(( كلمة الأستاذ عبد الفتاح أبي مدين ))
|
ثم أعطيت الكلمة للأديب والكاتب المعروف الأستاذ عبد الفتاح أبي مدين، رئيس النادي الأدبي الثقافي بجدة فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم.. |
- قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين.. الحمد لله حمد الشاكرين.. ونصلي ونسلم على رحمة الله للعالمين سيدنا محمد.. وعلى آله وأصحابه.. ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين؛ وبعد: |
- العرب قالت: ما ترك الأوائل للأواخر شيئاً؛ نلتقي في ليلة تعرف بوسمها لا باسمها، للاحتفاء برجل أهل وأهلاً للتكريم؛ وذلك أنه شغل مراكز في وزارة المالية وفي غيرها، ثم مديراً لجامعة الملك سعود أكبر جامعاتنا وأقدمها، وأكبر كثافة طلابية وهيئة تدريس، وأكثر احتواءاً لنماذج من الرجال في هيئة التدريس، - المتميزين بعمق المعارف والثقافة المتعددة الجوانب في مختلف فنون المعرفة - وأوسع مساحة للأعمال الإدارية، وأكثر انتظاماً في برامجها واستقلاليتها، وأقل مشاكل في القياس إلى آفاقها الواسعة ومعطياتها، وما حققته من نجح وتطور ونهضة عريضة، وسمعة ومكانة علمية في عالمنا العربيّ الَّذي حقق لها احتواء العديد من العلماء في مختلف التخصصات، وكذلك أوروبا وأمريكا. |
- فهي صرح علمي مرموق ومتميز، وبعيد الصوت في وسط جامعات العالم العربي؛ ولا أذهب بعيداً إذا قلت إنها سبقت غيرها في نجحها وتطورها، وقد سبقها غيرها زمناً ولكن العبرة لا تقاس على الزمن، وإنما بما يتحقق من رقي علمي ونتائج، من خلال الخريجين والأهداف التي رسمت لتوصل إلى الطموح نحو غاية لا يسعى إليها إلاَّ الجادون المخلصون، الصادقون الطامحون. |
- الدكتور منصور التركي يمثل هذه الأبعاد الجوهرية، لذلك ارتقى بجامعة الملك سعود وقفز بها قفزات رائدة طموحة، لأنه رجل جاد، وطموحٌ، وشجاع، ومخلص، ولولا توفيق الله - وجدّ هذا الرجل النموذجي الَّذي لا يهاب - لما تحقق لهذه الجامعة ما وصلت إليه، والأعمال الناجحة وراءها بعد عون الله (عزَّ وجلّ) صاحب قرار، ولا يتخذ القرار إلاَّ شجاع واع بصير لا يأبه بالمعوقات والمعطلات، والمثبطات، والعرب تقول: "المكان بالمكين" وهذا حق، لأننا نرى مؤسسات مختلفة بعضها مزدهر ومتميز ومتفوق، حقق الأحلام والآمال؛ وأخرى يكتنفها الخمول ويعشش فيها، ولا تستفيد من إمكاناتها وما يتاح لها، وفيها قدرات ولكنها معطلة، لأن قياداتها اثاقلت إلى الأرض، فلا تسعى إلى الحراك ولا تعمل، وبالتالي لا تنجح ولا تريد أن يعمل غيرها. |
- وأنا أرد تلك المقولة النهضوية، التي قالها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين (رحمه الله) في مقدمة أحد كتبه قال: إلى الَّذين يعملون وإلى الَّذين لا يعملون ويسوؤهم أن يعمل غيرهم؛ هذا القصور يؤدي إلى تقصير، هذه النماذج التي تشغل مراكز قيادية في بعض المؤسسات، ويفضي ذلك إلى التعطيل والتأخير والخمول، ولعل بعض مرد ذلك الحرص وفقدان الشجاعة للبقاء على الكرسي وقتاً أطول؛ وفي ظني: أن أجل البقاء محدد في صحيفة الإنسان مع رزقه وأجله وماله، وما عليه لا يزيد ولا ينقص؛ لأن كل شيء عند الله بمقدار، وهو (سبحانه) عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. |
- إذن لا يؤتي الخوف ولا الحرص شيئاً إذا كانا يقودان إلى الجمود والتقصير في النهوض بالواجب والتطلع والرقي، والمعالي في الإنجاز المتفق الَّذي يحسب لفاعله، فالإنسان يحسب له ما يحقق من عمله وتطوير، ويؤدي ذلك إلى نتائج إيجابية تنفع البلاد، وما وجد في هذا المركز إلا ليحقق ما ينفع ويؤدي إلى الرقي، وهو لا ينفق على ما يحقق من جيبه ولا يمن على ما ينتج، لأنه يؤدي واجباً أنيط به أداؤه، فينبغي أن يكون أهلاً لذلك، وإلاَّ فأولى به أن يتخلى عنه إلى غيره من القادرين. |
- ويحسب على الإنسان تقصيره، وخموله، وجموده، وتقاعسه، وتسويفه، وتعطيله، وفي الحديث النبوي الشريف قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه" وفي معنى ما ذهبت إليه قال الدكتور طه - يوم استقبل صديقه الأستاذ توفيق الحكيم عند دخوله لمجمع اللغة العربية بمصر - قال له: "الصديق الأستاذ توفيق الحكيم حسب الناس لك وحسبوا عليك" تعبير مجمل بليغ وواضح وصريح. |
- إنني أشارك في هذا الاحتفاء بالترحيب برجل من خصاله الحميدة الشجاعة؛ واتخاذ القرار والطموح إلى المعالي؛ لأنه يملي مركزه الَّذي يوجد فيه؛ فهو يدرك أن بعنقه أمانة ينبغي أن يؤديها كما يجب، وإذا لم يستطع تخلى عن المنصب؛ ولا يجنح إلى هذا المسلك السويّ الشجاع إلاَّ ذو نفس كبيرة، فيها شمم وإباء، وحرص على العمل؛ الَّذي يوصل إلى الرقي والنهضة الحضارية، لأنه دور القادرين؛ أما النقص فهو عيب في حقهم كما قال أبو الطيب: |
ولم أر في عيوب الناس عيباً |
كنقص القادرين على التمام |
|
|
- أنا سعيد بالاحتفاء برجل يستحق منا التقدير والوفاء، لقاء ما أدى وأنجز وحقق، وقد ركزت على جامعة الملك سعود لأنها صرح علمي يفخر به، ومناط قياس الرؤية الحضارية، والرقي العقلي عند الشعوب المتقدمة؛ وهي تزيد تقدم الشعوب وتطورها، من خلال مؤسساتها العلمية، وفكرها، ونهضتها العلمية، واستقلالية اقتصادها الحر، ثم زراعتها ومواصلاتها وحياتها العامة المختلفة. |
- أرحب مع أخي المفضال الَّذي يحتفي بالرجال ويقدرهم، ويسعى إليهم أن يقبلوا مشكورين هذا الاحتفاء، تقديراً لجهودهم وما عملوا ويعملون؛ إنه لجهد مشكور من المحتفي الكريم بالمحتفى بهم الكرام، في زمن عزّ فيه اللقاء، وندر فيه الاعتراف بالجميل، وقل فيه الوفاء، وذابت فيه المروءة، وانحصر فيه المعروف، ولسان حال الناس: نفسي نفسي، لأننا في آخر الزمان؛ غير أن الحياة لا تعدم الخير وإن قل، فالعاطفة في أمتنا تشع في النفوس الكبار التي أودع فيها خالقها الأدب العالي، الَّذي به ترتقي وتسمو وتعرف، لأنه خلق الكبار. |
- أرحب مع أخي عبد المقصود بالدكتور منصور التركي، وأرحب به كذلك مع هذا الجمع الكريم في جدة الهواء، والجمال، والحب، والحلم..، سعداء بهذا اللقاء على نغم الموج في أريج الحب، والوفاء، والإيثار؛ فحمداً له على فضله ومنه، نسأله جلت قدرته مزيد السداد، ونسأله العفو والعافية؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
|