شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار ))
افتتح الأستاذ عبد الله الجفري الحوار بالسؤال التالي:
- هل كتابك علامات استفهام هو أحدث كتبك؟ إذاً فإذا سمحت لنا في طرح علامة استفهام عليك الليلة؛ ونقول لك بخلفياتك الثقافية الأبعد عن تاريخ الصحافة العربية.. ما هو في رأيك أهم سؤال يمكن أن نطرحه على واقع الصحافة العربية، ليجيب عليه سدنة الإعلام العربي ورؤساء التحرير المعاصرون؟
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- هذا سؤال جيد وصعب، صعب أن أجيب عليه، ولكني أكاد أقول: إن السؤال المهم - حالياً - في نظرنا إلى هذه الصحافة المغتربة هو لماذا توجد هذه الصحافة المغتربة بعيداً عن أرض الوطن؟
- أعتقد أن هذا السؤال هو السؤال الأساسي، لماذا ظهرت في أوروبا، ولماذا تصر على أن توجد في أوروبا؟ أنا تصوري الشخصي هو أن توجد الصحافة العربية داخل الوطن العربي، وإذا وجدت صحافة عربية خارج وطن العرب فلأن في غير وطن العرب عرباً يعيشون ويحتاجون إلى العلم بوطنهم، ويحتاجون - أيضاً - إلى الاتصال بعضهم بالبعض، هذا حادث في أوروبا وكما حدث في أمريكا على أيدي المهجريين في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن، ولكن المشكلة أن ما نواجهه من صحافة عربية في أوروبا منذ سبعينات هذا القرن ظاهرة مختلفة - تماماً - عما كان في أمريكا قبل هذا بنحو نصف قرن أو أكثر؛ وأنا مازلت أطرح السؤال على نفسي: لماذا هذه الظاهرة وإلى أين تقودنا أيضاً؟ وأرجو أن تشاركوني - جميعاً - في طرح السؤال والبحث عن جواب.
 
ثم تقدم الدكتور غازي زين عوض الله بالسؤال التالي:
- أين موقع الوسطية في ظل انقسام الفكر العربي بين ثقافتين، إحداهما تتعصب للتراث العربي الأصيل، والأخرى تتعصب للتغريب نسبة للغرب؟
فرد الدكتور علي شلش قائلاً:
- أنا لا أخاف من هذه التعصبات ولا أعتقد أنها يجب أن تخيفنا، فليتعصب.. كل من شاء التعصب لأي فكرة كانت مادام هو جادٌ في تعصبه، وجادٌ في عرض ما يتعصب له لأن الفكر يطارح الفكر، ولا نستطيع على الإطلاق أن نوجد للفكر طابعاً، ولا أن نضع للفكر صيغة واحدة على الإطلاق، إنما حيوية الفكر وعظمة الفكر في وقت واحد.. هو أن تتفتح منه زهرات كثيرة وأن نشتم رحيق هذه الزهرات المختلفة في وقت واحد؛ فأنا شخصياً لا أسعى وراء وسطية لهؤلاء المختلفين، وإنما أسعى وراء الجدية والصدق عند هؤلاء المختلفين، نريد من كل مختلف أن يكون جاداً في خلافه وأن يكون صادقاً - أيضاً - في هذا الخلاف، حتى يكون لنا منه في النهاية شيء من المستقبل، لأننا نبحث عن المستقبل لا نبحث عن الماضي أو الحاضر وحده؛ وأشكركم.
 
ثم وُجِّه سؤال من الأستاذ عبد الحميد الدرهلي هو:
- أرى أن أبناء الأمة العربية والإسلامية في حاجة إلى تحديد قضاياهم الكبرى لنبحث لها عن حل، حيث أن أهم مشكلاتهم وأخطرها وأكثرها حاجة إلى حل هي افتقاد أمتنا إلى وحدتها أمة ووطنا، فكيف يمكن أن تتحقق هذه الوحدة؟ وما هو الحل لمشكلة الفرقة والتشرذم التي تحول دون هذه الوحدة، مع مشكلة ضياع الهوية ومشكلة فرقة الأمة، وتشرذم الوطن مع قضايا الوطنية أو مشاكلنا الوطنية وفي مقدمتها قضية فلسطين، والمشكلة الاقتصادية كواحدة من مشكلات أمتنا الرئيسية، وهي مشكلة بالغة التعقيد وتجمع أغرب المتناقضات؛ وشكراً؟
وأجاب المحتفى به على سؤال السائل بقوله:
- هذا بيت القصيد أو مربط الفرس كما كان الأجداد يقولون؛ والواقع أن السؤال متشعب جداً جداً، ويحتاج إلى جواب شامل.. وربما ليلات كثيرة للكلام، ولكن لست أدري لماذا نطرح هذه الأسئلة المدينة للنفس دائماً؟ نحن ندين أنفسنا على هذا النحو، ولسنا أول أمة ولا آخر أمة تمر بالهزيمة، وربما مر كثير من الأمم بأزمات كثيرة، ومازالت أمم كثيرة تمر بهذه الأزمات، فنحن لسنا وحدنا في الانهيار، أو في السقوط، أو في الهزيمة، أو في أي تكون.. النهضات والأزمات والسقوط؛ كل ما أريده في هذا الجانب بالذات، هو أننا نعاني هزيمة كبرى منذ عام 1967، صحيح أن الهزيمة كانت عسكرية أُبيدت فيها قوتنا العسكرية إبادة شبه تامة، ولكن الهزيمة العسكرية ما كانت إلاَّ رأس جبل الجليد، فتحت هذه الهزيمة هزائم أخرى أدت إليها هزائم الروح؛ وهذه الهزائم بدأت في وطننا على يد الأنظمة العسكرية - في الحقيقة - وكان لهذه الأنظمة العسكرية منذ أوائل الخمسينات، نحن نذكر - جميعاً - أن الانقلابات العسكرية بدأت في سوريا في أوائل الخمسينات، ثم تلاحقت بعد ذلك حتى عمت المغرب والمشرق، ومنذ بدايتها ونحن نعاني من الهزيمة الروحية والهزيمة النفسية؛ لأننا إذا تذكرنا بداية الخمسينات فيجب أن نتذكر أننا ألقينا بحمولتنا من الأحلام على هؤلاء الناس، الَّذين فاجئونا ذات صباح - أو ذات مساء - بانقلاب في وطن معين من الأوطان العربية، وأسلمناهم كل ما عندنا من طموحات ورغبات، فإذا بهم يخونون الأمانة ويسحقوننا معهم، وربما فر منهم البعض وتركونا وحدنا ننسحق.
- فهذه كانت البداية، ثم جاءت الهزيمة المتوجة لهذا كله عام 1967 كما نعرف؛ ولا يمكن تعويض الهزيمة في يوم واحد ولا في سنة، ولا في سنوات..، ربما سنقضي هذا الجيل كله حتى يأتي جيل آخر فيغير من طابع الهزيمة المسيطر علينا من الداخل والخارج؛ أما جيلنا: جيل الهزيمة هذا فسيبقى شاعراً بالهزيمة، وسيبقى مهزوماً حتى يأتي الجيل القادم الَّذي أطمح إليه.
- ليست هذه - في الحقيقة - نغمة يائسة أو متشائمة، ولكنني أقولها مخلصاً وطامحاً في جيل آخر يأتي بمسؤولية أكبر وبقدرة على الجهاد أكبر مما كان عندنا، أما نحن فأعتقد أننا - على الأقل - أدينا بعض واجبنا، أدينا بعض الواجب بأننا تركنا لبعض أفرادنا أن يعبر عنا، وتركنا لهم القيادة حتى خانوا قضايانا، وحتى أسلمونا إلى هذا الدمار - أو شبه الدمار - الَّذي نعيش فيه؛ فالموضوع كبير لا يحتاج إلى ليلة واحدة، ولكنه - كما قلت - موضوع يستحق منا - جميعاً - أن نفكر فيه؛ يجب - أيضاً - دون كره ودون عصبية لشيء دون آخر، سوى عصبية الوطن والقيم والمبادئ والدين.
 
ويعلق الأستاذ عبد الحميد الدرهلي على إجابة الدكتور شلش بقوله:
- اسمح لي يا دكتور إذا كنت ترى - وقد يرى أيضاً كثير من الناس - أن ما يحدث - أو ربما سوف يحدث من تغيير - لن يكون إلاَّ بعد هذا الجيل، فهل ما يحدث الآن من دعوة وحث للهمم سيذهب هباءاً منثوراً؟
وأجاب الدكتور شلش بقوله:
- لا أعتقد أنه سيذهب هباءاً منثوراً على الإطلاق، فعندما سقطت الأندلس، ونحن نتذكر - جميعاً - أن الأندلسيين في غمرة هزيمتهم الساحقة أمام جيوش الفرنجة أو النصارى، هؤلاء - في الحقيقة - استنجدوا بكل مسلم آخر عبر مضيق جبل طارق، استنجدوا بالمماليك في مصر، واستنجدوا بالعثمانيين فلم يجدوا من أي منهما نجدة، لم يأتهم أي شيء من أي مسلم إلاَّ الدعوات.. وهذا أضعف الإيمان.
- أما الحقيقة: فقد حملها المهاجرون من الأندلس إلى شمال أفريقيا والمغرب؛ وقد عاشوا وانتشروا على طول الساحل الشمالي حتى وصلوا إلى تركيا؛ فهؤلاء الَّذين ارتبطت حياتهم بالهزيمة ظلوا في مواقعهم الجديدة يحلمون.. إما بالعودة إلى أرض الأندلس - كما نحلم الآن للفلسطينيين بالعودة إلى أرض فلسطين - أو بالانتصار على هزيمتهم وتعويض ما فاتهم من نقص، ولكن الَّذي قاساه الأندلسيون هو أن الهزيمة لم تكن مفاجئة، ولم يكن طرد المسلمين من الأندلس مفاجأة، وإنما أدت إليه عوامل من داخل المسلمين ومن داخل العرب المقيمين؛ وهذه العوامل استمرت قروناً في التفاعل حتى انتهت بتلك الهزيمة التي حفظناها في كتب التاريخ؛ فإذا لم نع الهزيمة جيداً، وإذا لم نع أن للهزيمة عوامل وأسباباً كثيرة سبقتها، لن نستطيع حلها أو التغلب عليها.
- فهذا ما كان الأندلسيون يفتقدونه، وما نفتقده الآن في جيلنا هو أننا سريعون أو متسرعون؛ لعلي أقول هذه الكلمة في الوصول إلى حل؛ وحلول الأمم والشعوب ليست بهذه السهولة ولا بتلك البساطة، لابد أن نفكر طويلاً وعميقاً في كل هذه الأمور، ولا نتسرع - أيضاً - في الحكم عليها؛ سيأتي جيل.. وأنا مستبشر خيراً بهذه الأمة، لأن فيها على الأقل بعض الأمل، ومادام فيها بعض أمل.. فتأكدوا أن جيلاً قريباً سيأتي وسيظهر وسيعوضنا عن ما فاتنا، أو سيعوضنا عن هزيمتنا التي نتحدث عنها.
وقدم الأستاذ محمد منصور الشامي السؤال التالي:
- أرجو من سيادة الأستاذ علي شلش أن يرشح للقارئ العربي أسماء عددٍ من الروايات العربية المتفوقة التي تنفع القارئ وتفيده؟
وأجاب المحتفى به على السؤال بقوله:
- الرواية العربية عمرها نصف قرن تقريباً، وبالرغم من أننا لم نجربها إلاَّ حديثاً في تطورها الأوروبي الأخير، فقد ثبت من هذه التجربة أن عندنا خامات ومواهب كفيلة بتطوير إمكاناتها الذاتية، إلى درجة حسدها عليها أصحاب هذا الفن أو الَّذين طوروه قبلنا في أوروبا، والتطور الَّذي حدث في هذا الفن الروائي لم يستغرق طويلاً، وإنما استغرق ما نسميه مرحلة الطفولة، وقد انتهت تلك المرحلة ببداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914 أو قبلها بعام واحد، حين أصدر الكاتب الدكتور محمد حسنين هيكل رواية زينب فختم بها مرحلة وبدأ بها مرحلة أخرى، ختم بها مرحلة الطفولة وبدأ بها مرحلة المراهقة، ثم استمرت المراحل التطويرية حتى وصلنا إلى مرحلة النضج؛ وبدأت مرحلة نضج الرواية - في الواقع - سنة 1939م، بدأت بمحاولتين أو بكاتبين.
- عندنا كتاب كثيرون - في الواقع - للرواية - كما لكل شيء على أي حال - ولكن كاتبين على التحديد أحدهما لبناني والآخر مصري، هذان هما في رأيي اللذان أدخلا الرواية العربية مرحلة النضج؛ الأول توفيق يوسف عياد اللبناني الَّذي توفي مؤخراً، والثاني هو: نجيب محفوظ الَّذي نال جائزة نوبل؛ الكاتبان معاً استطاعا - في الحقيقة - على قلة إنتاج الأول توفيق يوسف عياد - أن يجعلا من حقبة الأربعينات - من 39 تقريباً إلى أن أصدر نجيب محفوظ ثلاثيته في أوائل الخمسينات - استطاعا أن يجعلا الرواية فناً عربياً بعد أن كنا نقول: إنها فن مقتبس أو فن منقول عن غيرنا؛ لكن هذين الكاتبين جعلاها فناً عربياً ذا أسلوب عربي وشخصيات عربية، وموضوعات عربية.
- وحين تسألني اليوم عن روايات أرشحها للقراءة، فلا أتصور أن المسألة تأتي بهذا الشكل، لأن الأذواق تختلف والثقافات والشخصيات تختلف؛ والكُتَّاب - أيضاً - يتباينون من وقت لآخر إن لم يتباينوا دائماً؛ فإذا سألتني اليوم: هل ترشح رواية مثل الصبي الأعرج أو الرغيف لتوفيق يوسف عياد؟ أقول لك آه؛ لكن رُبَّما لا تعجبك هاتان الروايتان؛ ولو قلت لي أريد شيئاً من نجيب محفوظ؟ لرشحت لك - مثلاً - القاهرة الجديدة، وزقاق المدق، ثم الثلاثية؛ ربما تختلف معي وتقول: لا إنني أريد أن أقرأ اللص والكلاب، أو الطريق؛ أو حتى ملحمة الحرافيش.
- ورجل مثل نجيب محفوظ أنتج أكثر من أربعين رواية، فماذا ترشح منهم؟ لو تُرِك لي الأمر شخصياً لتصفية كاتب مثل نجيب محفوظ، فأنا سأصفيه في الثلاثية، وهي ثلاثة أجزاء: قصر الشوق، والسكرية، وبين القصرين؛ هذه الروايات الثلاث تشكل في الحقيقة مفصلاً من المفاصل التي ارتكز عليها جسد الرواية العربية، أي أن الثلاثية رواية مفصلية بغيرها يتوقف الجسد الروائي العربي عن المشي والحركة؛ ظهرت بعدها مفاصل أخرى.. لأن نجيب محفوظ ختم مرحلة المراهقة وأدخل الرواية مع توفيق يوسف عياد مرحلة النضج، وحدث عن الخاصيتين اللتين ذكرتهما شيء مهم جداً، وهو أنه فتح الباب للرواية العربية كي تنتشر في المغرب والمشرق معاً، بعد أن كانت الرواية العربية تكاد تكون وقفاً على بلدين أو ثلاثة: مصر وبلدين آخرين في الشام: لبنان وسوريا؛ فالنضج الَّذي حققه نجيب محفوظ في الرواية العربية فتح الباب أمام الكُتَّاب من جميع أوطان العرب من المشرق إلى المغرب، وبذلك انتشرت الرواية وأصبحت عندنا رواية عربية في المغرب، في الجزائر، في تونس - لا أعلم شيئاً عن موريتانيا - حتى الآن في الصومال، في مصر، في السودان، في ليبيا، في كل الأقطار..، حتى دويلات الخليج الصغيرة أصبح فيها روايات، وتطبع بها روايات.
- هذا - في الحقيقة - فضل كبير لمرحلة النضج الروائي العربي، أن تصبح الرواية كما حدث في أخريات القرن الماضي هوساً عند المثقفين والأدباء؛ ليس معنى هذا أنها شيء مسلٍّ، وإنما ما زالت الرواية العربية تحمل على كاهلها مسؤولية ضخمة والتزاماً كبيراً.
- لو أتيح لي أن أقوم بجولة بانورامية - أي شاملة - عن الوطن العربي والرواية العربية، وأرشح شيئاً آخر غير ثلاثية نجيب محفوظ ولا رواية الصبي الأعرج لتوفيق يوسف عياد؛ لقلت لكم: إن هناك بعض الروايات الجزائرية الممتازة وأرشح لكم كاتباً مثل عبد الحميد بن هدوقة؛ هذا كاتب جزائري ممتاز - في الحقيقة - يليه كاتب جزائري آخر هو: الطاهر وطار، ثم كاتب جزائري ثالث هو: رشيد بوجدة، وهناك رواية جيدة من ثلاثة أجزاء لكاتب ليبي - حالياً - في القاهرة هو: أحمد إبراهيم الفقيه، وهذه - في الحقيقة - رواية جيدة جداً بالرغم من بعض المآخذ عليها، ولا يوجد شيء بلا مأخذ، على أية حال، والمأخذ لا يعني شيئاً خطيراً في النهاية ما دامت في إطار: إن الحسنات يذهبن السيئات. وفي مصر سنجد جيلاً بأكمله من الشباب يكتب الرواية، وإذا رشحت منه أعمالاً أو بعض أعمال هذا الجيل، لوجدت لجمال الغيطاني رواية الزيني بركات، بالرغم - أيضاً - من بعض مآخذي - أنا - الشخصية عليها، وخيري شلبي، وكاتب آخر مريض - حالياً - هو: إبراهيم أصلان؛ هؤلاء الكتاب الثلاثة - في الحقيقة - ينتظر على أيديهم الكثير بالنسبة للرواية العربية؛ إذا مررنا بعد ذلك بالسودان فسنجد الطيب صالح، وأنتم تعرفونه جميعاً، وأنتقل من السودان إلى المشرق، فسنجد من الشام في سوريا - في الواقع - على الأقل ثلاثة كُتاب، وفي لبنان ثلاثة أو أربعة، ثم نجد منطقة الخليج والعراق ودويلات الخليج؛ سنجد - أيضاً - في المملكة العربية السعودية، صحيح الرواية الحقيقة لم تنضج النضج الكافي، غير أن هناك محاولات كثيرة قرأت بعضها، ومنها محاولات الأستاذ جفري - وهو موجود معنا - تنم على دراية كافية وإمكانيات خصبة..، وأهم حاجة في الرواية الإمكانات والدأب والاستمرار، لأنه ليس برواية واحدة يعد الروائي روائياً، وليس كل ربع قرن رواية يعد الروائي روائياً؛ أيضاً لابد من الدأب المتواصل والاستمرار على الإنتاج الروائي.
- ملاحظة أخرى أنا استقيتها من تاريخ الرواية العالمية، وهي أن الرواية ليست من الشباب على الإطلاق، وإذا جئنا لأفضل الروائيين في العالم - حالياً - سنجد أن أفضل الروايات التي أنتجوها كتبوها بعد سن الأربعين، وأقصدُ من هذا أن الرواية فن عويص وصعب، ومركب يحتاج إلى خبرة عالية بالحياة وخبرة عالية - أيضاً - بفن الرواية ذاته؛ فهذه الخبرة لا يمكن أن تتم في مرحلة الشباب، لكن الَّذي يتم في مرحلة الشباب التمرينات التي توصل إلى النضج والجودة العالية، وبعد ذلك يستقر الإنسان ويصبح مبدعاً ناضجاً.
- هذه إلمامة سريعة، أرجو ألاَّ أكون قد أثقلت عليكم بها.
 
ثم وجه الأستاذ مصطفى عطار سؤالاً قال فيه:
- بعد الترحيب المتكرر بسيادة أستاذ النقد الكبير في بلادنا العربية، الأستاذ الدكتور: علي شلش أرجو أن نعلم منه: هل كتب سيرته الذاتية في مؤلف مستقل، فمبدع مثله وناقد متفرد في الساحة، وصاحب صلات وثيقة بكبار مفكري مصر العظيمة، لا شك عنده الكثير مما يثري الفكر ويبهج النفس، ويمتع الوجدان؟
وأجاب الدكتور شلش على السؤال قائلاً:
- والله هذا سؤال وجِّه إليَّ الليلة قبل أن آتي إلى هذه المنصة، ومع احترامي الشديد لهذا السؤال، أنا في رأيي الشخصي جداً عن السيرة الذاتية، أعتقد أنها تعبير غير حقيقي؛ كيف تكتب سيرتك الذاتية؟ كيف تعود فتتذكر كل دقائق حياتك؟ هل الإنسان الفرد العاجز الضعيف هذا كمبيوتر يستطيع أن يتذكر كل ما عن له، وحدث له في الماضي البعيد والقريب معاً؟ أنا لا أعتقد في هذا على الإطلاق.
- ذات مرة قرأت سيرة ذاتية لم يصدر منها إلاَّ جزء واحد، ومات صاحبها دون أن يتم سيرته، وهو الكاتب الفرنسي جان بول سارتر؛ عنوانها: الكلمات، فيتذكر أشياء منذ سن الخامسة، طيب إذا تذكر واقعة من الوقائع.. كيف يتذكر باقي الوقائع؟ من المستحيل أننا نتذكر بالتفصيلات الدقيقة، إلاَّ إذا كنا نكتب يوميات يوماً بيوم. فتصبح هذه اليوميات إما مادة السيرة أو هي السيرة ذاتها؛ فأنا لم أكتب يوميات يوماً بيوم ولا فعلت شيئاً من هذا، ولذلك أنا أعتقد أن أفضل طريقة لتسجيل التجارب هو تسجيلها على سبيل تسجيل الذكريات، أنا أريد أن أقول من هذا: إن السيرة الذاتية عملية صعبة، ولكني فكرت فيها وكتبت بعض فصولها ونشرت بعض هذه الفصول، وأرجو أن يتيسر لي أن أجمعها أو أتمها.
ووجه الأستاذ محمد عبد الكريم البدوي السؤال التالي:
- أرجو التكرم ببيان أفضل روايات القاص الكبير علي أحمد باكثير (رحمه الله) كما أود الإشارة إلى أفضل رواية في الأدب الغربي المترجم للعربية من وجهة نظركم، الأستاذ محمد عبد الكريم البدوي؟
ورد الدكتور علي شلش بقوله:
- أنا يعجبني في هذه الأسئلة أنها ضخمة جداً، وهناك قول شهير: إذا أردت أن تصطاد سمكاً كبيراً فاستعد له بسنارة ضخمة؛ وأنا ليست عندي سنارة ضخمة لكي أصطاد جواباً لهذه الأسئلة الضخمة.
- بالنسبة للأستاذ علي أحمد باكثير فأفضل رواية له هي: "واإسلاماه" في الحقيقة فهي من الروايات الجيدة، وهي جزء من تيار الرواية التاريخية الَّذي بدأ مع الرواية العربية منذ سنتها الثانية؛ أما أفضل رواية ترجمت إلى العربية فمن الصعب أن أقول إنَّ أفضل رواية مترجمة إلى العربية هي كذا، لأنني لا أحب أفعل التفضيل، - في الحقيقة - ولكني أقول: إن من أجود أو من أفضل الروايات التي ترجمت إلى العربية هي روايات ديستوفسكي الروسي، ورواية الحرب والسلام لزميله توليستوي وبعض روايات بلزاك، وهي لم تترجم كلها - في الحقيقة - لكن بعض الروايات ترجمت في الخمسينات ونشرت في روايات الهلال، وكذلك يعني روايات للكاتب الفائز بجائزة نوبل جابريل جارسين ماركيس الكولومبي، لأنه قريب منا، من العالم الثالث مثلنا؛ هو صحيح خلق له مصطلحاً ظنه الناس في الغرب أنه جديد. وهو ليس جديداً علينا بالمرة ولا على غيرنا؛ مصطلح الواقعية السحرية هو مصطلح غريب - في الحقيقة - لأنه في بعض رواياته تجد أشياء خرافية تحدث من حيث لا تدري ولا تحتسب؛ فهذه الواقعية السحرية نحن من أوائل آبائها الحقيقيين، وعندنا أكبر عمل عربي دليل على هذا؛ صحيح إنه ليس عربياً 100% ولكن التأليف العربي دخله وسيطر عليه وهو ألف ليلة وليلة؛ ألف ليلة وليلة مليئة بتلك الواقعية المسماة بالسحرية، فبالرغم من هذا فهو عنده روايات جيدة جداً.
- في الحقيقة أنا قرأت حتى الآن له أربع روايات على الأقل جيدة جداً، ومنها أقصر رواية كتبها وهي: "لا أحد يكتب للعقيد" العقيد رتبة في الجيش، والعقيد في الرواية رجل خاض غمار حرب أهلية في كولومبيا في نفس بلد الكاتب، وخرج من الحرب الأهلية عاطلاً ليس عنده مال ولا عيال، وابنه الوحيد مات وترك له ديكاً؛ في أمريكا الجنوبية وكولومبيا بالذات يتسابقون مثل الإسبان على مصارعة الديكة بدل مصارعة الثيران؛ فالولد كانت كل ثروته في الحياة ديكاً كان يعده للدخول في مسابقات مصارعة الديكة؛ فخلف هذا الديك للأب والأم العجوز، والرجل هذا الكولونيل المتقاعد ينتظر بعد تقاعده راتباً تقاعدياً يأتيه من الدولة.
- غير أن الأيام تمر ولا يأتيه أي شيء فلا أحد يكتب للعقيد ولا أحد يرسل له خطاباً؛ ومن الطريف في هذه: ذهب العقيد إلى مكتب البريد المحلي لكي يتلقى خبراً عن هذا الراتب الَّذي لم يأت على الإطلاق، فوجد طبيب القرية ووجد تحت إبطه مجموعة من الصحف الأجنبية التي تأتي إلى كولومبيا؛ فقال له: ما هذا كله؟ فقال له: هذه صحف إنجليزية وفرنسية وإيطالية؛ فطلب أن يطلع على بعض هذه الإضمامة التي يتأبطها، فأعطى له بعضها وتصفح بعضها؛ فلاحظ هذا الشيخ العجوز ملاحظة غريبة، لاحظ أن أخبار بلده كولومبيا موجودة في كل الصحف التي قرأها بينما هي غير موجودة في صحف بلده، فكان له تعليق طريف وجهه للطبيب قال فيه: ما دام أنهم يكتبون عنا ونحن نكتب عن بلدهم؛ فلماذا لا نتبادل المواقع.. نذهب لنعيش في بلدهم ويأتون ليعيشوا في بلادنا؟.
- في الواقع: هذا تصوير دقيق لحال العالم الثالث، عبر عنه العقيد تعبيراً فنياً وراقياً جداً.
- وانتهت الرواية على هذا الشكل، دون أن يتسلم العقيد راتباً أو رسالة.
 
- ثم قرأ الأستاذ عدنان صعيدي السؤال الَّذي تقدم به الأستاذ أمين عبد السلام الوصابي - رئيس تحرير مجلة بلقيس اليمنية - والَّذي جاء فيه:
- لازال الكثير من القُرَّاء أو المتلقين للأدب بشكل عام يجهل أوجه العلاقة بين الأسطورة والحكاية والرواية؛ وبالتالي أين تضع حكاية ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة في السياق الأدبي؟
- وهل النقد الأدبي استطاع أن يواكب كافة الأعمال الروائية في نظركم؟
وأجاب الدكتور علي شلش على السؤال بقوله:
- يتبع ما قبله سؤال صعب وطويل سلَّمه؛ وعلى كل حال ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة بالذات هما أشهر عملين قصصيين عربيين موروثين، بالرغم من أن أصولهما غير عربية؛ ولا بأس أن تكون الأصول غير عربية، هذه المسألة لا تضيرنا ولا تشعرنا بالنقص على الإطلاق؛ لأن ما حدث في واقع الأمر كان أكثر تفوقاً من الأصل الهندي لكليلة ودمنة والأصل الفارسي لألف ليلة وليلة؛ لماذا الآن بالنسبة لألف ليلة وليلة الأصل الفارسي صحيح اسمه: "هزار أنسان" يعني ألف ليلة، فجاء العرب وقالوا ألف ليلة وليلة؛ أضافوا ليلة كثَّر الله خيرهم، لأنهم يتفاءلون بالرقم المفرد الَّذي يأتي بعد الرقم المصمت مثل الألف؛ وهذه إضافة مهمة جداً وخطيرة، لكن الإضافة الأخطر حصلت في مصر.. حصلت في هؤلاء الحرافيش الحكائين المسامرين، الَّذين ينتشرون على المقاهي في مصر في قرون السيطرة المملوكية والعثمانية، لما فضوا غلهم وإحساسهم بالظلم الشديد في صورة هذه المسامرات التي كتبوها وأضافوها إلى الأصل الأصلي لألف ليلة وليلة.
- في الحقيقة: حين تقرؤون النسخة المصرية من ألف ليلة وليلة، نشعر - تماماً - أن الإضافة العربية للأصل الفارسي إضافة مبدعة لم يساوها ذاك الأصل المفقود حتى الآن، لأننا لا ندري أين ذهب ذلك الأصل الفارسي؟ لكن قيل عنه ووصلنا ما فيه.
- أما كليلة ودمنة: فإذا كان له أصل هندي كما يقول بعض المستشرقين، الَّذين لم يستطيعوا حتى الآن إقناعنا بأن له أصلاً هندياً، إذا حدث هذا وظهر له أصل هندي - كما يزعمون - فالأخطر من هذا كله أن النسخة التي نتداولها والتي نقلها الهنود عن ابن المقفع، هي نسخة ابن المقفع، وهي إبداع ابن المقفع نفسه؛ وأنا أتصور أنه أُعدم بسبب كليلة ودمنة، وأنه لم ينفذ المثل العربي القديم المشهور: "لا تجعل لسانك يأتي على عنقك" فهو - الحقيقة - لم يجعل لسانه يحفظ عنقه، أطلق لسانه فراح عنقه؛ فابن المقفع - في الواقع - أضاف إلى الأصل الهندي لحكايات بشليم الملك والفيلسوف، وأسلوب ابن المقفع عالٍ جداً عن الأصل الهندي الَّذي يزعمون أن له وجوداً مستقلاً، لكن الأخطر من هذا وذاك تأثير هذين العملين في الأدب العالمي، أما تأثيرهم في الأدب العربي فمحدود جداً، ولم يبدأ إلاَّ مؤخراً جداً، طوال القرون الماضية كانت ألف ليلة وليلة تعتبر مواطناً من الدرجة الثانية في دولة الأدب، واقرؤوا المسعودي على سبيل المثال تجدونه يصرف النظر عنه، لأنه يعتبره سقط المتاع، المحدثون اكتشفوا ألف ليلة وليلة من تقدير الآخرين لها - وأعني الأوروبيين - فبدأ التأثر بألف ليلة وليلة ابتداءاً من الثلاثينات.. ابتداءاً من توفيق الحكيم وطه حسين، وانتهاءاً بنجيب محفوظ، وبالمناسبة نجيب محفوظ له كتاب كامل رواية كاملة مقتبسة أو مستوحاة من ألف ليلة وليلة؛ وهذه الرواية لم تنل حقها - أيضاً - حتى الآن، وهي رواية حقيقة.
 
- فالغربيون - أو الأوربيون وغيرهم أيضاً - أخذوا هذين العملين.. ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، واستفادوا بهما إلى أبعد درجات الاستفادة، ووضعوا لهما موسيقى، فهناك سيمفونيات موضوعة على ألف ليلة وليلة ووضعوا مسرحيات عن ألف ليلة وليلة وروايات كثيرة، واعترفوا ككُتاب بأنهم ما كتبوا رواياتهم إلاَّ بعد أن قرؤوا ألف ليلة وليلة، بل إن أحدهم وهو سماروثوم - كما أوضحت بالأمس - تمنى في آخر حياته لو تعلم العربية على كبر لكي يقرأ كتاب ألف ليلة وليلة في لغتها الأصلية؛ على أي حال.. حسناً ما فعلنا في النهاية، يعني أننا انتبهنا لشيء يُعَدُّ مُهِمّاً في تراثنا.
 
- أما الإجابة عن السؤال الخاص بالأسطورة والحكاية والخرافة، فلنبدأ من هذين الكتابين - أيضاً - لأن فيهما الحكاية والأسطورة والخرافة، فالثلاث مجتمعة في هذين الكتابين ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة فيهما أساطير، أساطير معناها أن الإنسان عندما يعجز عن تفسير ظاهرة من الظواهر يختلق شيئاً عنها، ويرد هذا الشيء إلى قوة غيبية أو قوة غير منظورة أصلاً؛ قبل أن تعرف الأديان المشهورة المعروفة عرفت الأساطير، فجاءت الأديان حاربت الأساطير وهذا هو تاريخ الأسطورة، والأسطورة موجودة في كل المجتمعات البدائية التي لم يصلها دين من الأديان، ولا وصلها علم من العلوم؛ مثل بعض مناطق في أفريقيا، أو في الأهالي الأصليين في استراليا، والأهالي الأصليين لأمريكا، أو الهنود الحمر.
 
- أما الخرافة فلها في تراثنا العربي معنى مختلف، نحن نعرف أن حديث الخرافة غير حديث الحقيقة، وأن الخرافة هي الاختلاق، وهي - أيضاً - بمعنى قريب من معاني الأسطورة.
 
- أما الحكاية فلها أنواع شتى أو مختلفات، وكثيرة، فمنها الحكاية الشعبية، والحكاية الوعظية، والحكاية القائمة على المثل كحكاية: "رجع بخفي حنين"، هذا مثل له حكاية ولا يمكن فهم المثل دون أن تُفهم محدثك القصة الأصلية التي احتواها المثل؛ وهي قصة السيد حنين الَّذي خرج ثم عاد بخفيه ولم يعد بمغنمه، أو بما كان يطمح إليه (1) .
 
- فهذه الأنواع الأدبية القديمة العريقة - التي ندرجها اليوم في علم الفولكلور وفي النشاط الشعبي للشعوب - هذه أنواع تعدّ من أمهات الآداب؛ يعني لا يوجد أدب إلاَّ استعان في أوله بالأساطير والحكايات والخرافات؛ وحتى الآن يستعير الأدباء من هذه الأساطير والخرافات والحكايات أشياء كثيرة؛ أهمها الدلالات الرمزية التي تحتويها الأسطورة؛ من حق أي كاتب مبدع أن يأخذ الأسطورة، وأن يغير ما شاء له أن يغير في الدلالة النهائية التي تهدف إليها، أو الرمز الَّذي يحتوي إحدى شخصياتها؛ فنحن من الناحية الأدبية لسنا ضد الأساطير ولا الحكايات، ولا هذا كله ما دام أي مصدر خارج على الأدب ولكنه يخدم الأدب فهو حق أدبي.
ووجه سؤال من الأستاذ عثمان مليباري جاء فيه:
- كنت أقرأ لك مقالات نقدية تحت عنوان: "في حدود الأدب" داخل مجلة الشرق الأوسط التي تصدر كل أربعاء، تلك مقدمة قصيرة جداً تمهيداً لطرح سؤال، وهو تصدر في خليجنا مجلات ثقافية أدبية مثل: المنهل، والمجلة العربية، والحرس الوطني، والفيصل السعودية، والمنتدى الإماراتية، ومجلة العربي، والبيادر الكويتية؛ هل هذه المجلات حققت وظائفها الحقيقية من حيث المضمون والإخراج؛ مثل ما حققت مجلة الرسالة وأخواتها الثقافة والكاتب؟ آمل الإجابة بصراحة، ولكن في حدود الأدب مع عاطر التحية.
وأجاب الدكتور علي شلش على السؤال بقوله:
- الواقع إننا لا نستطيع الحكم على شيء أو على مجلة أو ظاهرة إلاَّ إذا انتهت هذه الظاهرة، نحن الآن نحكم على رسالة الزيات لأنها انتهت وتوقفت، كيف نحكم على مجلة المنهل وهي عامرة ومعمرة ولم تتوقف؟ وكيف نحكم على أي مجلة وهي لم تتوقف؟ من الصعب - في الحقيقة - أن يكون الحكم موضوعياً؛ لذلك نحن نقول: إن هناك وظيفتين للمجلة الأدبية؛ الوظيفة الأولى يحددها ويعينها مؤرخو الأدب ودارسوه؛ والوظيفة الأخرى يحددها محرر المجلة أو ناشرها؛ فإذا تكلمت عن الوظيفة التي يحددها محرر المجلة وصاحبها أو ناشرها، فهذه الوظيفة عادةً ما تكون برنامجاً طويلاً طموحاً في العادة، وعادةً ما يظهر هذا البرنامج في أول أعداد المجلة كافتتاحية، كما حدث مع الزيات في الرسالة؛ افتتاحية الرسالة سنة 33، وافتتاحية مجلة الثقافة سنة 39، وغيره وغيره..
- فانظر تلق لو قرأت الافتتاحية تجدها برنامجاً تشابه خطبة العرش عندنا في البرلمان المصري أيام زمان؛ أما الحكومة الجديدة فتقدم برنامجها للسنوات القادمة أو للسنة القادمة، وهو - في الواقع - برنامج مليء بالطموح وأحياناً الطموح المستعصي على التحقيق، ولكن نحن نقول يعني أفلح إن صدق.. أفلح المحرر إن صدق في كل ما كتب من برنامجه أو محيطه.
 
- والمجلات التي نجدها الآن مجلات كثيرة - في الحقيقة - أمر بالشوارع بعض شوارع لندن العربية؛ وأرى منصات الصحف والمجلات العربية فأصاب بحيرة شديدة ماذا آخذ؟ وماذا أترك؟ فهذا العدد الضخم من المجلات من يقرؤه وإلى أن يذهب وماذا يعمل؟ كم تدور بذهني أسئلة مثل هذا؛ وكم يدور بذهني تفاؤل عجيب بأننا أمة قارئة من الطراز الأول، وإلاَّ ما كان هذا العدد الكبير من المجلات يمثل أمامي في بلدٍ ناء مثل لندن؛ ولكن بعد قليل تصاب بالإحباط لأنك إذا فتحت مجلة فلن تجد مطمحك على الدوام مع ذلك بالنسبة للمجلات والصحف - أيضاً - لا يمكن للمجلة الواحدة أو الصحيفة الواحدة أن تقرأ من أول عمود أو أول سطر إلى آخر سطر.. لا يمكن.
- هناك حادثة ظريفة حدثت لي، ذهبت ذات مرة لزيارة قريتنا بعد غياب طويل وأنا أشتغل بالصحافة؛ فجاءني أحد شيوخ القرية وفي يده صحيفة - وكأنه جاء ليجري لي امتحاناً متحفزاً جداً - وأول ما رآني قال لي: اجلس أود أن أسألك سؤالاً؛ قلت له: وما هو؟ قال لي: كم سنة لك وأنت تعمل بالصحافة؟ قلت له: حوالي 8 سنوات، قال لي: هل تستطيع أن تخبرني عن رقم عدد اليوم من جريدة الأهرام؟ فحرت جواباً والله العظيم وقلت له: هل من مسؤوليتي - أيضاً - أن أعرف رقم العدد اليومي المتغير؟ قال لي: ألم تقل إنك صحفي، فهل من المعقول أن الصحفي لا يعرف رقم العدد اليومي؟ فالناس في قريتنا والقرى المجاورة يقرؤون الصحف من رقم العدد إلى عبارة طبع في مطبعة كذا، وهي العبارة التي تأتي في نهاية الصفحة الأخيرة، فقلت له لوجود فراغ لديك، فأنت تقرأ الصحيفة من بدايتها إلى نهايتها، والأمر الآن يختلف عن ذي قبل، فأنا أشتري المجلة ربما قرأت الافتتاحية ومقالة أو مقالتين، أو قصة أو قصيدة، ثم ألقيت بالمجلة، أو على الأقل أجلت قراءتها لدورة أخرى، وهكذا..
- وهذه هي الصحافة والمجلات..، وهذه هي - أيضاً - وسائل الإعلام العصرية وأنا لا أقول هذا الكلام كنوع من التبرير لبعض القصور الموجود في المجلات والصحف العربية، لا عليهم ولا جناح عليهم، فليقصروا.. لكن فليستمروا لأننا في النهاية لن نستطيع أن نقرأ وأن نُحيط بكل ما يكتبون وينشرون.
 
ثم قدم الأستاذ يحيى السماوي السؤال التالي:
- كثيراً ما نسمع بالدعوات المنادية إلى إيجاد نظام أمن عربي أو نظام اقتصادي عربي، غير أننا لم نسمع بدعوة لإيجاد نظام أمن ثقافي، وفي وقت تعرف فيه أن الخراب الروحي الناتج عن غياب نظام أمن ثقافي عربي، هو أكثر دماراً من الخراب الجسدي الَّذي أضعف الأمة العربية؛ والسؤال: ألاَّ يعتقد أستاذنا الدكتور أنه آن الأوان لوضع نظرية أمن ثقافي جنباً إلى جنب مع نظام الأمن العربي؟ ولكم الشكر؛ الأستاذ يحيى السماوي.
 
وأجاب الدكتور شلش على ذلك بقوله:
- مع تقديري الشخصي للسؤال وصاحب السؤال، فأنا - الحقيقة - أعيب على ثقافتنا المعاصرة كثرة المصطلحات التي تنشئها كل يوم، كل يوم يطلع لنا مصطلح جديد، ثم نستخرج من هذه المصطلحات الكثيرة مصطلحات خاصة بكل قبيلة من قبائلنا الثقافية، قبيلة الأدباء وقبيلة الشعراء، وهلم جرا.. إلى ما لا نهاية؛ فهل هناك أمن ثقافي أصلاً؟ الأمن هو الأمن العام الَّذي يحفظه المجتمع على نفسه من أجل أفراده، هذا هو الأمن؛ فإذا اختلف مدلول الأمن فمعنى ذلك انتهاء هذا الأمن الأصلي؛ عندئذ نبحث عن أمن آخر نسميه ثقافياً مرة وطبياً مرةً أخرى.
- أنا لا أرى حاجة إلى إيجاد أمن ثقافي، ثم ماذا نريد من الأمن الثقافي، لكي نسعى إلى إيجاده؟ فالمثقف الحقيقي لا يطغى على أحد ولا يقبل من مثقف آخر أن يطغى عليه، فلا حاجة بنا إلى المصطلحات المجازية الكثيرة هذه، ولنطالب بالمصطلحات الأصلية؛ نحن نهرب من الحقيقة.. الحقيقة فلا يوجد أمن عربي، أما الأمن الثقافي - فيا سيدي - هناك أمن ثقافي في داخلنا، ونحن أحرص على أمننا الثقافي من أي شيء آخر، أما الأمن الحقيقي الَّذي لا نحرص عليه ولا نحرص على وجوده فهو الأمن العربي العام؛ الَّذي يجمع هذه الأمة العريضة الطويلة تحت مظلة واحدة واقية نحميها من الأخطار، نحذرها من النكبات والكوارث، نحفظ عليها كرامتها وكرامة أفرادها، هذا هو الأمن الحقيقي الَّذي نطمح إليه.
 
ثم جاء السؤال من الأستاذ محمد عبد الواحد:
- ذكرت يوم أمس أن ديوان العرب ليس الشعر وإنما هو الرواية، ولكنك عدت لتقول: إن الرواية حديثة ولم يعرفها العرب إلاَّ قريباً، وبالتحديد في عام 1870م في مدينة حلب؛ إذاً بماذا يمكن أن نسمي الأدب العربي المزدهر في عهد الأمويين والعباسيين؟ هل خلت هذه الحقبة من الشعر والقصص، ولا سيما وقد أشرت أن الإسلام قد ألغى الشعر كديوان للعرب؟
وأجاب الدكتور على ذلك قائلاً:
- الحقيقة: أن الإسلام لم يلغ الشعر ولم يصدر قراراً بإلغاء الشعر، بل بالعكس أنا قلت إنه أتاح للشعراء أن يعبروا عن أنفسهم لا أن يعبروا عن قبائلهم وتعصباتهم القبلية القديمة؛ هذا هو عمل الإسلام مع الشعراء؛ ومع هذا فظل الشعر حياً ومزدهراً حتى اليوم؛ ولكن الملاحظ لدارسي الشعر العربي القديم - وها أنا مرة أخرى أعود إلى هذه القضية - أن النموذج الجاهلي الَّذي علم الشعراء أن الشعر سجل العرب وديوانهم، هذا النموذج الجاهلي ظل مضطرداً وحياً حتى أربعينات هذا القرن؛ كان الشعراء حتى أربعينات هذا القرن، طبعاً فيه شعراء جددوا كثيراً، لكن الطبع العام؛ وأنا أذكر هنا مجموعة مقالات نشرها الأستاذ أحمد أمين في مجلة الثقافة سنة 1939م؛ وأثارت ثائرة مجموعة خصوم له على رأسهم مجموعة دكاترة.. أو الدكتور زكي مبارك؛ وحول القضية الدكتور زكي مبارك إلى مسألة شخصية بحتة في النهاية.
- المهم في القضية: أن دعوة أحمد أمين - باختصار - كانت للشعراء أن تدَعوا ذلك النموذج الجاهلي، لأن ذلك النموذج الجاهلي يخص الجاهليين وحدهم، ولا يخص الشعراء المعاصرين؛ وكان يدعو الشعراء المعاصرين إلى أن يبحثوا عن عصرهم ويعبروا عن هذا العصر؛ فإذن النموذج الجاهلي بالرغم من أن الإسلام عادى الجاهليين، لكن النموذج الجاهلي ظل مسيطراً عند المسلمين - للأسف الشديد - وظل مسيطراً في الشعر؛ أما إن الشعر نفسه ازدهر في العصر الإسلامي، فالإسلام لم يكن ضد الشعر، ولم يقل بشيء يعادي الشعر بحد ذاته، وإنما خص من كذب الشعراء ومن كذب الصور؛ فالَّذي حدث عندما تمددت الدولة العربية وانتشرت من الجزيرة إلى الأمصار، بدأت الدولة تأخذ شكل الدولة الحقيقي؛ ولكن أي نوع من الدولة؟ الدولة الأوتوقراطية التي يحكمها فرد واحد وتتسع، ويدخلها العديد من الأجناس والشعوب؛ ولذلك ازدهر الشعر في بلاط الخلفاء.
- كيف تسمون الشعر الَّذي ازدهر في بلاط الخلفاء سجلاً للعرب؟ حتى المتنبي، هل تعتقدون أن هذا الشاعر الفذ الَّذي أنجبته العربية، هل كان يعبر عن العرب حين كتب كل شعره؟ أبداً، كان يعبر عن المتنبي عن نفسه عن طموحاته، عن تطلعاته، عن كل هذه الأشياء..، ولكنه لم يعبر عن العرب.
- فهذا هو مقصدي: إن الشعر لم يعد ديوان العرب بظهور الإسلام الَّذي أصبح ديوان العرب هو النثر، والنثر منذ البداية ونحن نعرف أن العصر الجاهلي لم يكن به نثر إلاَّ ما سمي سجع الكهان؛ وبعد الإسلام بدأ النثر يكون له دور؛ بدأ تدريجياً بالخطابة في المساجد، ثم برقع الخطابة في الديوانية والإخوانية في الدواوين، وبين الأصدقاء، ثم كتب المسامرات وكتاب الأغاني، لما تقرؤه كله تلاقي فيه نثراً، الإمتاع والمؤانسة، والبيان والتبيين، البخلاء للجاحظ؛ كل هذا نثر أدبي عظيم جداً وفيه صور قصصية؛ فهذا كله تراث قصصي لكنه ظهر وسجل في وقت قريب متأخر؛ هناك بشكل مواز تراث آخر قصصي - أيضاً - شعبي، تمثل في السير الشعبية، وتمثل في الحكايات الشعبية التي ما زالت تتداول حتى الآن شفاهة.
- طبعاً كل هذا التراث في رأي الشخصي أنه هو أبو الرواية العربية الأصلية، لأن الَّذي حدث أننا عندما أخذنا كلمة الرواية من أوروبا حدث أننا تصرفنا في الكلمة والمصطلح؛ فحين نقرأ الروايات العربية الأولى خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن 19 - أي من 1865 لغاية 1895 - ستجد كل الروايات تستعين بجميع وسائل القص والسرد، ورسم الشخصيات، وإدارة الحوادث الموجودة في السير الشعبية وألف ليلة وليلة؛ إن الميلاد الأصلي والنشأة الأصلية للرواية العربية، فقد كانت في حضن التراث العربي المدون القديم، والتراث الشعبي غير المدون الَّذي تمثله السير الشعبية؛ فلهذا كله أقول: إن الشعر - فعلاً - لم يعد ديوان العرب، وإنما أصبح ديوان الشاعر المفرد، وكل شاعر مسؤول عن ديوانه؛ ولكن العرب - جميعاً - ليسوا مسؤولين عن ديوان الشعر ولا الشاعر نفسه مسؤولاً عن العرب، إلاَّ بقدر ما يحسن إليهم؛ هذه ناحية، الناحية الأخرى: أن الرواية هي آخر نمط من أنماط النثر العربي تطور في الآونة الأخيرة.
- أنا أتوقع - بمشيئة الله - تقدماً عظيماً، لأن هناك دلائل كثيرة على هذا في الوقت الحالي، وسوف تصبح ديوان العرب في القريب العاجل، في بدايات القرن القادم، وستصبح الرواية العربية هي ديوان العرب الحقيقي، لأنها بدأت تسجل كل شيء في حياة العرب؛ نحن نعرف أن الرواية بطبيعتها فن موضوعي يبحث عن الموضوعية في حياة البشر، والبشر في علاقاتهم بالمجتمع وفي علاقتهم ببعضهم البعض.
 
وقدم الأستاذ عيسى عنقاوي السؤال التالي:
- متى يتقبل الأديب النقد بنفس الروح التي يتقبل بها المديح؟
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- أعتقد بالثقافة، يوم تكون ثقافتنا الداخلية - أي طبعنا -، بمعنى عندما تتم تربيتنا بطريقة سليمة، نسمح للرأي المخالف - أو الرأي الآخر - أن يعبر عنه وأن يجد إلينا سبيلاً، ستتغير الأمور، لأن مشكلة النقد هو أن تربيتنا لا تقبل الشريك ولا تقبل الخلاف، ولا تقبل إلاَّ الطاعة العمياء، وعندنا مظاهر كثيرة لهذه التربية ستجدونها في الحياة اليومية وفي البيوت، وفي كل شيء..، الأب لا يرضى من ابنه أن يناقشه ولا الأخ يحب أخاه أن يعترض على رأيه، ولكن النقد ما هو مجرد خلاف ولا اعتراض.. النقد هو مناقشة؛ غير أن معناه الأصلي في ذهن الناس هو البحث عن العيوب؛ وهذا ليس صحيحاً.
- باختصار فالنقد: هو فن مناقشة الكتابات وطرق التعبير عن الآراء، وأنا شخصياً أسميه النص الموازي للنص الأصلي؛ وتراثنا مليء بهذه الأشياء المضيئة ولا نعمل بها على الإطلاق، يوم نعمل بهذه الأشياء المسكوت عنها، سوف يتغير شأننا ويتغير شأن النقد، ويرقى النقد أيضاً.
 
وقدم الأستاذ غياث عبد الباقي سؤالاً جاء فيه قوله:
- نريد رأيكم كناقد ومفكر عربي في موضوع الغزو الفكري، الَّذي تتعرض له الأمة العربية منذ فترة طويلة؛ البعض يقول: إن هذا ليس غزواً فكرياً بل تبادلاً ثقافياً؛ فهل حقاً هذا الادعاء؟ وإن لم يكن كذلك فما العمل للوقوف في وجه الغزو الفكري؟
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- والله يا سيدي أنا لا أقول إنه تبادل، فليس هناك تبادل للآراء، فلسنا أنداداً حتى نتبادل الرأي؛ التبادل - دائماً - يكون بين أنداد، ولا أقول إنه - أيضاً - غزو، ولكن أقول: إن حضارتهم هذه حضارة ساحقة ومسيطرة، ومهيمنة على العالم، وما نحن إلاَّ رعايا هذه الحضارة شئنا أم لم نشأ.. مهما فعلنا، فنحن - أولاً وأخيراً - مستهلكون لهذه الحضارة التي لم نساهم فيها، إلاَّ في الزمن الماضي العتيق؛ فعندنا أحد أمرين: إما أن نساهم في هذه الحضارة وهذه الثقافة بجدية وبعدم خوف على الإطلاق، وبثقة متناهية أيضاً؛ وإما أن نسكت فنهزم أكثر مما نحن مهزومون؛ وأنا أتصور أنه لا خوف علينا مما يسمى غزواً فكرياً إذا كان داخلنا مستوياً وناضجاً وواثقاً من نفسه.
- المأساة عندنا هي عدم ثقة بالنفس.. ماذا نخاف ولماذا نخاف؟ هم ينتجون هذه الأشياء ليعيشوا بها، ثم يعرضوها للبيع لأنهم يبيعون كل شيء؛ فما داموا يتاجرون.. فنحن كمشترين لنا حق الاعتراض؛ على أن رفضنا للسلع أو شراءنا لها لا يغير من الأمر شيئاً، إنما الَّذي يغير كثيراً هو ما بداخلنا؛ فلنصْحُ لأنفسنا حتى نرفع عدم الثقة الَّذي يعشش بداخل كثير منا، وألاَّ نحس بالخوف والخطر من أي شيء؛ وبذلك نستطيع أن نتسلح وأن نصون أنفسنا عن السقوط وعن التردي، وهذا هو الأساس.
 
ثم قرأ سؤال للشاعر الأستاذ مصطفى زقزوق موجه إلى المحتفى به قول:
- الشعر ديوان العرب وهو عنوان حضارتهم وسجل حوادثهم؛ فكيف نسمح للرواية أن تسلبه مكانته وتستهين بقدره، لتحتل الصدارة في تاريخ أمة لها أمجاد عريقة؟ وهل يعني ذلك موت الشعر كما يقال؟
وأجاب الدكتور علي شلش قائلاً:
- يا سيدي: كيف نشرع للأمور.. والأمور تسير على هواها؛ الشعر العربي الَّذي نعنيه.. هل هو الشعر العربي القديم الجاهلي، أم الشعر العربي الحالي في القرن العشرين؟ نحن حديثنا عن الأخير، ففي النصف الأخير من هذا القرن العشرين، تعالوا نستعرض الشعر العربي في الخمسين سنة الأخيرة، هل رأيتم شاعراً من الشعراء العرب يعبر عن العرب في كل شعره؟ وهل نستطيع أن نجمع شعر العرب في الخمسين سنة فنقول: إن هذا الشعر هو سجل العرب؟ أقول لكم: لا؛ فإذن الشعر لم يعد فعلاً ديوان العرب.
- ربما صدمنا بالتعبير، ولكن نحاول ندقق فيه وندرس مظاهره، سنجد الكثير من الدلائل والقرائن على ما أقول؛ وليس فيما أقول أي طعن في الشعر العربي؛ ولا إقلال من قيمته أو شأنه؛ وإنما هي مجرد فكرة تطوف بذهني منذ سنوات، وما زالت تشتعل بذهني كتساؤل إلى أن أقتنع بالعكس، فحتى الآن أنا مقتنع بأن الشعر العربي انتهى بظهور الإسلام، وأن الموجود منذ ظهور الإسلام هو الشعر ديوان الشاعر، والدليل على ذلك الشعر في الخمسين سنة الأخيرة.
 
ووجه الأستاذ أحمد عايل فقيه سؤالاً يقول:
- عبر دراسات هامة صدرت عن دار رياض الريس في لندن، قرأنا الدكتور علي شلش محققاً لأوراق مجهولة لم تنشر من قبل، للشيخ جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده؛ لماذا لا ترى صفحات مجهولة أخرى للشيخ محمد رشيد رضا؟
فأجاب المحتفى به قائلاً:
- الشيخ محمد رشيد رضا - في الواقع - ليس عنده شيء مجهول، لأن مجلة المنار تولت نشر كل تراث الشيخ محمد رشيد قبل أن يموت، وقد ظل يكتب إلى وفاته، هذه ناحية؛ ناحية أخرى: هو له بعض المراسلات الخاصة مع الأصدقاء، مثل الأمير شكيب أرسلان، فالشيخ رشيد؛ في الواقع لا أستطيع أن أقول أن له تراثاً مختفياً أو تراثاً مجهولاً؛ أما الَّذي كان تراثاً مجهولاً فهو الشيخ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وما زال عليَّ أن أعمل في هذا الميدان لكي أخرج مجلداً آخر للأفغاني ومجلداً ثالثاً باللغة الفارسية، لأن الأفغاني الَّذي قدم إلينا والَّذي طبع ونشر منذ سنوات العروة الوثقى ليس هو الأفغاني الحقيقي بالمرة، وإنما المجهول من الأفغاني أكثر من المعلوم.
- والجزء الَّذي أخرجته في لندن منذ سنوات لا يضم إلاَّ ما أملاه الأفغاني باللغة العربية، بقي بعد ذلك جزء آخر لما أملاه الأفغاني باللغة العربية أو الفارسية، ثم ترجم إلى إحدى اللغات الأوروبية، فجمعت له أشياء ترجمت إلى الفرنسية، وإلى الإنجليزية، وإلى الألمانية؛ طبعاً هو لا يعرف الفرنسية ولا الإنجليزية ولا الألمانية، وإنما كان عن طريق العربية والفارسية يُملي، لأنه كان يجيد اللغتين فينقل الناقل - أو المملى عليه - ينقل النص إلى اللغة الأجنبية، لأنه عاش في أوروبا فترة. الجزء الثالث والأخير من تراثه لا أقدر عليه وحدي، ولذلك سأحاول أن أشترك مع بعض المختصصين في اللغة الفارسية القديمة بالذات، ولكني لم أستطع الحصول عليه كله بعد، لأن هناك ست مقالات ما زالت في إيران، والقطيعة بيننا وبين إيران حالت بيني وبين الحصول على المقالات الست المذكورة، وأرجو في يوم من الأيام أن أحصل عليها فأترجمها.
 
ووجه فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني سؤالاً يقول فيه:
- لم أستطع أن أهضم ثناءكم العاطر على الأديب الروائي نجيب محفوظ، مع أن له كثيراً من الإسفاف والميوعة، والانحلال الخلقي الَّذي هوى بكثير من شبابنا إلى التفلت من الأخلاق الفاضلة الإسلامية؛ فما هي نظرة سيادتكم إلى هذه الأمور المخلة بالآداب؟ وشكراً.
وأجاب المحتفى به على ذلك بقوله:
- المخلّ بالآداب له عقاب تتولى الدولة تنفيذه وليس من مسؤوليتي كناقد، لأنني لست جهة أمن ولست شرطياً، وإنما أنا رجل مشتغل بالأفكار، أقول له: إن فكرك خاطئ في نظري، وإن الفكر الَّذي أراه هو كذا، إن أراد أن يأخذ به فأهلاً وسهلاً، وإن لم يرد فأهلاً وسهلاً؛ ولكن دعني أقل لك: إن ما كتبه نجيب محفوظ في هذا المعنى أو ما تأخذ عليه في هذا الخصوص لا يتساوى مع ما نتحدث عنه مما يسمى بالغزو الثقافي، فإذا كنا من الداخل محصنين فلماذا نخاف من الأدب أو من بعض الأشياء التي تدخل في دائرة الأدب؟ ثم هناك سؤال آخر أسأله: ألا توجد حسنات وسيئات، فإذا كانت الحسنات يُذهبن السيئات فلماذا لا نقبل أن يكون لنجيب محفوظ سيئات وعنده حسنات، وربما تكون حسناته أكثر من سيئاته؟
 
ثم وُجِّه سؤال من الشريف منصور جاء فيه:
- هل الرواية أو القصة قادرة على القيام بدور الشعر؟ فهل تندب الموسيقى عشيقها الَّذي لا ترقص إلاَّ على إيقاعه ويأتي يوم تغني فيه الرواية؟
ورد الدكتور علي شلش قائلاً:
- عظيم، التعبير ظريف وجميل؛ والله يا سيدي ربما تغنى الرواية في يوم من الأيام، وما الأوبرا أو السيمفونية إلاَّ رواية مسموعة؛ فأنت حين تستمع إلى سيمفونية لبيتهوفن هي رواية ولكنها رواية مسموعة في الحقيقة؛ ليست مكتوبة.. مكتوبة في شكل رموز لا نفهمها إلاَّ إذا تخصصنا فيها.. وهي النوتة الموسيقية، ولكنها في النهاية هي رواية، وتوجد كتب ملخصات باللغات الأخرى غير العربية للأوبرات والسيمفونيات جميعها، فلو قرأنا هذه الكتب سنشعر - فعلاً - أن بيتهوفن وغيره من الموسيقيين قد ألفوا روايات لكنهم ألفوها بالنغم، وأنا معك وأنتظر اليوم الَّذي تتحول فيه الرواية إلى نغم.
 
وتقدم الأستاذ صالح متعب الغامدي بسؤال قال فيه:
- ظهر هنا جيل من النقاد عندما نقرأ ما يكتبون نجده كلاماً أجوف مع وجود ظاهرة من خلال ما يكتبون، أن نقدهم ليس إلاَّ للنقد والخروج عن الإجماع، ثم نقدهم للكاتب - دون ما يكتب - يصل - أحياناً - إلى التجريح، فما هي نصيحتكم لمثل هؤلاء؟
وأجاب الضيف قائلاً:
- نصيحتي ألاَّ يوقفوا نقدهم بل أن يستمروا في النقد، فنحن لا نخاف من الجراحين ولا من الشتامين، فمن أراد أن يشتم فليشتم ما دام في حدود الرأي الآخر، ولكن سيأتي عليه يوم سيندم على ما فعل حين تزداد ثقافته.
 
السؤال قبل الأخير تقدم به الدكتور سامي عبد العزيز وقال فيه:
- لماذا الاكتئاب هو السمة الغالبة على أدبنا شعراً كان أو نثراً، أو رواية؟ وكأننا في حاجة إلى جرعة اكتئاب.. هل لذلك جذور وواقع؟
وأجاب الدكتور علي شلش على سؤال الدكتور سامي بقوله:
- نحن نتساءل كما تساءل القدماء الَّذين قالوا: "فسر الماء بعد الجهد بالماء" إذا كانت الكآبة، والضيق، والغم، والكوارث جزء من واقعنا، فلماذا نعترض على أن يكون الغم خاصية من خواص أدبنا؟ هذا شيء طبيعي ولا تخشوه ولا تنزعجوا، ولا تتشاءموا - أيضاً - إذا رأيتم هذا، لأن هذا صدق، وما دام في حدود الصدق في التعبير.. فأهلاً وسهلاً، ولكنني أخشى المزيف الَّذي يأتي فيقدم لي شيئاً كاذباً أو مضحكاً، في وقت أنا فيه أحق بالعزاء، نحن - الآن - في حالة عزاء، فلنتقبل العزاء إلى أن تمر الجنازة أو ينتهي المأتم.
 
وقدم السؤال الأخير محمد عبد الواحد وقال فيه:
- هناك من يقول: إن صوت المتنبي ليس صوت شخص اسمه أحمد، وإنما صوت الينابيع الأصيلة في مجتمعه، إنه صوت أمة بكاملها؛ فكيف تقول إن المتنبي لا يعبر إلاَّ عن نفسه؟
ورد المحتفى به قائلاً:
- أنا أطلب الحقيقة ولا أقصد ظلم المتنبي؛ ولكن مشكلتي الوحيدة أنني لا أحفظ، فلو كنت من الحفظة لألقيت عليك الكثير من شعره الَّذي تخجل كعربي أن تسمعه وأن تقرأه؛ هذه ناحية خلافية، لكن أن نختلف أو لا نختلف.. هذه قضية أخرى، فأنا لست المتنبي؛ ولكني أقول: إن المتنبي كان يعبر في الأساس عن نفسه لا عن العرب، فلم يجنده أحد ليدافع عن العرب، ولم يكن للقبيلة في العصر الَّذي ظهر فيه المتنبي ذلك الشأن الَّذي كان لها في الجاهلية. فقد كانت الأمور أكبر من القبائل وأكبر من الدولة الصغيرة، كانت الدولة مترامية الأطراف تربطها العقيدة الواحدة ويربطها الولاء لهذه العقيدة؛ هذا عصر المتنبي، لكن عصر الجاهلية شيء مختلف تماماً، فإن كنت من عشاق المتنبي فأنا - أيضاً - من عشاق المتنبي بلا شك.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :717  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 108 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.