شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
( 11 )
حفلة...
ذهبنا الليلة إلى حفلة كبرى بالنادي الأهلي.. أروع ما فيها أن كوكب الشرق "الآنسة أم كلثوم" غنّت فيها ثلاث وصلات.. وأن أظرف مونولوجست شعبي "شكوكو" وراقصة شرقية كانا بها.. وهناك ألعاب رياضية ومائية كانت من أجمل ما يمكن لمثلنا مشاهدته..
ولعل الطريف بعد هذا أن أكبر الأسر والعائلات المصرية التي حضرتها، إنما حضرت لتوكيد ذاتيتها في الدرجة الأولى ـ كما لاحظت ـ فهم. وقد شاهدوا كثيراً من هذا إنما كانوا مثال الحركة دخولاً وخروجاً، ولفت أنظار. مما لا يتعدى إظهار ذاتيتهم في مجال الظهور. فالحفلة قد جمعت غير رئيس الوزارة. من الكبراء رئيس الشيوخ، والباشوات. والبيكوات. وما بين. وما دون. وقد لا يمكن أن يكون هذا في دمنا نحن الحجازيين مثار إغراء. ولكنه في مصر التقليدية التي يتعمْلق فيها القزم على حساب الوضع، شيء كبير.. شيء فيه تأكيد الشخصية، والاطمئنان على مركزها ولو ـ تمثيلاً ـ لأمد محدود..
والغريب بعد هذا ـ في نظر مثلي ـ أن ألمس مصر في بعض أشخاصها الممتازين شيئاً بعد تجريده من الوهم الذهني ـ عادياً جداً ـ فالمحامي وزملاؤه من المحامين وأصدقائهم وفيهم الصحفي. والأديب حين عركتهم عقلياً.. آمنت أن بلادنا في حدودها بخير.. وأن شبابنا ورجالنا في طريقهم للصراط المستقيم. فهم يأخذون كما يقول الجاحظ من كل شيء بطرف. ويأخذون أي يدركون. ويعلمون. ويفكِّرون فيه، بينما أولئك لم يكونوا ليلتها أكثر من ممثلين لخطوطهم الأصلية الموحّدة.. وهذا نقص أخشى أن يكون الواقع المادي في طلب العلم بالتخصص والإقتصار عليه، أساسه الأصيل.. وإلا فما يمنع المحامي أن يكون على قسط بمعرفة الأدب والاقتصاد، والسياسة، والتاريخ، وإن لم يكن المحامي كذلك فمن ننتظر أن يكون كذلك؟ والمؤكّد أن سوء الحظ كان وحده.. المسؤول عن أن يكون من التقيت به هناك ممثلاً لما أسلفت.. وإلا فمن المؤكّد أيضاً أن هناك من لا تقف هرميته العقلية عند جو محدود. أو في رقعة مرسومة.. لقد كنت على قزميتي الفكرية. مصدر إثارة وإعجاب، بينما كان المنتظر أن أكون كاسب إثارة. ومصفقاً كمعجب لإعجاب، حتى أم كلثوم ذاتها لم تكن موفقة في اختيار أغانيها.. ولكن الأضواء المشعّة الزاهية، والجماهير المتراصة، وحماها الحارة قد أكسبت ما قالته شيئاً يرى الذوق والنفس لملء الوقت، والرغبة الخاصة حيناً. مع تهيّؤ المرء لأنه سيجد الليلة شيئاً ممتعاً رائع الفتنة. وإن لم يصل إلى درجة الالتفات في حين آخر.. فقد كانت بعض أغانيها مفارقة تامة للوضع والموضوع. وتلك حفلتها الختامية.
والإنسان ليلتها "أغلبية ساحقة!" في دنيا نفسه الراقصة أتوماتيكياً.. والتي يرضيها ويهزها، ويطير بها ـ في هذه الحالة ـ أقل ما يرضى، وما دون المتأتي لا المطلوب بمراحل..
ومع ذلك، فقد كانت ليلة نادرة حارة خرج منها الجمهور النظيف بمجموعة زاخرة من الأحاسيس، والشعور، والإدراك. ولقد أسمت مجلة المصور "هاته الليلة" وكان رئيس تحريرها شاهدها. سهرة العمر. وكانت تسمية موفقة من كل الوجوه إذ لم يسعنا إلا أن نقول ونردد مع الأستاذ الشاعر الرقيق بشارة الخوري من قصيدته التي رثى بها أمير الشعراء قوله:
يا مصر ما انفتحت عين على حسن
إلا وأطلعت ألفاً من نظائره
ولا تفتقت الأفكار عن أدب
إلا وأنبت روضاً من بواكره..
إن البعد عن المعتاد المألوف، إلى الرائع من الحسن المتنوع.. سمو لكل حاسة، وشعور وإدراك، فمثلاً في التلقائية النفسية والاستعداد.. إن كانت.. ووجد..
وإن الجو السامق لينقل في طبيعته الاستجابة للنقلة والسمو إلى حيث يريد.. خيالاً.. فإذا هو واقع رائع ملموس.. والغناء، والموسيقى الممتازان مؤثّران قويان في ازدياد الإنسانية، وحقل النفس، وإرهاف الشعور..
إنها ليلة مصرية ساحرة. ساحرة..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :868  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 13 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.