أشم عطر النوامي والرياحين |
يسري يدغدغ وجداني يناديني |
وتلك باقة نعناع معطرة |
أنفاسها تتمشى في شراييني |
وهذه نسمة عذراء لونها |
عقد من الفل شرقي التلاوين |
وذا بريق مصابيح يسامرني |
ويسكب النور في قلبي يزكيني |
هذا خلوق بني النجار أعرفه |
من جاء يحمله من مأرز الدين |
أطياب طيبة في حليِّ وفي سفري |
نبع من الحب يوريني ويرويني |
* * * |
يا جنة قبلتها الأرض صاغرة |
وتستقي روحها خضر البساتين |
يزورني طيفك الزاكي فيؤنسني |
ويوقظ الوجد ملحاحاً فيبكيني |
وكيف لا تذرف العينان دمعهما |
وأنت ملهمتي شعري وتلحيني؟ |
كم ليلة في العوالي نادمت سهري |
وأسكرتني بفضل غير ممنون |
وكم تفيأت في وادي العقيق ضُحىً |
ظلاً ظليلاً وماءاً غير مسنون |
وكم حزمت أضابيري إلى أحد |
أصغي فيملأ أقداحي ويسقيني |
يروي حكاية أقمار به سطعت |
بيض الأكف غطاريف أساطين |
هناك تبرز أشواقي هويتها |
فصادق الحب برهان البراهين |
* * * |
يا غرة في جبين الكون مشرقة |
مصونة من حماقات البراكين |
الله أودعها طه فكان لها |
غيثاً وأكرمها قربى بياسين |
لما أطل سعت حبواً لتحضنه |
وازينت وارتدت أغلى الفساتين |
فحبه قربة أجلو بها عملي |
وحبه عن ضروب الحب يغنيني |
لن يستجيب إلى لهو وتسلية |
قلبي فحب رسول الله يكفيني |
إذا أتيت إلى محراب مسجده |
ذكرت موكب أجدادي الميامين |
ما بين ساع لنصر الله محتسب |
وبين ساع بنصر الله مأمون |
تحفهم رحمة تسمو بهم ثقة |
مؤزرين بتثبيت وتمكين |
إن سال جـرح تغنى الـجرح مـن طرب |
بوركت من غزوة في الله تدميني |
* * * |
يا سيد الخلق إني جئت في زمن |
يغتال حرمته زيف القوانين |
عصر تعرت به الأشجار في وطن |
من الحماقة يستسقى بلينين |
إذا صحوت تولاني الأسى قلقاً |
وإن غفوت فأحلام الشياطين |
وإن بعثت ولائي للتراب ذوت |
في قبضة اليأس أفواه المساكين |
وكم تسلق أسواري أخو فتن |
وقد تأبط قاموس الثعابين |
يبيت ينفث يا أحفاد عكرمة |
ويا سلالة عثمان بن مظغون |
ناموا على الضيم إن السلم مركبة |
تحطمت في تل أبيب وبكين |
السلم أصبح وهماً لا وجود لـه |
إلاَّ حنايا الحكايا والدواوين |
* * * |
يا طيبةَ الخير يا عنوان رحلتنا |
من الجزيرة حتى سدة الصين |
كتبتِ في جبهة التاريخ ملحمة |
حروفها من سنا بدر وحطين |
أظلُّ أقرأ في شوق مقاطعها |
بناظر مثخن بالدمع محزون |
قوافل الأمس بالعتبى تلاحقني |
وحاضري يتنزى في فلسطين |
قد بعت للصمت ميراثي بلا ثمن |
ورُضْت نفسـي علـى صابٍ وغسليـن |
وجرعتني سراييفو بمحنتها |
كأس الهزيمة من ذل ومن هون |
فرحتُ أغسل بالأحلام ناصيتي |
وأسفح العمر من دون إلى دون |
هل أصبح العالم الماديُّ مزرعة |
للشر يحرثها أتباع نيرون؟ |
وهل غدت مدن الدنيا تناصبنا |
هذا العداء لترعى حب صهيون؟ |
وأين تلك العصافير التي رحلت |
ملأى الحواصل مـن تـمر ومـن تـين؟ |
ألقت مناقيرها أزهار مكرمتي |
ووهج عاطفتي في الوَحْلِ والطين |
هذي قضية عصر ماجن حرمت |
فيه البسيطة من عدل الموازين |
إن تنصروا الله ينصركم فإن صدئت |
بيض النوايا فلا دنيا بلا دين |