شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ إياد أمين مدني ))
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ إياد مدني - مدير عام مؤسسة عكاظ الصحفية - فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله.
- أساتذتي وإخواني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
- أستميحكم عذراً أنني سأقرأ من وريقة، حيث لا أحسن ارتجال أستاذي الأستاذ أمين العبد الله، ولا فصاحة أستاذنا الأستاذ أبي تراب.
- في الواقع: قبل فترة قصيرة وقفت في هذا المكان، ولعل من الأدق أن أقول جلست في هذا المكان لأشارك في الترحيب بالروائي الكبير الأستاذ الطيب صالح؛ وها أنا أشارك في الترحيب بأستاذي الأستاذ أحمد الشيباني؛ ولو استمرت الأمور على هذا المنوال سأصبح من الكورس الثابت في اثنينية الأستاذ عبد المقصود.. ومن أصحاب المقاعد الدائمة؛ لكن في الواقع الأستاذ أبو محمد سعيد له أسلوب لا يقاوم في الدعوة للمشاركة بالترحيب بضيوف الاثنينية، وأياً كان أسلوب الأستاذ عبد المقصود وحسن ظنه، فإن المشاركة في تكريم الأستاذ أحمد الشيباني حقيقة أمر لا أملك أن أرفضه أو أقاومه، فهو - أولاً - ذاك المفكر الفحل والقمة العلمية الشاهقة والباحث الجلد المثقف الحق، والشخصية الإجتماعية والسياسية؛ التي شاهدت عن كثب وعاصرت بعضاً من الأحداث الأساسية التي شكلت معالم العالم العربي الَّذي نعرفه الآن؛ ونقول شاهدت لا شاركت حتى لا يلومه أحد على ما هو العالم العربي عليه الآن من تردٍ وانحسار.
- وفي الواقع: إن الَّذين أتيحت لهم فرص الاستماع إلى الأستاذ الشيباني أو حطت بمرافئهم واحدة من دعواته النادرة، تبهرهم شمول وعمق معرفة الرجل بأحداث العالم العربي المعاصرة على مستوى معظم أقطاره، وبتفاصيل خلفيات الرجال الَّذين شاركوا في صنعها، وهو في هذا المجال موسوعي بحق؛ لكن معظمنا عرف الأستاذ الشيباني أول ما عرف عبر ما ترجمه من كتب عن اللغتين الألمانية والإنجليزية، فهو الَّذي ترجم كتاب: "وودل ديورنت" الشهير قصة الفلسفة، والَّذي يعد - بالرغم من صدوره أول ما صدر قبل نحو 60 عاماً - أفضل مدخل لدراسة الفلسفة الغربية، كتبه ديورنت بأسلوب يصل إلى ذهن المتلقي حديث العهد بدهاليز الفلسفة ودروبها، كما يضيف - أيضاً - إلى معرفة الباحث المتخصص في هذا المجال؛ وبالرغم من أنه كتاب يقدم لأهم فلاسفة الغرب وأعمالهم من أرسطو وحتى وليم جيمس؛ إلاَّ أنه كتب بتوقد وسلاسة.. تكاد تجعل من المواضيع الجافة الثقيلة مواضيع خفيفة الظل؛ لذا فإن ترجمة كتاب مثل هذا لا تتطلب فقط التمكن من اللغتين؛ ولكن - أيضاً - الاطلاع الكامل والمعرفة التامة بتاريخ الفلسفة الغربية، والتعمق في مدارسها ومذاهبها وأصولها.
- ونجاح الأستاذ الشيباني الفائق في هذه الترجمة دليل ناصع على ملكته في كل هذا، وهي الملكة التي أظهرها الأستاذ مرةً أخرى في ترجمته لكتاب الفيلسوف الألماني الأشهر: "إيماني ويل كيلند" نقد العقل المجرد؛ وكان كما هو معروف لدارسي الفلسفة الغربية من أكثر الفلاسفة صعوبة على الفهم.. خاصة فيما كتبه هو؛ لهذا ذهبت المقولة الشهيرة لويل ديورنت: إن آخر ما تقرؤه لتفهم فلسفة "كانت" هي كتب: "كانت" نفسه.
- كما ترجم الأستاذ الشيباني كتاب الفيلسوف الألماني: "شبنجلر" عن انحسار الحضارة الغربية، وكان من حظ مؤسسة عكاظ للكتابة والنشر أن كانت الناشر لكتابين هامين من آخر ما ترجمه الأستاذ الشيباني، وهما كتاب: "تاريخ الحضارة الغربية" لرولين استرنبلج، وكتاب: "تاريخ الحضارة" للباحث الاجتماعي الروسي الأصل الأمريكي الجنسية تريم سوركين.
- ولعل في هذه الأمسية فرصة يحدثنا فيها الأستاذ الشيباني عن الخط الَّذي جمع ويجمع اختياراته للكتب التي ترجمها؛ فما هي العلاقة - مثلاً - بين كتاب: "كانت وشبنجلر"؟ وكيف حظي باهتمامه دون الآخرين من الفلاسفة الَّذين درسهم وعرفهم؟ وما الَّذي جعله يهتم بقضايا الفلسفة والفلاسفة - أساساً - وهو الرجل الأقرب لقضايا الحياة العامة؟
- أما أولئك الَّذين لم يتعرفوا على الأستاذ أحمد الشيباني من خلال ما ترجمه من كتب، فقد تعرفوا عليه من خلال ما ينشره من مقالات في الصحافة السعودية؛ وهذه المقالات في نظري تنقسم إلى قسمين: قسم يعد امتداداً لاهتمامات الأستاذ الفلسفية؛ فيما ينشره عن الفلسفات المادية والماركسية منها على وجه الخصوص، والأسباب الذاتية والموضوعية لتراجعها وانحسارها، وتفكك أوصالها؛ وهو في هذه المقالات وما كتبه عن فلسفة التاريخ، وما بشر به من عودة للإيمان والتوحيد.. حتى في أغنى المدارس الفكرية إيغالاً في ماديتها، يظهر كمفكر وعالم وكمؤرخ ظليع متمكن؛ ولا يصيب هذه المقالات شيء سوى عدم نشرها في جريدة عكاظ.
- أما القسم الآخر من مقالات الأستاذ: فيتدفق كتدفق سيل هادر يرغي ويزبد، ويندفع في وادٍ لا يخرج عنه؛ وأقصد هنا مقالات مثل مقالات أستاذنا حول الحداثة، وحول بعض من الأدباء والشعراء والنقاد الَّذين حاولوا أن يخرجوا عن المألوف، ويكسروا طوق الركود والسكون في حركتنا الأدبية والثقافية؛ ولا يملك أحد بطبيعة الحال أن يحجر على الأستاذ الشيباني رأيه في قضايا اختلافية مثل هذا، حتى ولو كان رأياً حاداً حاسماً، ولكنني لا أملك إلاَّ أن أشعر بشيء من الدهشة وأنا أراه يسكت عن استخدام هذه المقالات، أو فقرات منها خارج سياق قضاياها - أو الإطار التي كتبت فيه - لكن الأستاذ الشيباني - الَّذي لا نعرفه والَّذي لا نراه لا فيما ترجم من كتب أو نشر من مقالات - هو الشيباني الَّذي راقب عن قرب عالماً عربياً يتشكل منذ الحرب العالمية الثانية وحتى حرب الخليج، وهذا المخزون من المعرفة، والتجارب، والاحتكاك، والتأمل، والاستنتاج..، هو ما يأمل الكثيرون أن يروه مطبوعاً في صورة كتاب أو عدة كتب، تروي لنا لا قصة الفلسفة هذه المرة ولكن قصة العالم العربي؛ وأراه مسؤولاً عن تقصي معرفة أجيال عربية تتشكل - إن هو لم يسهم في تعريفها - بتاريخها السياسي المعاصر.
- أستميحكم عذراً إن أطلت، ولكن ضيف الاثنينية الليلة - كما تفضل الأستاذ أمين - له جوانب كثيرة، يطول الحديث عنها حتى ولو كان مختصراً موجزاً، فنحن أمام واحد من قلة قليلة في عالمنا العربي، أولئك الَّذين جمعوا المعرفة الموسوعية، والحضور الإجتماعي، والتأثير الثقافي، والمشاركة في الحياة العامة بطولها وعرضها، مع كرم الخلق ودماثة الطبع، والوفاء لأصدقائه وتلاميذه..، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :874  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 114 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.