فرغت كأسه.. فمدّ يديه |
يترجّى من الهباء.. الشرابا |
ومن الريح نسمةً.. وعبيرا |
ومن الصخر.. قطرةً.. وانسيابا |
ومن الخلد.. نفحةً.. وسلاماً |
ومن الله.. رحمةً.. ومتابا! |
الدياجير مطبقات عليه |
ظلّلت رأسه رُؤىً.. وضبابا |
والأماني من خلفها بازغات |
لمعت كوكباً.. ونارت شهابا |
والقوافي حارت على شفتيه |
تَمْتَمَتْها قصائداً.. ورغابا! |
ظامئ.. ينشد الحقيقة نبعاً |
سلسبيلاً.. للروح لذّ وطابا |
ضاق بالوهم في النواظر.. نهلاً |
وبمرآه في البراري سرابا |
ضائع.. ضائع.. تَجَلْبَبَ رأياً |
عدّه الناس فتنةً.. ومعابا |
لا يبالي ما قد يكون.. وما كا |
ن.. فقد حثّ للخلود.. ركابا |
عابراً دربه الطويل مجازاً |
قد تلوَّى.. ووهدةً.. وشِعابا |
قد مشاه مجانباً من لحاه |
وطواه غاباً.. يرود.. وقابا! |
كلما أتعب المسير خطاه |
دقّ باباً ـ على الطريق.. وبابا |
فإذا الناس دونه مستعيذ |
قد توارى.. أو هائب عنه غابا |
ليس يدري بغيره كيف مرّت |
واستمرّت حياته.. أوصابا |
موصداً بابه عليه ـ وقلباً |
حاك من نسجه الصفيق حجابا |
ما صباه كون الجماعة رحباً |
أو شجاه لحن القلوب.. مُذابا! |
فتولى عنهم أسيفا.. وآلى |
أن يصون الطريق ماد احترابا |
مارقاً.. كالشهاب ضاء به الدر |
ب وسيعاً.. مفارقاً.. ورحابا |
مشرفياً.. ما فارق الغِمد إن لا |
ح فقد مسّت الأكفّ الرقابا |
وشقياً بالحب.. يأسره الح |
ب دعاه إلى الغلاب.. غلابا |
قد تحامى المجاز موطئَ سار |
وتحرَّى مسارَه المسترابا |
واحتمى بالوحوش.. يشكو لها النا |
س.. نيوباً نهّاشة.. وذئابا |
يتراءى ظلاً قريباً على البع |
د.. بعيداً بظلّه.. حيث آبا |
وتمطَّى زمانه.. يشتكي الأ |
ين.. ودارت ساعاته أحقابا |
تتوالى به المصائر في الغا |
بة عجلى.. تمايزت أنصابا |
حار فيها الطرف المسهّد ردّت |
ه حسيراً.. في ليلها.. لوّابا |
فاجتوى المعبر المطرّز بالسو |
سن شوكاً.. عاف النّدَى تسكابا |
هام بالناعم الدخيل.. هزاراً |
وجفا الصادح الأصيل.. غرابا |
قد أفاءت صقوره.. تتفلّى |
وتجارت بغاثه.. تتصابى.. |
* * * |
واجتلى الدرب والمسالك شتّى |
طاف غاياتها هواه.. وجابا |
فاستوى واستقام.. واستنفر العز |
م.. وصفَّى من قلبه الأوشابا |
واشتهى الناس.. شهوة السق |
م ما ساغ طعاماً. ولا استلذّ شرابا |
مسلماً للوجود.. ما قد تبقَّى |
من وجودٍ خبا لديه.. وذابا |
ومشى جاهداً طليحاً توارى |
أو تبارى مع الصِّلاد.. صعابا! |
* * * |
قد رأيناه.. ليلة الأمس بالجر |
ف مطلاً للقاع حان مآبا |
فوق أكتافه الذماء تلاشى |
مزوداً جفّ فضلةً.. ووطابا |
وبيمناه من صحائف عمر |
أمسه حال أسطراً وكتابا |
وبعينيه ظلمة ما جلاها |
عنهما اليوم من رجاه.. فخابا |
وبأقدامه تجرّ خطاه |
رجفة الوهن.. جفوةً.. وعذابا |
ملّ عكازه يقيناً تردَّى |
بعد أن ملّ قومه.. والصحابا |
وتدلّت من عارضيه سبال |
تاه فيها العمر القصير.. وشابا |
تلك أسماله.. وما قد حوته |
كل دنياه.. ضلةً.. وتبابا! |
واكتشفناه في الصباح بقايا |
من بقاياه.. أعظماً.. وثيابا |
من حواليه ركعاً عند مثوا |
ه عذارى التاريخ ذُبْنَ انتحابا |
ناشرات غدائر الحزن.. قد جئ |
ن يطوِّفن بالصريع.. احتسابا |
نادبات من كان منهن بالأم |
س حريًّا في أمسه.. أن يُحابى! |
* * * |
.. اليمامات.. والحمائم أسرا |
ب صباه قد أقبلت.. أسرابا |
والعصافير بالقوافي تلاغت |
وتغنّت بشعره آرابا |
والفراشات للأزاهير حنّت |
وتلاقت في ساحه أترابا |
قد تحلّت بيض المعاني.. رضاء |
وتملّت عذب الأماني.. رضابا |
والسعالى والجن ترقص نشوَى |
رقصةَ الموت.. جيئةُ وذهابا |
قد نعتْه لليل.. للّهَبِ الأح |
مر أذكَى بين العروق الطِّلابا |
والطبول المدوِّيات أقضَّت |
في الليالي مضاجعاً.. وقبابا |
هبّ سمّارها خِفافاً لمرثا |
ه ثقالاً بالأمس عنه.. ارتيابا! |
وأسرّت جنية.. تمسح الدم |
ع لأخرى.. هامت به إعجابا |
لا تراعى.. فسوف يبقى على الدر |
ب مضيئاً للسالكيه الشعابا |
سوف يحيا بذكره.. ذكريات |
قد ألاحت بطيفه.. جوّابا |
* * * |
فأشاحت محروقةَ القلب.. تبكي |
ه أنيناً.. وحسرةً.. واكتئابا |
ثم قالت لأختها.. كيف أنسى |
كيف أنساه صاحباً.. ومصابا؟! |
إنه من عرفت مثلي سجايا |
ه فأحببته.. هوى مستجابا |
عاش ما عاش بيننا ضاحكَ الس |
نّ لعوباً.. وشاعراً مطرابا |
يعشق الزهر.. والجداول والعش |
ب.. ويحنو على الطيور.. صحابا |
لم يفرِّق في حبه بين غاوٍ |
ضلَّ درباً.. أو سالكٍ فيه غابا |
إن دعاه تيه الغزالة.. جيداً |
ما دهاه سمُّ الأراقم.. نابا |
ضمّ في قلبه الصغير.. عزيزاً |
وإلى صدره الكبير.. مهابا! |
إنه الناي للرعاة لدى الحق |
ل جناح للنسر يعلو السحابا |
صاحب الكهف والمغارة والقم |
ة.. سوَّى.. ما بينها.. محرابا |
من تحاماه قومه.. حينما قا |
م خطيباً يسفِّه الأربابا |
صنعتها لقومه في دجى الأم |
س حلوم تحارب الألبابا |
من جفوه لأنه داعب الشم |
س مَراداً.. ومسبحاً.. وحجابا |
من رموه بالإفك حين أشاعوا |
أنه يصنع الحروف.. حرابا |
وأذاعوا بأنه هدم البي |
ت عتيقاً.. وحرق الأعتابا |
من دعوه بأنه المارق الآ |
بق عاب العشير.. والأحبابا |
من تغنّوا بشعره إن تغنّى |
في رباب.. أو إن أحب كعابا |
وتجافت جنوبهم إن تصدَّى |
أو تحدَّى قديمهم.. واليبابا |
إن دعا للحوار منهم أريباً |
أو ذكياً.. ما همَّ.. حتى تغابى |
فاستعيدي صفاته.. وأعيدي |
ملءَ سمعي ما قال شَهْداً.. وصابا!! |
فأفاءت من تيهها وأجابت |
بين همس أغفى.. وصوت أنابا |
قد أتانا.. يا أخت بالأمس في الفج |
ر.. عليلاً بفجره.. مرتابا |
ثم أوما للدرب.. واستقبل الأه |
ل أقاموا الدنيا عليه غِضابا |
يذرف الدمعة الغنيّة بالرح |
مة.. سقياً.. وبالحنان انصبابا |
هامساً.. صارخاً.. مشيراً إلى الغ |
يب بطرف جَزَى المسيء.. ثوابا |
قد تأنَّى يرقرق الورد لفظاً |
ويريق الندى عليه.. ملابا |
* * * |
ثم أغضى.. وقال يا أخت ما قا |
ل كلاماً حلو المعاني.. عِذابا!. |
قال في نزعه الأخير.. وقدْ |
رَنَّ صداه مُجلجلاً صخّابا: |
لست في رحلتي الطويلة بالكا |
شف سراً.. ولا المثير عتابا |
حسبي اليوم أنني متّ في الدر |
ب.. غريباً.. وما شكوت اغترابا! |
أنا يا جارتي وديعة صحرا |
ئك... طيفاً قد حام فيك ولابا |
أفتدرين من أكون؟! أنا الح |
ب أنا الفن لا يطيق كذابا |
أنا في أمتى الضحية تترى |
في مدار الأيام تروي العجابا |
أنا فيها منها المثال تناءى |
أو تدانى إلى المنال اقترابا |
والضمير الحيُّ المترجم عنها |
نزعةَ الحيِّ للمعالي وثابا |
رائداً يسلك الطريق جديداً |
ووحيداً قد ضلّ حين أصابا!. |
* * * |
قل لأهلي.. يا دهر: ما كان أحرى |
لو تحرّت بعض العقول الصوابا |
لو أصاخت أسماعها فأعارت |
بعض ما قلت سمعها الهيّابا |
لو أفاضت من القلوب على القل |
ب عزاءً يقرِّب الأنسابا |
طال سؤلِي إلى الزمان ولم أل |
قَ على كرّة الزمان جوابا |
ضيعة العمر لا يضيق بها الح |
رّ متى محّص المدى الأسبابا! |
قل لأهلي.. ناساً دنوت.. ففروا |
ولقومي.. شعباً مدحت ـ فعابا |
قدِّسوني.. أو فالْعنوني.. ولكن |
لا تقولوا: غطَّى التراب.. ترابا |
سوف أبقى رغم الفناء لتبقى |
صورتي فكرة تنير الشعابا |
عند هذا يا أخت ألْوَى وألقَى |
نظراتٍ للحاسرات النِّقابا |
ثم أرخى للموت جفناً.. وأزجى الرّ |
وح.. طيفا مُرفْرفاً وثَّابا.. |
* * * |
هكذا عاش.. هكذا مات في الدر |
ب.. شباباً راد الحياة شبابا |
لمّ أمداءها القصيةَ.. شوطاً |
وطوى الغاية البعيدة.. قابا |
وجلاها لأهله.. وارتضاها |
وارتضاهم لها.. فكانوا عقابا |
إنه قاطع الطريق انتساباً |
عابه قاطع الطريق اكتسابا |
قد رعانا بشعره.. فرعينا |
ه.. مُعافىً من زيفه.. ومُحابى |
وأبحنا له الدروب مشاها |
صاحب الدرب.. صابراً.. أوّابا |
قد عرفناه عابراً مستجيباً |
ودفناه.. شاعراً مستجابا |
وزجرنا عنه الصدى.. رنّ بالقف |
ر صداه مستوحشاً.. عيّابا |
جاهلياً.. قد باء ينعق بالإث |
م نفاقاً.. وبالخطيئة.. عابا.. |
فانثري الورد.. يا حبيبة قلبي |
حول ذكراه.. للورى.. أعقابا |
فلقد عاش للورود.. حبيباً |
مثلما عاش للقلوب.. مثابا! |
* * * |