أزف الرحيل وحان منه شروع |
أيكون قبل لقائنا التوديع؟ |
إني سأطوي خيمتي وأظنني |
أطوي فصولاً كلهن ربيع |
أنا هـا هنـا عـرف الصبـاح نوافـذي |
وهنا تدفق حولي الينبوع |
وهنا توطن بعد طول تشرد |
بيت وشب مع الأمان رضيع |
وهنا تنعم بالدمقس مخرج |
بالشوك واغترف السرور مروع |
أدري بأن الدرب سوف يريقني |
ويعز من بعد الرحيل رجوع |
أدري وأدري أنَّ طين كهولتي |
سيجف والصبح القريب يضيع |
أدري ولكن الشموس بطيئة |
والقلب مني يا طريق جزوع |
ثكلت أماني العاشقين وأثملت |
شفتاي كأسي فالهوى موجوع |
كل لـه ليلاه تسكن هدبه |
ضوءاً وليلى مقلتيَّ دموع |
بالأمس نصف الليل حط بمقلتي |
وجهٌ لَه مني الفؤاد خضوع |
ترف كثوب العرس ريان اللما |
عذب المقبَّل كالنعاس وديع |
نغم خطاه على الدروب إذا مشى |
رقص الرصيفُ فخطوه مسجوع |
فسألتها كيف اهتديت لضائع؟ |
قالت أنينك يا شريد شموع |
ورمت عليَّ ملاءة من دفئها |
فأنا وليلى مبدع وبديع |
قالت عرفتك والمشيب على نوى |
كيف احتواك وأنت عنه منيع |
ما كان شيباً يا أنيسة إنما |
زبدُ السنين بمفرقي موجوع |
الكبر حين يشيخ يصبح فضة |
ويصير صبحاً يا مناي هزيع |
لا أحسن التزويق تلك طبيعتي |
أنا في الهوى كقصائدي مطبوع |
ونهضت لا ليلاي قرب وسادتي |
تحبو ولا حلمي إليه رجوع |
فأتيت جمعكم الحكيَّ ولي به |
نبع وجذر محبة وفروع |
وأردت قولاً بالكريم وضيفه |
فإذا القصيد إلى اللسان رجيع |
يا شعر ما سر الحروف تعثرت |
فكبا أمام سطوره الموضوع |
نفض القصيد علي كل عروضه |
ومضى فغادر سمطه التصريع |
بالحبر نكتب شعرنا وصفينا |
بالجود يكتب وهو فيه ضليع |
عذراً إذا صمت القصيد وأفصحت |
بدل القصيد من السكوت ربوع |
صمتي صراخ يا كريم وإنما |
نطقي صدى صمتي لـه ترجيع |
قد جئت أحمل أصغري تشوقاً |
ويسوقني قبل الطريق خشوع |
يا قادماً من أرض طيبة مدَّ لي |
كفّاً يصافحها الفتى المفجوع |
وانفض عليَّ تراب دربك إنني |
بتراب طيبة والمزار ولوع |
واخبر شفيعي لو رجعت فإنَّ لي |
قلباً عليه من الهموم قلوع |
من يا شفيعي للوئام وبعضنا |
للقتل والدرب الضلال شفيع |
مَنْ يا شفيعي للتقى وإمامنا |
فوق المصلي سيفه مرفوع |
من يا شفيعي للحياة وأمسنا |
عنا وعن غد يومنا مقطوع |
من يا شفيعي والسياسة أصبحت |
باسم العقيدة تشتري وتبيع |
السيف والناقوس خلف ظهورنا |
وأمامنا سوط العذاب وجوع |
كبت المآذن فالقباب شهيدة |
وشهيدة تحت القباب جموع |
بالماء ينطفئ الحريق فما الَّذي |
يطفي حريق الماء حين يريع |
نبكي ونستبكي فيلسع صوتنا |
صمم لـه دون السماع دروع |
في كل يوم أشرم أفياله |
عربية ومنافق وجذوع |
تيس على أهلي وجاري وإخوتي |
وأمام ندي أرنب مفزوع |
إن الصريع إذا تسيَّد قومه |
فالشعب قبل عدوه مصروع |
وغد يؤم بنا الصلاة وثوبُهُ |
بمياه أكواب النهى منقوع |
في كل يوم تستجد فريضة |
وبكل يوم بدعة وفروع |
الدير يحكم تحت قبة مسجد |
بعراقنا فإذا النهار هزيع |
من عصر هارون الرشيد وديننا |
دينارنا والموبقات ضروع |
من عصر هارون الرشيد وكوزنا |
زق فمن ثمل يكون ركوع |
من عصر هارون الرشيد وموطني |
متهتك يحدو به ووضيع |
من عصر هارون الرشيد وبابنا |
مخلوعة وجدارنا مخلوع |
ما نحن ما هذي الحرائق تزدهي |
فكأنها لحقولنا ينبوع |
فتح الفرات لطارئين ضفافه |
وعلى ابنه ومشرد ممنوع |
عتم القصور جميعها بصباحه |
وبليله سيف الضلال سطوع |
رأسي على نخل الفرات معلق |
ولـه بصومال الجياع نجيع |
وهناك أختي يستبيح عفافها |
صربٌ ويرتضع الوحول رضيع |
ذبحت سراييفو وشيع صبحها |
ليل قصارى جهده التشييع |
العالم التتري ليس بسامع |
غير الرصاص فإنه المسموع |
لقد انتصرنا في الإذاعات التي |
فيها البنادق معزف ومذيع |
وقد انتصرنا في الخطابات التي |
ميدانها التصفيق والتلميع |
لقد انتصرنا في دكاكين الهوى |
فتنفست عبق الخمور ربوع |
عذراً فقد خان الشرود قصيدتي |
فاعذر شريداً ما احتواه هجوع |
كل البحور عبرتها بقصائدي |
فمتى يطل على الفرات مضيع |
لك يـا بـن طيبـة مـن جفونـي خيمة |
أوتادها مما حملت ضلوع |