شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الدكتور أحمد عمر هاشم ))
ثم أعطيت الكلمة لسعادة الدكتور أحمد عمر هاشم فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم..
- الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد.. وعلى آله وصحبه أجمعين..
- أيها الإخوة والأحباب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
- من لم يشكر الناس لم يشكر الله؛ وأجدني عاجزاً كل العجز عن أن أفي هذا اللقاء - ومن تسبب فيه ومن جمعنا إليه - أن أفيه حقه من الشكر؛ ولكني سأكل شكر الرجل المفضال الَّذي أعتبره شخصية نادرة من الشخصيات الإسلامية والعربية الأستاذ عبد المقصود خوجه، فمثل هذه الشخصيات التي تحرص على جمع الشمل وعلى التضارب الفكري والثقافي، وتنميه مثل هذه الشخصيات..، لا تجود بها الأعصر إلاَّ على فترات نادرة.
- وهذا اللقاء الكريم الَّذي غمرتني فيه السعادة بهذه الوجوه المشرقة، وبهذه الكلمات الصادقة المؤمنة، وبهذه القصائد والمفاجآت التي التقيت فيها مع مقالات وبحوث..، أنا شخصياً لا أستطيع الوصول إليها لأنني كتبتها على فترات وفي صحف ومجلات متناثرة، مفاجآت هذه الليلة والكلمات التي لا أستطيع أن أفيكم الشكر؛ أكل ذلك كله دعاءاً صادقاً من أعماقي..، مخلصاً فيه لربي (سبحانه وتعالى) أن يجزيكم عني وعن الإسلام خير الجزاء.
- إن الرسالة التي أستشعرها الآن - وأصدقكم الحديث - فلست ممن يماري في القول، وأمقت الَّذين يمارون - وأقسم لكم بربي إنني لأشعر الآن بشعور من الحب الصادق لكم، الَّذي دعانا إليه ديننا الحنيف ورسولنا (صلوات الله وسلامه عليه): إن من عباد الله أناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانهم من الله (عزَّ وجلَّ) قيل يا رسول الله من هم؛ وما علامتهم؛ لعلنا نحبهم ونقتدي بهم؛ قال قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، والله إن وجوههم لنور وإنهم على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم تلا قول الله (تعالى): إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
- إن عظمة هذه الليلة التي جمعت مع رائدها المفضال كوكبة من العلماء الكرام والأدباء الأفاضل..، هذه الليلة التي تترجم معنى الحب الَّذي فهمناه من ديننا حق الفهم؛ إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من قبل العرش: أين المتحابون فيّ؟ أين المتجالسون فيّ؟ أين المتزاورون فيّ؟ اليوم أظلهم بظلي واليوم لا ظل إلاَّ ظلي.
- أيها السادة: إن الاثنينية تلك الأمسية الدينية الأدبية الرائدة تحمل هذا الحب وتحمل هذا الاقتراب، ونحن في أمس الحاجة إلى مثل هذه اللقاءات وهذه الشخصيات، في وقت - كما تحدث بعض أحبابنا - في وقت استهدف أعداؤنا فيه أمتنا، وعلماءنا، ودعاتنا؛ ومفكرينا، وكتابنا، وأدباءنا..، وحاولوا اختراق أهم الحصون التي تتمثل في الدعاة والمفكرين؛ حاولوا اختراقها لا عن طريق تلويث الفكر أو تغريبه، فلا يمكن أن يغرب فكر إسلامي صحيح، والقرآن مصون بصيانة الله (تعالى) له: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ولكنهم يحاولون هذا الاختراق عن طريق تفتيت الوحدة التي تجمعنا والإخوة التي تربطنا، فنثروا بذور هذه الفرقة في خلافات حاولوا أن يتصيدوا بعضها من اجتهادات بعض فقهائنا وأئمتنا، وهي في الواقع لمصلحة الدين؛ ولا يمكن أن تؤخذ على سلفنا ولا على أئمتنا تلك الخلافات بل بالعكس، كما أشار ذلك الإمام مالك حين طالبه الخليفة بأن يقصد إلى أواسط العلم، وأن يدع رخص ابن عباس، وشدائد ابن عمر، وشواذ ابن مسعود، وقال: أقصد إلى أواسط العلم؛ فلما دون كتابه القيم الموطأ وعرضه على علماء عصره فَوَطَّؤُوه ووافقوه، وأراد أن يلزم كل الأمصار به.
- ولو أن واحداً من مفكرينا - أو كتابنا - كان له ذلك، لفرح لأنَّ في ذلك ثقة بعلمه؛ لكن الإمام الجليل - إمام دار الهجرة - حين عرض عليه الخليفة أن يلزم كل الأمصار برأيه وكتابه قال: لا يا أمير المؤمنين: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتشروا في الأمصار وعند هؤلاء ما ليس عند هؤلاء وإن هؤلاء لديهم من العلم والاجتهاد ما نحترمه؛ ثم قال بالحرف الواحد: إن اختلاف العلماء رحمة الله بهذه الأمة؛ كل يرى ما صح عنده، وكل على هدى، وكل يريد وجه الله ما دام لم يصادم نصاً من كتاب الله ولا حديثاً من سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بهذا يحاول تجميع الصف، ويحاول بهذا ألاَّ تأخذ الفرقة التي حاول أعداء الإسلام قديماً ويحاولون حديثاً أن يضخموا هذه الخلافات التي لا قيمة لها أو لا أثر لها بمعنى أصح، وإنما هي لا تعدو أن تكون بين ما هي سنة أو لا أو بين ما هو أولى أو خلاف الأولى.
- نحن نقول إن محاولة أعدائنا أن يخترقوا هذا الصف، لأن تفريق الدعاة والعلماء والمفكرين والكتاب أمر له خطره، يؤثر على الأمة وعلى كيانها وعلى عقيدتها؛ ومن أجل ذلك نرى أن الله (تعالى) قد جمعنا على كتابٍ واحد رجاء رسولنا صلى الله عليه وسلم أن يكون أكثر الأمم تابعاً يوم القيامة؛ ما من الأنبياء نبي إلاَّ أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر إنما كان الَّذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة. هذا الدستور السماوي الخالد، الَّذي أعجز الفصحاء والبلغاء والأدباء والشعراء والإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله، أو بسورة: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
- يسمعه من يخالفه في القديم فيقول: "إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ما يعلى عليه" وما هو بقول بشر ويسمعه الجن فيتأثر به، وينطلق مردداً في الآفاق: إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا يتأثر به الإنس ويتأثر به الجن ويتأثر به غير المسلم؛ عدوه يتأثر به حين ينصف حين يترك التعصب الممقوت، حتى قال أحد المستشرقين حين أنصف في بحثه في القرآن: لو وجد هذا القرآن في فلاة - يعني في صحراء - لم تعرف من جاء به لعلمنا أنه من عند الله.
- نحن أمام هذا الدستور السماوي الَّذي يوحدنا، والَّذي يتأثر به الإنس، ويتأثر به الجن ويتأثر به عدوه حين ينصف، بل يتأثر به الحيوان..، أليس في الحديث الصحيح من حديث أسيد بن حضير ما معناه: حين تلي القرآن جالت فرسه فلما سكت سكتت؛ فكلما عاد للقراءة عادت وكلما سكت سكتت..، حتى خاف على ولده يحيى؛ ولما نظر إلى السماء ووجد أمثال الظلل فيها أمثال المصابيح، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأت البارحة القرآن فجالت فرسي فسكت فسكتت، فخرجت فنظرت للسماء فوجدت أمثال الظلل فيها أمثال المصابيح؛ فما تلك يا رسول الله؟ فقال تلك ملائكة الله نزلت تتسمع لتلاوة القرآن؛ ولو ظللت تقرأ لظلت الملائكة حتى يراها الناس في الصباح.
- هذا تأثير القرآن في الإنس، في الجن، في عدوه حين ينصف ولا يتعصب، في الحيوان..، إذن نحن أمام الحق، وحيث تأكدنا أنه الحق لماذا نختلف؟ أعداؤنا يتجمعون حول باطلهم ويريدون ضرب عقيدتنا في مقتل، ونحن نتفرق على أمور منتهاها يدور بين ما هو أولى أو خلاف الأولى؛ ونبدد أوقاتنا التي كان من المفروض أن نستثمرها في خدمة أمتنا وعقيدتنا - نبدد الوقت في خلافات ورُدود، ومطاحنات ومعارك كلامية على صفحات الجرائد؛ وكتب تكتب. أما كان الأولى أن نعمل متوحدين ونخدم هذا الدين، وهذه الأمة التي هي في أمس الحاجة إلى اعتصامنا بحبل الله: واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا.
- الفرقة في الفكر خطيرة، هي الاغتراب، وهي الاستهداف والتجاوب مع العدو الَّذي لم يجد بداً في أن يضرب هذه الأمة في قرآنها، لأن الله تكفل به وحاول أن يضربها في الحديث.. فوضع الدخيل والمكذوب وما استطاع؛ لأن الَّذي حفظ القرآن حفظ بيان القرآن أيضاً.. إنَّ علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنَّ علينا بيانه تكفل بحفظ البيان، ولذلك قيض الله للسنة رجالاً أمناء نقشوها على صفحات قلوبهم الأمينة وصدورهم الواعية؛ من أجل ذلك نرى أنه قد قيض لها من أسباب التوثيق ما لم يحدث له نظير أبداً في تاريخ البشر، حتى استحدثوا علماً يزنون به كل خبر جاء عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- إذن نحن أمام حرصنا على هذه الأمة وعقيدتها وفكرها وتراثها..، لا بد أن نعالج أسباب هذه الفرقة وهذه الخلافات، وألاَّ نبدد الأوقات في مثل هذه الخلافات وتلك الردود، أو محاولة أن يقف بعض الدعاة أو المفكرين موقف المدافع عن دينه، ويحاول أن يرد الشبهات عن دينه، وكأن الدين وقف موقف المتهم؛ ونريد أن نقول: إن تعدد الزوجات وإن الميراث وميراث المرأة، وإن كل هذا حق رضوا أم أبوا؛ هذا نطق به الكتاب العزيز، ومن لم يأخذ بكتاب الله (تعالى) فقد خرج من حظيرة الدين.
- نعم لا بد أن نكافح ولا بد أن نرد، ولا بد أن ندافع؛ ولكن لا أن نقف موقف المتهم الَّذي يدافع كأن دينه متهم وكأن قضاياه مشكوك فيها، كأنه يريد أن يدافع عنا؛ لا نريد أن نتجاوز هذه المرحلة وأن نقدم الدين، وأن نعرضه عرضاً سليماً في أمة لا بد من أن تقوم بهذه الرسالة، لأن الله كلفها بها وأوجب ذلك عليها وجوباً عينياً، حيث أنزل القرآن بلغتها العربية فكان عليها واجباً أن تبلغه إلى كل الأرض، فإن لم تفعل تكون قد خانت أمانة السماء التي أفضت بالسر الإلهي إليها بلغتها وبلسانها العربي، بدل أن يفتت بعضنا بعضاً ويناقض بعضنا بعضاً، وكم أسفت وحزنت حين كنت ألتقي في مؤتمرات عالمية كبرى تدرس وتبحث؛ وتعالج مشاكل كبرى ومصيرية؛ والَّذين جاؤوا ليقدموا الإسلام يختلفون مع أنفسهم، لماذا؟ نحن في أمس الحاجة لأن نتوحد؟
- راقني وأعجبني هذا الموقف الَّذي وقفه أحد الدعاة حين قالوا له: المسلمون اختلفوا في بيت الله في شهر رمضان، قال: فيمَ اختلفوا؟ قالوا في صلاة التراويح؛ قال: وماذا قال بعضهم؟ فقالوا: يقول البعض لا تصح إلاَّ عشرين ركعة، والبعض الآخر يقول لا تصح إلاَّ ثماني ركعات...، واختلفوا حتى كادت تقع الفتنة وأن يتضاربوا؛ فقال: الفتوى أن يغلق المسجد الآن، وألاَّ تُصلى التراويح، فمهما عظمت فلا تعدو أن تكون نافلة، ووحدة المسلمين فريضة، ولا خير في نافلة تصد عن فريضة الله.
- نحن في أمس الحاجة إلى أن نتجاوز مرحلة الخلافات مع أنفسنا، كفانا الأمة تتصدع وتتعثر خطاها وتتلعثم بسبب هذه الخلافات، التي حاول أن يضخمها عدونا وحاول أن يبذر بذورها بين فصائل الشباب المسلم - اليوم - في كل بقاع العالم؛ حاول أن يبذر بذور هذه الفرقة بين فصائل الشباب المسلم، ليختلفوا على أنظمتهم وحكوماتهم ودعاتهم وعلمائهم، وتظهر مصطلحات جديدة تطفو على سطح الحياة؛ فكان على مثل هذه الملتقيات الواعية - التي تتنامى فكرياً وثقافياً؛ وتجمع الأمة على كلمة الحق - كان عليها أن توحد هذه الجهود وأن تصحح هذه المفاهيم، لأنها في مثل هذا اللقاء - الَّذي يأتي في جو من الحب والود والأخوة ولا نرى فيه عصبية - يمكن أن تشرق المفاهيم وأن يتم الاقتناع بها.
- يمكن أن تعرض بها هذه المفاهيم الصحية التي أقرها ديننا، لا بل دعا إليها وأوجبها؛ وفي الحديث الَّذي رواه الإمام البخاري والإمام مسلم، وغيرهما... في الفتن من حديث حذيفة حين قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني؛ فقلت يا رسول الله إنا كنا أهل جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؛ قال: "نعم"؛ قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دخن"؛ قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يهدون بغير هدى تعرف منهم وتنكر"؛ قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها"؛ قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا"؛ قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؛ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"؛ فقلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "اعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك".
 
- صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يجنبه أن يذوب مع واحدة من تلك الفرق أو الجماعات، وعليه أن يلزم جماعة المسلمين، لأن الله لن يجمعها - أبداً - على باطل بحال من الأحوال؛ لا يقر - أبداً - الدين هذه الفرقة، التي يحاول أعداء أمتنا أن ينشروها في صفوفنا وفي صفوف مفكرينا؛ أو دعاتنا.
- وإن هذا اللقاء الكريم الَّذي أسعد فيه كل السعادة ليمثل هذه الصورة المشرقة لأمتنا، وديننا، ودعوتنا، وفكرنا، وتراثنا، وأدبنا..، هؤلاء الَّذين أشرف وأسعد بهم، والَّذين شرفت وسعدت بالسماع إلى كلماتهم المؤمنة وبذاتهم الخاشعة، التي أستشعر فيها صدق قلوبهم يتجاوب مع صدق قلبي، ضارعين إلى المولى (عزَّ وجلَّ) أن يجمعنا - دائماً - على الحق وعلى الخير، وأن يكتب النصر لأمتنا الإسلامية وللأقليات في كل شبر من أرض الأمة؛ والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :499  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 154 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.