شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
( 21 )
ليله...
استقبلت القاهرة على موعد مع صديق استقبلني فيها قلقاً خوف التأخير.. فهو قد اهتدى إلى سر من أسرار الفتنة التي كانت خافية علينا قبل.. فقد غشى من أيام إحدى الصالات الشهيرة. واتصلت العلاقة فيها بينه وبين "ارتيست" تريك الفن حاراً، والفتنة زخاره والجمال ذا ألوان.. وألوان..
وتهيأنا لليلة. وكنا لا يقل زميل عن زميله ـ محبّي دراسة نفسية تشغف بتخطّي ما وراء الكواليس ضوءاً ولباساً. وتمثيلاً.. وقد كانت المسكينة. الفريسة، بعد أن ظنت أنها الصائد.. لقد بدأنا الأسئلة في طبيعة ساذجة.. وبدأت تتهرّب من الإجابة ثم انقطع الحبل.. ليتصل في غير إدراك منها.. وتربص منا!! فإذا هي بعد المعرفة السافرة، لا تزيد عن بائسة ككثيرات من هاته التعسات رسم الشقاء هالة حول أعينهن. وأكسبهن السهر، والتدخين والشرب، وتلبية الرغبات، أتوماتيكية حركة وحياة.. على حساب هزال. وتسمم، ودمار..
إنهن فراشات متهالكة، ومن يعي واقعهنّ فقد خسر الاستمتاع باللحظة الحمراء وكنا مقرّرين خسارتها، رغبة في كسب معركة المعرفة الكبرى، ولا ريب في نبوغ الارتيست النفساني. فهي عالمة بالحس والصنعة. والضرورة لحاجة هذا القطيع للهو الصاخب، والانطلاق المستهتر. والفورة الجنونية..
ولقد تكفلت الصالة لها بسوائلها العجيبة، وأضوائها الساحرة، وماكياجها الخادع وموسيقاها، وأغانيها. وبرامجها، والاستعداء على الزبائن، والتنافس بينها وبين زميلاتها، تمهيد سبيلها.. فكانت الأرتيست طبعاً، وتكويناً، وخلق مجال، فهي بكل ذلك فتنة داعرة تسحق بالتذاذ وتدمر في إعجاب، وتزفف في تعلّق بها وافتنان.. وأم الكبائر، كما يدعوها الشرع.. أولاً وأخيراً. لولب الحركة ومدارها، ولو بقي زبون وارتيست في صحوة عقلية متصلة لبصق كل منهما في وجه الآخر كما يقول أبو الأسود. أو من قال، وهكذا لم يزل للضعف والضرورة خداعهما الأكبر الآسر.. ما دامت المغالطة فلسفة الحياة..
وكانت المسكينة لنا مفتاح سر عرفنا منه واقع "سوسو" و"ميمي" و"فيفي" وما شئت من أمثال هذه الرموز أو الأرقام تحملها كأسم لها كل من هاته الأرتيستات كما يحمل السجين رقمه المميز به، وكنا منها ومعها في سياحة نفسية متصلة كشفت.. لأنظارنا. وأفكارنا.. حقائق هذا الخرائب الآدمية المهجورة، والأطلال والأنقاض المستورة، والمتحوّلة عن واقعها البائس إلى لحظة مشرقة برشفة كأس..
والأرتيست ـ بعد ـ بعيدة الإدراك، صادقة النظرة، فهي تحكم على كل زبون بما لا يتعدّى مركزه غالباً، قادرة على استغلال الحالة النفسية له حتى أقصى حدودها في خفة "أمريكانية" وتمثيل "هوليودي" وتغاب هو الذكاء، ولو كان من الذكاء الذي لا يتعدى نطاق الحيلة تفتقها الحاجة..
ولكل زبون ـ وكفى بذلك تعريفاً له ـ من مدمني الصالة ضرورته، أو ضعفه المنقاد إليه في ضعف واستسلام. أو نقصه النفسي الخاص.. فلا يزال أغلب روادها "الموسرون" المغفلون، أو الوارثون، كما يسميهم قصير الذيل في تسميتهم له أيضاً ـ ينشدون ترديد صدى نفوسهم في نغم متصل لا نشاز فيه..
وحسبك ما ينتجه تقابل ضرورة عاجزة، وضعف مقعد، بضرورة قادرة، وضعف فعال، ومتى تم الإطار، وتهيا الجو، وانتهت الخطوط فقد كملت الصورة، وآب الغريب إلى وكره..
وكانت لنا ورفيقي ليلة حافلة بالنسبة لما خالف الباطن فيه الظاهر، وكانت ثورة في تاريخ هذه المسكينة التي رغم تبادل كل الأسرار والمعلومات. والفلسفة والحقائق أبت إلاّ أن تكون "الأرتيست" كما تعوّدت من تعويد الناس لها ذلك فلم نجد بداً من مجاراتها نزولاً كما تقول على نظام العمل والسمعة فيه. ولكنها فتحت "فاهاً" "فترا" ورفعت حاجبيها "شبراً" وحملقت عينها "دهراً" حين ودعناها قريباً من بيتها المجهول في أدب. وتقدير. وصمت..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :862  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج