شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار ))
 
افتتح الدكتور غازي زين عوض الله باب الحوار بالسؤال التالي:
- كيف يستطيع الأديب الروائي أن يوفق بين الحرية والالتزام في نظرية الأدب، وأين موقعك الجغرافي من هذه الخارطة؟
- أنا بالمناسبة يا إخوان لو أذنتم لي أن أقترح عليكم أن البعض هنا أساتذة أجلاء، وليس من الضروري أن أتولى الرد على كل الأسئلة، وأرى أن توزع الأسئلة على أولي المعرفة كالدكتور الشكعة مثلاً، فبعض الأسئلة صعبة وتحتاج إلى متخصصين للإجابة عليها.
- والسؤال الَّذي قدمه الدكتور غازي.. وهو كيف يوفق الأديب بين الحرية والالتزام؟ أظن حكاية الالتزام تحتاج إلى إجابة من شخص ذي مقدرة في تحليل قضية الالتزام كيف جاءت إلى العالم العربي، أعتقد أن هذه القضية عرفت طريقها إلى عالمنا العربي في الأربعينات أو الخمسينات بعد الحرب العالمية، وحسب علمي فإنها جاءت على أيدي بعض العلماء الفرنسيين؛ وعلى وجه التحديد جان بول سارتر الَّذي كانت له آراء متناقضة، فقد كان كاثوليكياً.. وكان شيوعياً.. وكان وجودياً.. وكان فرنسياً، فأراد أن يجد مخرجاً يربط بين هذه الأشياء فاخترع حكاية الالتزام؛ بعدئذٍ قام إخواننا اللبنانيون بترجمة أعمال سارتر في بيروت تحدثوا عن الالتزام، حتى صدعوا رؤوسنا بقضية الالتزام سنوات عديدة لأنها قضية لا تهمنا حقيقة؛ فنحن لنا مشاكل ولكنها نابعة من منطق فلسفي وفكري ووجودي، تختلف كثيراً عن معنى هذه القضية، ويمكن أن نطلق عليها المسئولية مثلاً.
- في واقع الأمر أنا لم أشعر أن هناك تناقضاً بين هذا وذاك إلى الآن.
- وتقدم الأستاذ عثمان مليباري بسؤاله التالي:
- يا سيدي سررنا من كلامك الرصين وحديثك الممتع، وبصفتك أحد الأدباء السودانيين ومن الروائيين المشهورين في العالم العربي.. نود معرفة رأيك في كُتَّاب القصة في السودان الحبيب، وهم الأساتذة: معاوية محمد نور، والطيب زروق، وعيسى الجلو، عثمان علي نور، علي الملك، والزبير علي، ولك عاطر التحية؟
- فأجاب المحتفى به بقوله:
- أنا هنا يمكن أن أتحدث عن اثنين أو ثلاثة من هؤلاء وهما: معاوية محمد نور وعلي الملك. معاوية محمد نور كان من نوابغ السودانيين، تعلم في كلية غردون أيام الإنجليز، وكان من معاصري وأنداد محمد أحمد محجوب (رحمه الله) الَّذي أصبح رئيساً للوزارة؛ وكان شاعراً مجيداً، وكان محباً للغة الإنجليزية ونابغة في هذه اللغة؛ الإنجليز لسبب ما لم يرسلوه إلى أكسفورد أو كمبردج وهذا شيء غريب، لأن المستعمرين مفروض أن يحببوا الناس في ثقافتهم، لكنهم لم يفعلوا شيئاً من هذا القبيل لذلك تركوه يذهب لبيروت ويدرس على حساب أهله في الجامعة الأمريكية في بيروت؛ ودرس اللغة الإنجليزية ثم ذهب إلى مصر وعاش فيها واتصل بالعقاد؛ وكان يكتب مقالات حقيقة حين يقرأ بعضها هذه الأيام نجده ما يزال متقدماً على زمانه، العقاد أشاد به إشادة كبيرة، وعاد إلى السودان ومات - مسكيناً - في ظروف مأساوية، هذا الرجل مات وعمره اثنان وثلاثون عاماً؛ وكانت حياته مليئة بعناصر المأساة وإلى الآن لم يجد حقه من التقدير الكافي حتى من السودان.
- علي الملك (رحمه الله) صديقي توفي منذ شهر؛ علي الملك كان أستاذاً "بروفيسور" في جامعة الخرطوم، وكان يكتب المقالة والقصة؛ وكان من أكثر الناس علماً بالحياة السودانية وبمدينة أم درمان التي نشأ فيها؛ ويعرف كل الأجواء الغناء والشعر القومي؛ موته خسارة كبيرة جداً؛ وأنا أضمر له احتراماً كبيراً وأترحم على فقده.
 
- وتقدم الدكتور محمد حمدون بسؤال يقول فيه:
- في دومة ود حامد انتهينا مع الطيب صالح إلى أن المكان متسع جداً يتسع للضريح والدومة والمحطة والباخرة..، بعد هذه السنوات والأحداث، هل لا يزال المكان متسعاً جداً؛ وهل كثر بيننا الأولاد الغرباء أم لا نزال غرباء؟
- فأجاب الأستاذ الطيب صالح قائلاً:
- هذا سؤال جميل جداً، هذه القصة بالمناسبة قصة أحبها لأني كتبتها في ساعة صفاء عام ستين، وكنت عند أهلي في شهر رمضان، وكنت أكتبها وأنا صائم طبعاً؛ وكتبتها ببساطة شديدة وإحساس بدون أية كلفة، والنتيجة التي توصلت إليها أن المكان يتسع لكل شيء للباخرة والضريح وماكينة الماء..، لم أجد في حياتي إلى الآن شيئاً يجعلني أغيره، وأنا أظن أن من مشاكلنا في العالم العربي أننا نريد المكان يتسع لشيء واحد لكن ومن البديهيات أن المكان الواسع لابد أن يتسع لأشياء متنوعة، خلافاً لما يريده البعض من ضرورة احتواء المكان على حاجة واحدة؛ وأعتقد أن مهمة الأدب والفكر والفن في هذا العصر - بالنسبة للعالم العربي - يجب أن تؤكد هذه الفكرة البسيطة.
 
- وتوجه الأستاذ نادر صلاح الدين من مجلة المنهل بسؤال يقول فيه:
- الإبداع قد يستكين ولكنه لا ينتهي، وعلى الرغم من ذلك فيبدو أن متاعب الحياة قد حرمتنا من الروائي الأديب الطيب صالح؛ نتمنى أن يكون هذا الحرمان من إبداعاته مؤقتاً وأن يسعدنا بإبداع جديد في الطريق؟
- فأجاب المحتفى به على سؤال السائل بقوله:
- إن شاء الله -.
 
- وتقدم الأستاذ إبراهيم علي الوزير بسؤال يدور حول الموضوع نفسه فقال:
- في هذا الزمن الصعب الفاجع الَّذي يمر به العرب والمسلمون - حيث وصل الإنسان إلى تمزق وكراهية وضياع، وشبه غيبوبة تكاد توحي بالموت - هل سنشهد قصة تصور هذا الواقع ووسائل الخروج من ظلماته، بريشتك المبدعة الخلاقة المضيئة للطريق؟
- فأجاب المحتفى به قائلاً:
- هذا السؤال يعطيني الفرصة لكي أقول كلمتين عن دور الرواية العربية: حقيقة أنا لا أظن أن هناك شخصاً سوف يضيء الطريق لا في الفكر ولا في الإبداع؛ هناك مجموعة من الناس يشتعلون كل واحد يضيء مساحة صغيرة، والرواية العربية يتساءل الناس عنها هل هي عالمية أم غير عالمية، أنا أرى أنَّ الرواية العربية عالمية بجميع المقاييس، وهناك مجموعة من الكُتَّاب كل واحد فيهم بدأ يستكشف قضية أو مشكلة، فهذه الأمور إذا اجتمعت بعضها إلى بعض سيكون لها دور فعال وربما النقد، يساهم - أيضاً - ففي سوريا نجد أخانا حنا مينا، يعمل بشكل جيد، في مصر عدد من الأساتذة، كأستاذنا نجيب محفوظ، وأستاذنا الجليل يحيى حقي، ويوسف إدريس (رحمه الله) وكثيرون..، وفي المغرب هناك عبد الرحمن منيف، وفي تونس كاتب أعتبره كاتباً كبيراً جداً اسمه البشير خريف (رحمه الله) لذلك علينا أن نترك التيار يشتعل في كل بلد عربي حتى يضيء الطريق للجميع، لكن ترك القضية على عاتق شخص واحد ونطلب منه أن يضيء القضية فهذا مستحيل.
- وتوجه السيد عيسى عنقاوي بسؤال يقول فيه: ما هي أسس وركائز الرواية الحديثة اليوم؟
- فأجاب المحتفى به: هذا سؤال جيد، طالما وجد في السؤال أسس وركائز فهذا من شأن الدكاترة الأكاديميين - أصلحهم الله - فهم الَّذين تدفع لهم الدول رواتب لكي يتحدثوا عن الأسس والركائز، فهنا الدكتور منذر العياشي فاسألوه عن الأسس والركائز.
 
- وتقدم الأستاذ رفقي الطيب بسؤاله الآتي:
- ماذا فعل العسكر بأهل السودان الطيبين؟ إنني أسألك بعيداً عن المقولة المشروحة بعدم التدخل في شؤون الآخرين، فنحن أمة واحدة ورسول الإسلام العظيم يقول: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم؛ ولذا فأنا أطلب منك الجواب؟
- وأجاب الطيب صالح قائلاً:
- هذا سؤال جميل؛ وبالفعل فكل مسلم وكل رجل في الأمة العربية الإسلامية مسؤول عن إخوانه، فالمسلمون كالبنيان يشد بعضه بعضاً، المسلم للمسلم.. لكن الواقع يقول غير هذا، فلو أبدى رجل شرقي رأياً في شأن مغربي لقام المغربي قائلاً: يا أخي ماذا تعرف عن شؤون المغرب؟ أما أنا فمن ناحية المبدأ وبحكم تكويني الفكري لا آمل خيراً كثيراً من العسكر في الحكم؟ هم ناس فضلاء وطيبون؛ ليست المشكلة هنا دائماً، ولكن تكمن في أننا نبعث بعض أبنائنا إلى دول شرقية وغربية لا تدين بالإسلام ونطلب منهم أن يتلقوا تعاليمهم هناك، وفي عودتهم يحاولون أن يطبقوا ما تلقوه من علوم عسكرية ينطبق على البلدان التي ابتعثوا إليها؛ لكن العلوم التي تعلموها غير صالحة التطبيق في بلادنا العربية والإسلامية.. في عصرنا الحاضر يسعى الواحد جاهداً ليتولى السلطة ليأمر وينهى في حين كان الصحابة (رضوان الله عليهم) عندما يطلب من أحدهم الخليفة أن يستعمله قاضياً أو أميراً على منطقة، يشرد الرجل ويهرب وينجو بجلده، لأنهم يعلمون أن المسؤولية عظيمة ولا يستطيع أن يتحملهما كل من هبّ ودبَّ؛ وإننا لنطلب من الله (سبحانه وتعالى) أن يصلح أوضاع المسلمين وأن يجنبهم شرور أنفسهم وسيئات أعمالهم.
 
- وقدم الأستاذ أمين عبد السلام الوصابي سؤالاً قال فيه:
- تمثل الرواية جنساً أدبياً رفيعاً ومهماً، لأن الرواية أصبحت في الوقت الحاضر تنافس الأعمال الشعرية، ومن هنا فإن النماذج الروائية التي نقرؤها في الوقت الحاضر معظمها تحمل طابع الرمزية، يصعب على القارىء فهمها واستيعاب مضمونها؛ والسؤال ما مدى اقتراب الرواية العربية - بصفة عامة - بالواقع في الوقت الَّذي تعتبر الرواية نسجاً خيالياً أكثر منها نسجاً واقعياً؟
- وأجاب الأستاذ الطيب صالح قائلاً:
- وهذا - أيضاً - سؤال ممتاز؛ من جهة أخرى فهو سؤال يخص الدكاترة ولكن لا بأس من الخوض في هذا البحث، لأن قضية الواقع والخيال والعالم المتخيل قضية كبيرة في الأدب؛ فهناك أناس يقولون لا يوجد واقع أصلاً، لأن الرواية عالم مفتعل ولكن توجد لها صلة من نوع غريب بالواقع؛ ولقد أعجبتني أبيات للحسن بن هاني (غفر الله له) وكتبتها في مقدمة: "مريود" يقول أبو نواس - وهو شاعر كبير وهذا هو الَّذي يهمنا -:
غير أني قائل ما أتاني
من ظنوني مكذب للعيان
آخذ نفسي بتأليف شيءٍ
واحد في اللفظ شَتَّى المعاني
قائمٌ في الوهم حتى إذا ما
رمتُه رمت معمى المكان
 
- ليس هناك أبلغ في رأيي من هذه الأبيات في التصوير، أبو نواس في حكاية فيها ما يشبه الرمز قال:
أديرا علي الكأس تنكشف البلوى
وتلتف روحي طيب رائحة الدنيا
 
- إلى أن يقول:
عقارٌ أبوها الماءُ والكرم أمُّها
وحاضنها حَرُّ الهجيرِ إذا يُحمى
يهودية الانساب مسلمة القُرى
عراقية المغزى شآمية المنشى
مجوسية قد فارقت أهـل دينها
لبغضتها النار التي عندهم تكوى
 
- وتقدم الأستاذ نبيل عبد السلام خياط مدير العلاقات العامة بنادي مكة الثقافي الأدبي بسؤال يقول فيه:
- عندما نبدأ في كتابة قصة فما الَّذي يدعوك للكتابة ولادة الحدث أم وجود الشخصية أم هما معاً؟ وما مدى ارتباط كل من الحدث والشخصية؟
- وأجاب الضيف على السؤال قائلاً:
- هذه حكاية عويصة جداً، وعلى أية حال فإن تجربتي ليست كتجارب غيري من الناس، فالشيء عندي يستمر معي مدة طويلة جداً أحداثاً وأفكاراً وافتراضات أحياناً، ثم يجتمع بعضها إلى بعض، ولكني أحاول أن أنتظر إلى أن تتحول الأحداث إلى مما يشبه الأحلام، ولذلك أنا دائماً أقول: إنني لا أصور الواقع ولا أعرف ما هو الواقع، لأن الواقع معقد إلى درجة أن الإنسان حتى من الناحية الحسابية البحتة يستطيع أن يهمله.
 
- وقدم السؤال الأخير الأستاذ عبد الحميد الدرهلي حيث قال فيه:
- يبدأ المذيع في الإذاعة المرئية والمسموعة في المملكة العربية السعودية بأسعد الله أوقاتكم بكل خير؛ هل المراد في "بكل خير" مقبول أم يتلاءم مع أسعد الله أوقاتكم؟ وأنتم لكم باع طويل في الإعلام والمذياع، هل تبدون رأيكم حيال ذلك مع توجيه النصيحة لتصحيح هذه العبارة إن أمكن؟
- فأجاب الأستاذ الطيب صالح على السؤال بقوله:
- والله أنا أجدها عبارة جميلة، إلاَّ إذا اعترض اللغويون عليها؛ فالخير زيادة في السعادة.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :587  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 101 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.