يَا أَبَا الصَّبْر والصَّحَارَى بَلاَءٌ |
وَابْتَلاءٌ والصَّابِرُونَ قَلاَئِلْ |
اللَّيَالِي أَضْمَرْنَ حُبَّك سِرًّا |
أَبَدِيًّا.. بَيْنَ الْجَوَانِحِ مَاثِلْ |
والدَّرَارِي أَتْلعْن نحوكَ أعنْاقَ |
دَلاَلٍ.. عَلَى الْحنُوِّ.. دَلاَئِلْ |
يتَلاَمَحْنَ بِالْبَصِيصِ ـ فَيَهْدينَ |
خُطَاكَ الْمَسْرَى الخَفيَّ ـ ذَوَابلْ |
وَالحَصَا وَالرِّمَالُ عِشْنَ خُدُوداً |
لَكَ بِالمَوطِئِ الرَقِيقِ حَوَافِلْ |
يَتَنَاثَرْنَ غِبْطَةً واختِيَالاً |
بَينَ عَينيْكَ كَالعَذارى جَوَافِلْ |
وَالبُدورُ التي استقامَتْ لِمرْآكَ |
أَفَاضَتْ سِحْراً عليْكَ.. مُماثِلْ |
وتنَاغَتْ ملءَ اللَّيالِي بِمَسْرَاكَ |
فَأَوْحَتْ ما ردَّدتْهُ الأُوائِلْ |
والرُّؤَى والظِّلاَلُ لاَحتْ بِمَسعَاكَ |
شُكُولاً مِنَ الفنُونِ مَوَاثِلْ |
والحَيَا صافحَتْ مُتُونَكَ منهُ |
قَطَرَاتٌ ـ أَو فَاضَ فَوقَكَ وَابِلْ |
والغَوَانِي حِينَ الودَاع تَجَلَّتْ |
واستَقَلَّتْ منْكَ الظُّهُورَ ذَوَاهِلْ |
وَالمُحِبُّونَ بالهوَادجِ هَامُوا |
اَيْنَمَا سِرْتَ بِالهَوادِجِ صَائِلْ |
يَتَواصوْنَ بالعصِيِّ مِنَ الصَّبْر |
ويَبْكُونَ دمنَةً وحوَائِلْ |
والمَغَاوِيرُ شاركُوكَ لدَى الذِّكْر |
فَخَاراً بِطِيبِ ذِكركَ آهِلْ |
والمَغَانِي تَزَوَّدَتْ بِمَغانيكْ |
بِرَوْحَاتِك اسْتَقَمْنَ قَوافِلْ |
والصًّحَارَى دَانَتْ إِليْكَ حزُوناً |
مِلءُ حَصْبَائِهَا جَوىً ومقاتِلْ |
فَتَقَحَّمْتَهَا مغَالِيقَ كَسْونٍ |
وَتَبيَّنْتَها سُرًى ومجاهِلْ |
يَا أَبَا الصَّبْرِ بَكْرَةً وقعُوداً |
وَبَعيراً ـ وَنَاقَةً ـ وَحَوَامِلْ |
عِشْتَ في أَرْضِنَا منَاخَ رجَاءٍ |
ومطَايَا وَبُغْيَةً ومَآمِلْ |
فَتَرَبَّعْتَ في القَديمِ عُروشاً |
بَيْنَ أجدَادِنَا تردُّ الغَوائِلْ |
وَتَمَتَّعْتَ ما تَمَتَّعْتَ بالعَطْفِ |
وبالذِّكْرِ عاطِراً ـ غَيرَ خامِلْ |
يا أَبا الصَّبرِ أَيُّها العَودُ لا صَبْرَ |
فَقدْ غَالَنَا وأَرْضَكَ غائِلْ |
وَتَخَطَّاكَ مُسْتَبيحَ مغانٍ |
لَمْ يَطأها مِنْ قَبْلِ مسعَاهُ واغِلْ |
مِنْ حَدِيدٍ مُفَصَّلٍ ـ وَلَكَ اللَّحمُ قِواماً |
وَالهَبْرُ مِنهُ كَوَاهِلْ |
مِنْ عُقُولٍ مُرَكِّب وَلَكَ العَظْمُ دِعَاماً |
والصُّلْبُ منهُ مَفَاصِلْ |
كلُّ سَيَّارة كَأَن بِهَا الجِنَةُ طَبْعاً |
والذَّارِياتِ.. شَمَائِلْ |
بَعضَ مَا بَيْنَها وَبَينَكَ.. بَوْناً |
أَنَّكَ اليَومَ لِلْمثَالِ مُقَابِلْ |
عِشْتَ مَا عشْتَ، لَم تُقتّل وَلَم |
تَسقْ نُفوساً كأس الردى المتهاطِلْ |
يا أبا الصَّبر مَا العزاءُ ـ وقد عَزَّ بمُغِنيك |
أو مُقِيكَ النَّوَازِل |
جلَّ ما تبتغيهِ في يومِك الشاحب |
يرنو للأمس ريانَ حافلْ |
اَوَ تَهْدَا منك الجوانحُ شبت |
كلَّما زلزلتَكَ قولةُ قائلْ؟ |
بئسَ ما كان للصحارى سفيناً |
أَو هذا.. ما كان زينَ المحاملْ |
أَوَ تَرْقا منك المحاجرُ زاغت |
بين حشدٍ رآك حيرانَ جافلْ؟! |
أَوَ تصفو منكَ المعارفُ غامت |
بين نشء أولاك نظرةَ سائلْ؟! |
قال قومٌ رأوكَ تجفل حيران |
وضراتُك الغزاةُ غوافِلْ |
كَيفَ كُنا.. ما أَعظم العلمَ |
ما أكبر سلطانَه العتيدَ الشامِلْ |
أو هذا الَّذي به نحن كنا |
وعليه فيما نريدُ حمائِلْ؟ |
وتلاغَوا ما بينهمْ بِشتيتٍ |
من أحاديثٍ اهْدرتك شواكلْ |
وتناسوا مكانةَ الحي.. قد عطل |
أصلاً ــ وقوَّةً ـ وشمائلْ |
يا أبا الصبر كيف مرَّت بك الوحدةُ |
أغفى بها السكونُ القاحلْ |
وأثارت لك الشَّجُونَ وأغرت |
بك سَوْطَ الذِّكرى صدىً وهياكلْ |
يا أبا الصبر أيها العَوْدُ والفَرْدُ |
وماضي الصحراء والركبُ حافلْ |
عزَّ ما تبتغيه قد فاتك الركبُ |
وضنَّت بالذكرياتِ المحافلْ |
فاقضِ أيامَك القليلةَ حتى |
تَنْتَهي بعدها سلالةُ زائلْ |