززاً في حينه.. والألفة حتى لما كان كذلك، تطويع للطبع.. وحب تقليدي من الشخص لكيفية يقررها على أنها الأحسن. الدفاع المتكرر منه عن أحسنيتها.. أو الضرورة المتشكلة في هذا الدفاع، فحيلانها إلى حل مقبول لهذه الكيفية في الظاهر..
لقد رأينا أول ما رأينا فجر اليوم ـ يوم الوصول لجدّه ـ قوارب الصيادين الخفيفة، الصغيرة "الهواري". أنهم صنف ممتاز من الناس في جهادهم في سبيل العيش بحدوده الدنيا.. وهنا تقوم مسألة المسائل على قدميها، مشيرة بإصبعها إلى فوق.. هل يتكافأ جهاد هذا. مع نصيبه هذا؟؟..
لكنها في سبيل الحياة، وتبع أصولها الراسخة نائمة باستمرار أو غالباً، في ذهن هذه المعارك المبخوس النصيب. لانشغاله بجهاده، وألفته له الهادئة المقصورة عليه، وعلى من في طبيعته..
فهي ـ مسألة المسائل ـ لا تقوم هذه القومة إلا في ذهن الباحث الماد الأذن والعين لكل جديد.. على قابلية جديدة له. حين المناسبة المباغتة أو المستقرأة، للغرابة والبحث.. أو للعلاج والدرس..
أنهم يسيرون داخل الماء.. وهم معرضون باستمرار للوصول إلى جوفه. ثم العودة بمقرهم المنتقل معهم إلى السطح.. لقد خرجوا من نصف الليل.. وتوغّلوا إلى هذا الحد من البحر لاصطياد أنواع من السمك لا توجد دونه وسيعودون بقسم منه يكفل قضاء قسم من حاجات اليوم..
هذه جدة.. وأنها لذات منظر خداع ساحر. فهي الحمامة الرشيقة ترفرف في سحر، ودلال، وأناقة على الشاطئ، وتطل في إغراء على البحر.. وفي استحياء إلى البر.. فلا يسع القادم إلاّ الرنو المتطلع المتلهف إلى لقياها.. وحسبه هذا منها.. فهو كل أو أجمل ما عندها أو فيها!!
لقد انتهينا إلى بلاد الله المقدسة.. يطمئن فيها النصيب إلى جوار المقدر والمقسوم.. وينام فيها الحسد باسم التنافس في خارجها أو الحيوية.. بحضن التواكل الحالم بها.. ويزهد في البحث المخلص بها. ولها قلة جدواه استحثاثاً للذهن، أو حياة له، لا تكمل إلا بالتجاوب والصدى في المناقشة والنقد، والإطراء، والتشجيع، غرضاً للغرض.. لا للشخص المجرد منه.. إنها رحلة.. تساوي في حساب الشخص للشخص.. خروج الحنش من ثوبه كل عام، أو في حينها للتبرد والاستكناه، والتحسس.. وفي حسابه للغير، فتح نافذة مطلّة على الدنيا القريبة أو البعيدة، للمتعة والعبرة، والتخيل.. والاستفزاز حركة في الذهن، أو فورة في الدم، أو ثورة دافعة إياهما لجديد...
الباخرة: 20/7/1365 هجرية
 
طباعة

تعليق

 القراءات :966  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.