(( فتح باب الحوار ))
|
افتتح باب الحوار بسؤال من الدكتور محمود الشهابي قال فيه: |
- نرى بيئة المدينة أنتجت كثيراً من الشعراء أما بيئة مكة فيندر فيها ذلك؛ فهل لكم رأي خاص حول خصائص بيئة المدينة التي تسببت في إنتاج هذا الكمّ الهائل من الشعراء، وهل هذه الخصائص تفتقر إليها بيئة مكة؟ |
فأجاب المحتفى به قائلاً: |
- بيئة مكة لا تفتقر إلى الشعراء فهي غنية بأبنائها؛ ولكن أود أن أذكركم وأنتم أعلم مني أن السيدة عائشة (رضي الله عنها) أو غيرها.. لا أتذكر القائل؛ قال: "عندما قدموا المدينة كان كل بيت من بيوت الأنصار فيه رجل أو أكثر يقول الشعر". وهذا القول يعطي الدلالة على الكثرة فقط، والمدينة أرض خصبة وذات مياه جارية، والماء والخضرة من الأسباب التي تحرك المشاعر وتثير الوجدان، وتلهب العواطف؛ بينما مكة - حرسها الله وحماها - واد غير زرع، جلبت إليها المياه من أماكن بعيدة لشدة معاناة سكانها، لكنها لم تعش فقيرة أدبياً أو علمياً، أو شعرياً. |
|
ثم تقدم الأستاذ عثمان مليباري بسؤال قال فيه: |
- في ديوانك: "دموع وكبرياء" قصيدة ماتعة عنوانها: "يا ليل" قلت فيها الأبيات التالية: |
يا ليل عزفُك لا يطاق |
وإنني بالعطف أحرى |
أرعى نجومك سارحاً |
أقتات طعم الموت صبرا |
ماذا جنيت لكي تمرمر عيشتي يا ليل صبرا؟ |
ألقي بجسمي في السرير |
ورغم ذاك أهب قهرا |
وأعود أهتف للكرى |
خمساً وعشراً ثم عشرا |
وأَعُدُّ مرتبتي وأطفئ |
لمبتي وأكن نذرا |
|
- وسؤالي أيها الصديق الفاضل: لماذا تتعمد استخدام الكلمات العامية في شعرك العربي الفصيح؟ |
وأجاب المحتفى به على السؤال قائلاً: |
- هذا شيء عانيت من أجله كثيراً، إخواني في النادي الأدبي استطعت أن أقنع بعضهم؛ أما إصراري على استخدام بعض الكلمات العامية فهذا يرجع يا سيدي إلى أن اللغة العامية التي نتحدث بها هي في جملتها كلمات عربية؛ كل ما هنالك.. أننا نحن الَّذين نملك حق استخدامها من عدمه؛ وأنا أعتقد - شخصياً - أن هذه العامية المتداولة بيننا الآن هي نفس العامية التي كانت في عهد النبيّ (عليه الصلاة والسلام) ولولا أن التاريخ أبقى لنا بعض الجمل التي وجدت الشجاعة الكاملة عند بعض الرجال المؤرخين وأثبتوها، لما عرفنا هذا. |
|
- فمثلاً كلمة إيش، فقد روى التاريخ: أن سيدنا عمر بن الخطاب قال هذه الكلمة كما أن الإِمام مالك بن أنس قالها في المسجد ثم تناقلتها الأجيال ولولا ذلك لما عرفنا كلمة إيش وأنها كانت مستعملة من ألف ومائتي سنة، ولو لم أجد في الشعر - قبل ألف ومائتي سنة - ولقد علمنا أجدادنا كلمتي: سلقط ملقط.. فما معناهما؟ معنى سلقط: أي ما سال قط؛ وأما ملقط؛ فمعناه: ما مال قط؛ وأما أيش فمعناها: أي شيء، وعلى العموم، فإن الكلمات العامية ليست إلاَّ كلمات عربية فصيحة حرفت، لذلك أحببت أن أخاطب من أحب بلغة يفهمني بها وأفهمه بها من غير الرجوع إلى القواعد.. |
|
ثم وجه الأستاذ طارق حريدي سؤاله بقوله: |
- هل درستم على يدي الشيخ محمد الحافظ. |
فأجاب المحتفى به قائلاً: |
- الشيخ محمد الحافظ من زملائي أنا ما درست عليه، ولكني أعطيته وأخذت منه. |
|
ثم تقدم الأستاذ محمد صالح البلهشي بسؤال قال فيه: |
- حبذا لو تحدث الأستاذ حسن صيرفي عن العادات الطيبة التي تمتاز بها المدينة المنورة دون غيرها، ليتحف بها الحضور؟ |
|
واستجابة لطلب السائل أجاب المحتفى به قائلاً: |
- إن العادات الطيبة عند أهل طيبة كثيرة، وأحسن العادات عندهم كانت عادة المعايدة، وعادة المواساة في الوفاة والزواج؛ أما عادة المعايدة: فقد اتخذ الناس أسلوباً فريداً في زيارة بعضهم وتهنئتهم في العيد، وذلك بتقسيم أيام العيد إلى أيام: اليوم الأول: يتعين على كل شخص أن يزور أقاربه، ولا يجدر أن يعود إلى بيته بعد صلاة العيد إلاَّ بعد أن ينهي زيارته لكل أقربائه ومن تجمعه به صلة القربى. |
|
- وخصصوا اليوم الثاني لمحلة الساحة التي دخلت في توسعة المسجد النبوي، واليوم الثالث لمحلة المناخة وتوابعها؛ واليوم الرابع للحارة وتوابعها؛ واليوم الخامس لمن هم خارج المدينة في البساتين لكننا في عصرنا نقضنا هذه العادة وجعلنا العيد ثلاثة أيام لا غير، وعلى الإنسان في اليوم الرابع أن يباشر عمله. |
- والعادة الطيبة الأخرى هي عادة العزاء في المصيبة ثلاثة أيام، والعزاء بعد ثلاثة أيام يعتبر تجديداً للمصيبة، ومن حضر تشييع الجنازة كفاه العزاء في المقبرة بعد الدفن، ومن لم يحضر الدفن فقد قرر أهل المدينة أن يكون العزاء ثلاثة أيام، منها يومان للرجال، واليوم الثالث للنساء. |
- أما العادة الثالثة تتعلق بالزواج؛ فالخاطب لا يرى مخطوبته ولا يختلط بها، ولا ينفرد بها ولو تم عقد القران، إلاَّ بعد أن يتم حفل الزفاف، وفي تلك الليلة يؤجل انفراده بها إلى أن تتمم مراسيم الزفاف.. بعدئذٍ يخلي الأهل البيت للعروسين لمدة أسبوع، وخلال هذا الأسبوع يلد الحب الَّذي كان جنيناً ويترعرع، ويخرج العروسان بعد ذلك وقد أحب الواحد منهما الآخر. وأرجو عذري فالوقت متأخر؛ وشكراً يا سيدي. |
|
وسأل الدكتور محمود حسن زيني الضيف قائلاً: |
- عُرف شاعر طيبة الطيبة حسن صيرفي بالنواحي الأدبية والأبحاث المتعددة في شعره، وأن المدينة حظيت في شعره بالمحبة، والود، والوضوح، والإخلاص؛ وطالما رسمت طبيعتها في شعره الكثير، وعرف عنه - عند النقاد - أنه من مدرسة حمزة شحاتة في النقد الاجتماعي الشعري، وله قصائد كثيرة؛ فهل بإمكان شاعرنا - ونحن نحتفل به اليوم في عروس البحر - أن يسمعنا شيئاً من شعره الطريف؛ وخاصة ما سطرته يراعته في شعره عن حادثة المراوح السقفية، التي علقت بمسجد خاتم النبيين والمرسلين سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهل سمعنا أبياتاً من تلك اللامية اللطيفة؟ |
فقال الأستاذ حسن صيرفي مجيباً وملبياً طلب الدكتور محمود زيني: |
- أنا معك.. حمزة شحاتة (رحمه الله) شاعر كبير وناثر عظيم، ومحام قدير؛ فقد أخبرني السيد عثمان حافظ أن حمزة شحاتة كانت له في مصر قضية، فاتصل بمحامٍ للمقاضاة نيابة عنه، فطلب منه مبلغاً كبيراً؛ فاشترى نظام المحاكمات وذهب إلى المحكمة وباشر قضيته بنفسه كأحسن ما يكون. لكن حمزة شحاتة ليس من مدرستنا، فمدرستنا قبل مدرسة حمزة شحاتة بمراحل (رحمه الله). أما قصيدة المراوح، فسبب نظمها أن أحد الفضلاء تبرع بها للمسجد النبوي فتم تركيبها في سقف الحرم؛ لكن لم يستطع أحد أن يقوم بتشغيلها، وظلت على هذه الحال ستة أشهر؛ فتمخضت هذه القضية عن مولد هذه القصيدة التي اقتطف منها الأبيات التالية: |
أمراوح الحرم الشريف تحركي |
ماذا يضير لو انبرمت قليلا |
هل علقوك لكي تظلي زينة |
فوق الرؤوس وما شفيت غليلا |
أو ما نظرت إلى ثيابي أبحرت |
وديانها عرقاً يسيل سيولا |
عللت قلبي لست أدعو خشية |
أن يستجاب فتمرضين طويلا |
|
|
ثم قرأ الأستاذ عدنان صعيدي السؤال ما قبل الأخير المقدم من الأستاذ محمد الجنيد من جامعة الملك عبد العزيز قال فيه: |
- هل هناك قصائد غزلية قلتها أو نظمتها، وهل بالإمكان إلقاء أول قصيدة قلتها؟ وماذا قال عنها النقاد؟ أو ماذا قال عنها الَّذين سمعوها منك عند إلقائها. |
فأجاب المحتفى به قائلاً: |
- أول قصيدة قلتها.. أسمعكم بعض أبياتها: |
حدا حادي التشتيت بيني وبينهم |
فَوَا أسفا كيف استباح دمائيا؟ |
ألم يدر أن الموت أهون غصة |
إذا قسته يوماً ببعض مصابيا؟ |
أفاطم لو تدرين بعض تفجعي |
عليك لرقيت لما قد أعانيا |
لقـد كـدت أخفـى فقولي قـد اختفـى |
فلولا ندائي ما رُئيت لرائيا |
لقد صـرت آوي الدار مـن شـق بابـه |
لعلي أرى من يستجيب ندائيا |
فما راعني إلاَّ الحمام وقد بدا |
على الباب في الدهليز رد مناغيا |
ألا أيها الخالي من اللحم جسمه |
هل أنـت أنسـي تـرى البيت خاويـا؟ |
فقلت نعم إني كذلك ربما |
ترى شبحي أو إن أردت خياليا |
إذا أتت نحو الصوت رددت نظرة |
محققة من ذا يكون المناديا |
لقد كنت أدرى بي وتنزل جانبي |
فمالي أراك اليوم تنكر حاليا |
لعلك حتى أنت صرت كفاجعي |
بجنة آمالي وزهر شبابيا؟ |
فهل زورة لو في المنام وأينما |
يسمونه نوماً ونومي نائيا؟ |
ألا يا حمام الدار هلا أعرتني |
جناحك كي أغدو لإلْفِيَ شاكيا؟ |
سأشكو لـه هجراً يمزق مهجتي |
وأجعله خصماً يكون وقاضيا |
|
- هذه أول قصيدة قلتها. |
|
ووجه الشاعر مصطفى زقزوق السؤال الأخير وقال: |
- أين كانت توضع معلقات الشعر العربي؟ وهل لنا أن نتذكر أسواق عكاظ وذي قار والمجنة والمجاز؟ فهل يحق للوعي الراهن أن يعترف بأهلية مكة المكرمة لعطاءات كبيرة من شعرائها في عصورها المختلفة إلى الآن؟ فكيف للأستاذ الصيرفي ألاَّ تكون إجابته وافية على سؤال الدكتور الشهابي.. وأن لمكة شعراءَها الأفذاذ؟ |
فأجاب الأستاذ حسن صيرفي قائلاً: |
- أرجو ألاَّ يظلمني الأستاذ فأنا ضربت لنسبة عدد شعراء المدينة إلى سكانها وعدد شعراء مكة إلى سكانها؛ ولكنني لم أتعرض لأحد منهم من حيث الجودة والإبداع؛ غير أني قلت إن في كل بيت في المدينة يوجد شاعر أو أكثر بينما تفتقر مكة إلى هذه الخصلة؛ وأكدت ذلك بقول أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها) حيث قالت: "إنها جاءت إلى المدينة وكان كل بيت من بيوت الأنصار في المدينة يقول الشعر" وهذا لا يعني أن شعراء مكة أقل مقدرة من شعراء المدينة؛ ومعناه أن في المدينة كثرة عددية من الشعراء؛ وأرجو ألاَّ يفسر قولي هذا بأكثر مما يحتويه من معنى، ومعذرة للأخ الشاعر المكي مصطفى زقزوق. |
|
|