شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
( 31 )
عودة...
قررنا العودة إلى الوطن.. واقتضانا ذلك حجز أماكننا في الباخرة المبحرة إليه بعد أيام.. فكان القرار، وتم الحجز.. وكأنما كانت هذه الحركة الذهنية فالجسدية باعث نقلة روحية، وانتقال مسرحي كامل.. فسرعان ما تمثّلت لأعيننا المناظر المستحبّة والمجفوة من الأهل والمعارف والمنازل، والأعمال في الحين الذي كان فيه جميعها قبل حين وجيز محجوبة عنها بزحمة الحقائق المحيطة بالإنسان، والغريق فيها غرق المطمئن للجة والمستقر بها استقرار المقيم الساكن يشغله الحاضر الممتد، عن المستقبل المفاجئ المرقوب على بعده.. حيناً في حينه..
واستتبع هذا أن تكشفت الحقائق المنظورة والملموسة هنا عن معانٍ غير الأولى فكما كانت له في الأول بذلاً متاحاً، ورغبة مواتية، ومعاطاة متبادلة.. عادت الآن، فإذا هي حقائق لذاتها وأهلها. والمقيم لديها.. لا للغريب عاد نفساً موزعة، أو فكراً عازباً عنها، أو شخصاً أسفاً يشغله الأسف على فراقها عن الإنطواء الواعي فيها..
وهي حالة سداد معاكسة للحالة كنا عليها يوم قررنا السفر من الوطن إلى مصر.. وحجزنا المقاعد بالطائرة إليها. فإذا حقائقه المنظورة والملموسة طائرة عنا، مخلية مكانها للحقائق بمصر خيالاً ملموساً متمايز المناظر المسلسلة، في ترتيب أو تشويش.
ولعلّ الطريقة التي يعتمد عليها الغرباء النازحون توديعاً لمقام طيب، بحفلة أو رحلة، أو سهرة ممتازة، أو حركة ذات طابع وترتيب.. هي في حقيقتها رد فعل لهذه الحالة المضطربة، وتوكيد إشعاري أو إجباري للبقاء المؤكّد المحسوس..
ولعلّنا قد عمدنا إليها في غير استقراء منتج لها جرياً على ذلك. وإن كنا لم نعمد إلى ما يعمدون إليه عادة. فقد استمرأنا الطواف العام لا رابط فيه بين حي وحي، وشارع وشارع، ومكان ومكان، إذ خرجنا في بوهيمية سافرة لا تعرف طريقها المرسوم، أو تحب الاهتداء إليه، ولا تسأم الدوران المطلق أو تزهد فيه.. إنه الاعتبار لا غير.. ولربما كانت الحياة ذاتها اعتبارية محضة يلجها الإنسان ممارسة وارتكازاً. لا يزاحمها جديد مرغوب فيه، أو محسوس منظور، اللهم إلا لحظة توديع راحل إلى قبر، أو تمثل الرحلة الأخروية في مرض، أو خطر أو حرمان.. فإذا الأمر، أو الاعتبار، في الحالة غيره في الأخرى، ولمداه القصير أو الطويل.. حتى يجيء أوان نهاية النهايات الكبرى..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :817  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 33 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج