شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
( 7 )
تقليد..
الطبع المصري في طريقه كما نظن، إلى الوحدة العامة الراسخة في المجموع كأساس وجبلة راسخين، وتصرف، وإصرار عليه. وإن كان هو كذلك الآن، خلقاً وتكويناً.. ومشاهدة، إلا أنه في التصرف العام لا يزال مظهرياً تمثيلياً كما يراد أن يكون.. لا كما ينبغي أو يريد أن يكون..
فالوحدة المقررة في أسلوب المعاشرة، والمعاملة، والاحتكاك، وخلق الحوادث والاستجابة لها كاملة جداً. ولكنها ليست تعبيراً داخلياً من صميم الفرد كطبع راسخ. بل إنها تعبير عن المألوف المعتاد في كل ذلك كأسلوب، أو طابع معترف به في البيت من الطفولة إلى نهايتها.. وفي الشارع، والمسرح، والترام، والأتوبيس، والدائرة، والعمل، وكل مجالي الحياة؛ ولا يعني هذا الاستغراق العام بالطبع، وإنما ينصب على الغالبية التي هي أبداً مرد الأحكام والمقاييس.. فالجمهور المصري إذاً تقليدي حتى الآن في حياته الاجتماعية. وملابساتها العامة.. وفي إكباره لذوي الحيثيات، ومجاملاته.. ومعاملاته، وخناقاته. حتى ليندر أن ينفرد شخص دون شخص برأي معاكس، أو بإصرار على موقف مخالف للإصطلاح أو العرف، ولن تخطئه في حكم على حالة معيّنة حتى لكأن كل مصري في حدوده الشخصية صورة طبق الأصل من أخيه المصري.. ولن تتركّز الفعالية المنتجة سريعاً في شعب كهذا هدماً وبناء عمليين..
ولذلك كان غريباً جداً أن يوجد به الفدائيون ـ مثلاً ـ من الشباب، والحنابلة المتزمتون، والزعماء الأحراريون، وأصحاب الصلابة في الرأي.. وهو المحتكر لكلمة.. "معلهش" بمفهومها الإنطلاقي لحماً ودماً، لا بمنطوقها الأتوماتيكي وحده ـ تسمعها في النهار الواحد ألف مرة. ومرة، أو مرات..
كما كان طبيعياً أن يتجه التقدير الكامل نحو بعض زعمائه وشخصياته المتعصبين لذواتهم وآرائهم ومواقفهم، حتى فقدهم المركز، أو حرمانهم المنصب والجاه.. أو الموت.. ولن نرد هذا إلى شيء مؤثر أكثر من البيت.. فالمرأة المصرية لا تزال مثال الحنان وتجنب المآزق، ونشدان السلامة والاطمئنان.. فصحتك بالمكفي.. أو بالدنيا، ومن هنا كانت المسايرة، والسهولة والتشكل التقليدي للظرف الآمن المناسب، أميز ما في الطبيعة المصرية.. وإن كان يوم الذاتية المتعصبة لأهوائها، ورأيها الحقيقي، وتصرفها الذاتي المباشر، ليس بعيداً بنسبة انتشار تقريرها، ورغبة التخلّص من واقع مجتوى في قرارة نفوس الأفراد..
إننا فيما قلنا نتعمّد الغموض والإشارة بدل الإيضاح والتبسط والتمثيل، بحوادث وأشخاص لا لشيء إلا التمشّي مع واقع مقرر معلوم، وإلاّ الحب لعدم إيلام شعور عزيز يفسّره أصحابه كعاطفة مستكنّة في النفس كجوهر. وإن لم تحققه الأعمال كدلائل مادية عليه..
وبعد فالتطبّع ـ نتيجة عوامل موقوتة أو موصولة ـ لا يمنع الرجوع إلى الطبع بعد زمان وأجيال.. أو جهاد فتحرير..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :822  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 9 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.