شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ مشعل السديري ))
ثم تحدث الكاتب المبدع الأستاذ مشعل السديري فقال:
- أيها الأخ الطيب صالح.. أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله..
- أنا لست بناقد ولكني قارئ وكاتب شبه متقاعد؛ يقولون: إن الشعر هو ديوان العرب وهذا صحيح؛ العرب لم يعرفوا الرواية ولا القصة في تاريخهم؛ كل ما عرفوه هو شيء من الترجمات من فارس والهند إلى أن وصلوا إلى ألف ليلة وليلة؛ والواقع أن رسالة الغفران لأبي العلاء المعري كانت هي البداية، ولو أنها لا تمثل رواية ولا قِصة ولكنها كانت إرهاصة؛ يقال: إن أدباء أوروبا استفادوا - مثل دانتي - في الكوميديا الإلهية كما تأثروا بألف ليلة وليلة؛ وبتطلعاتهم وخيالاتهم نحو الشرق بكل ما فيه من خزعبلات.
- أردت أن أصل بسردي هذا خطوة خطوة إلى فارسنا في هذه الليلة؛ مر وقت طويل إلى أن وصلنا إلى حديث ابن هشام للمويلحي؛ وكان مجرد نقل رديء إلى دونكي شوتا؛ والشيء المضحك أن الَّذي كتبه - المويلحي - كان متأثراً فيه بسيرفنتس الَّذي كتب دونكي شوتا؛ وتأثر بحياة العرب وإشكالياتهم، وأنماطهم على نحو معين في الجزائر أو في الأندلس سابقاً؛ بعد ذلك يقال إن زينب التي كتبها محمد حسنين هيكل كانت هي البداية الحقيقية لمولد الرواية؛ وأنا أرى أن هذا مولد متعسر أو خاطىء؛ لأن هيكل في رواياته كان مقتبساً رديئاً أيضاً؛ وظلت كذلك إلى أن وصلت الحرب العالمية الثانية، فكانت البداية الحقيقية للرواية والقصة عموماً.
- وهنا أستطيع أن أذكر ثلاثة فرسان - أو أشخاص - مهمين، منهم توفيق الحكيم، ومنهم: يوسف إدريس، ومنهم: نجيب محفوظ، ولنترك نجيب محفوظ جانباً ونتكلم عن توفيق الحكيم. توفيق الحكيم درس القانون وأراد أن يكون فناناً وتزيى بزي الفنانين، وألف في هذا المجال عودة الروح؛ وسرعان ما رجع على عقبيه لأنه عرف أنه لا يستطيع أن يمشي في هذا المجال، لأن الرواية والشعر - خصوصاً في فنون الإبداع - ليس فيها حل وسط، إما جيد وإما رديء؛ إذا كان هناك وسط في الشعر.. فالوسط والرديء كلاهما إلى صندوق الزبالة؛ الشعر والقصة أو الرواية لا تقبل الحلول الوسط؛ توفيق الحكيم عرف حجمه فاتجه إلى المسرحية الروائية أو الرواية المسرحية وبدأ يكتب في هذا المجال، ومع الأسف أنه طرق عدة أشياء - منها - التعادلية - مثلاً - في الفلسفة؛ وكانت بسيطة جداً وساذجة حجماً وموضوعاً؛ وحتى في حال الإبداع الطليعي - مثل ما يسمونه مسرح العبث - وغيره كتب يا طالع الشجرة؛ وكتب عودة الوعي في وقت وصل فيه من العمر حداً كبيراً؛ وكأنني أتذكر عودة الشيخ إلى صباه، على كل رحمه الله أسهم إسهامات لا بأس بها، ولكن في مجال الرواية والقصة له شأن آخر.
- يوسف إدريس كان نزقاً في حياته وموقفه من نجيب محفوظ - بالنسبة لجائزة نوبل - كان معروفاً. يظل نجيب محفوظ علماً والواقع أنه علم ومؤثر، استطاع واستحق أن يأخذ جائزة نوبل عن جدارة ما بعدها جدارة.
- بعد هؤلاء أتى عدة أشخاص نذكر منهم أربعة أشخاص: "حنا مينا" حينما كتب الياطر؛ وغسان كنفاني، حينما كتب "رجال في الشمس"؛ وعبد الرحمن منيف حينما كتب "مدن الملح"؛ والطيب صالح حينما كتب "موسم الهجرة إلى الشمال"؛ لنترك حنا مينا لأن نهجه يختلف عن نهج الثلاثة الآخرين، ولكن بجميع المقاييس أنا أقول إنَّ الطيب صالح بزهم جميعاً لأنه كتب روايته، وآسف أنا أسحب كلمة روايته لأنها في الواقع ما هي رواية، الطيب صالح كتب القصة الطويلة ولا يعتبر ما كتبه الطيب صالح روايات؛ قد أكون مخطئاً والله أعلم؛ الطيب صالح حينما خرجت قصته "موسم الهجرة إلى الشمال" أتت في وقتها، وكان العرب - فعلاً - في حاجة لأنهم كانوا يعيشون منعطفاً خطيراً، وليس هناك مثقف جاد إلاَّ وأثرت فيه موسم الهجرة إلى الشمال بالذات.
- على كلٍ الطيب صالح في قصة موسم الهجرة إلى الشمال يجعلنا - فعلاً - نتعجب؛ أنا أشبهه بالبركان الهادئ رغم أني لا أعرف الطيب صالح ولم أره إلاَّ مرة واحدة في حياتي في فندق بالرياض بالصدفة التقيته في الصالة، فسلمت عليه دون أن أفتح فمي أو أتكلم وبدون أن أؤشر، كان سلاماً أبكم ورده - أيضاً - كان أبكم؛ هذه الليلة هي أول مرة أراه وأتحدث معه؛ أنا أحببت الطيب صالح من نماذجه التي يكتب فيها، سواء الزين - مثلاً - هذا الرجل العجيب الَّذي لا يشبه أي نموذج، أو مصطفى سعيد، أو ذي الرمة الشاعر المعروف الَّذي بكى وأبكانا، أو كأبي الطيب المتنبي الَّذي أقترح أن تصفقوا معي له.
- الطيب صالح في موسم الهجرة إلى الشمال آسف مصطفى سعيد عشق ثلاث نساء كلهن انتحرن وتزوج الرابعة وقتلها، وسجن وترك بريطانيا ورجع إلى السودان وتزوج حسنة بنت محمود ويقال إنها تمثل السودان، وحصل فيضان وحاول أن ينقذ أهل قريته فغرق ولم تظهر جثته؛ والطيب صالح أراد أن يغرقه في طين أرضه لكي يكون سماداً لها أيضاً؛ أصبحت حسنة بنت محمود أرملة وأراد أهلها أن يجبروها على أن تتزوج ود الريس كان عجوزاً متهالكاً، فرفضت فقتلته وانتحرت؛ كم شخص قتل وكم شخص انتحر، وغرق أكثر من ستة أو سبعة أشخاص - والله أعلم -.
- في هذه البوتقة العجيبة أراد أن يقول لنا الطيب صالح: إن الأرض مهمة؛ وفسر البعض أن الطيب صالح ينتقد الحضارة الغربية، أنا لا أعتقد ذلك لأنه لولا الحضارة الغربية لما ظهرت موسم الهجرة إلى الشمال، ولولا الحضارة الغربية لما وجد بيننا الطيب صالح المتعلم المثقف الَّذي نفخر به، ولما وجد هذا الميكروفون لأتكلم فيه، ولما وجدت هذه الآلات التي تسجل؛ الحضارة الغربية لها مزاياها - طبعاً - ولها سلبياتها - أيضاً - ولكن الطيب صالح لا أعتقد أنه رافض للحضارة الغربية؛ عموما عرس الزين كانت تختلف، أنا أعتبرها مبالغة، كانت رحلة الشمال هجرة إلى الخارج، ورحلة الزين إلى الداخل.
- أنا لا أريد أن أطيل وأتكلم عنها؛ أيضاً أنا آسف أخذت من وقتكم كثيراً، ولو أن الواحد من أجل الطيب صالح مستعد ليتكلم بقدر ما يستطيع؛ عموماً أعتذر مرةً أخرى إذا أطلت وهذه مجرد تحية للرجل الَّذي تمنيت أن أقابله؛ وشكراً.
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :945  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 94 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج