في دمى ثورةُ الحنين لهيباً |
ليس يُطفيه من عيوني نَميرُ |
وبنفسي لَوَاعجٌ من جَوى الشجوِ على خافقي لظاها يثُور |
واحتراقُ الضلوع في عاصفِ الحب جحيم يشِفُّ عنه الزَّفيرُ |
واشتعالُ الهوى العَتيِّ بأنفاسي قَتَامٌ في الجوِّ منه قَتِيرُ |
* * |
كلما نَاح طائرٌ فوق أَيْكٍ |
كان لي من نُوَاحه تَذْكيرُ |
فترامتْ خوافِقِي أُغنِياتٍ |
من فؤادٍ برَجْعِها مَخْمُورُ |
لحَمى البيتِ عندَ أكرم وادٍ |
غيرِ ذِي الزَّرعِ وهو روضٌ نضيرُ |
للقداساتِ في ذُرَى مَهْبط الفرقانِ للخيرِ وهو فيضٌ وَفيرُ |
* * |
تَرْشُف النفسُ عذْبَه وهو أَشهَى |
من عِذابِ المنى جَلاَها السرورُ |
في النجومِ التي تَدَلَّتُ مصابيحَ، وللغابرِ الوضِيءِ تُشِيرُ |
في الرحابِ التي بها هَمس الصخر وعن سالفٍ بِمَجْدٍ يُنيرُ |
في الروابي التي بها فاضتِ الآياتُ بَارَى النظيمُ فيها النثيرُ |
في الجبالِ الدَّكْناءِ تربِضْ في الخيْف، ومن بينها يلوح ثَبيرُ |
يلثُمُ الشمسَ كلما لاح منها |
مطلعٌ مُشرقٌ، وصبحٌ مُنيرُ |
فَيرينا الضياءُ شيئاً من الماضي أُزِيحَتْ للعينِ عنه السُّتُورُ |
ولواءُ الأمجادِ يخطر خَفَّاقاً، ووجهُ الحياةِ ضَاحٍ زَهِيرُ |
أبداً تَبْسمُ الأماني حَوَالَيْه، ومنها في كلِّ جيلٍ عبيرُ |
في الدروبِ التي بها سارتِ الراياتُ والهُدى للسُّرَى دُسْتُورُ |
في الصَّحَارَى التي بها زَحَفَ الدينُ وَضَوَّى بنُورِه الدّيْجُورُ |
في الرمال التي بها هتفَ النصرُ يباريه جَحْفَلٌ مَنْصُورُ |
في المجالات كلها تنشر النور، ومجلى الضياء فيها البشير |
* * |
الأمينْ الأَمينُ قد ضَمَّه اليتمُ صغيراً فَبرَّ وهُوَ كَبير |
باليتامى وبالمساكين يَأْسُو |
من جراحاتِ بُؤْسهمْ ويجيرُ |
اليتمُ الراعي الشِّياه أَجيراً |
في صباه، وهْو البشيرُ النذيرُ |
والشعاعُ الوضئُ منه منارٌ |
وبلأْلآئِه النُّهى تَسْتَنِيرُ |
سيدٌ مصطَفى إذا قيل عنهُ: |
أكرمُ الخلق فهو مولىً جَدِيرُ |
إجْتَبَاه الذي بَرَاهُ وزَكَّاهُ، فطابَتْ فروعُه والجذورُ |
وَحَبَاه لا صولجَاناً به يزهو، ولا ما بِه عَتِياً يَجُورُ |
بل جلاهُ لكل عينٍ ضياءً |
من أَفانِينِه يَعُبُّ البصيرُ |
وهُدَاهُ لكل قلبٍ مزامير، وفي رجعها الطروبِ الحبورُ |
أحمدٌ أو محمدٌ أو أمينٌ |
هِيَ أسماءُ للجلالِ تُشِيرُ |
مُفْردٌ في كمالِهِ إنْ أَرَدُنا |
دقَّةَ الوصفِ عَاقَنا التقصيرُ |
قد تسامى به الخليلُ انتساباً |
وبواديه لا تَزَالُ البذورُ |
* * |
خيرُ وادٍ به القداسةُ تَخْتَالُ، وفي العُدْوَتَينْ نُوْرٌ ونُورُ |
وهو مَهْوَى النفوسِ يهفو إليهِ |
كلُّ قلبٍ برحبِه يستجيرُ |
كلما هَاجَه أدِّكارُ الخطيئاتِ ونادى محا الخطايا الغفورُ |
وإلى قُدْسِه تُقَاد الضحايَا |
وإِلى رَحْبِهِ تُساقُ النذورُ |
والمحاريبُ في حماه ظِلالٌ |
والقداساتُ في مَداها زُهورُ |
والتسابيحُ بالمهابةِ شدوٌ |
والبشاشاتُ في صَدَاها عُطورُ |
* * |
ورؤَى الأمسٍ في انطلاقِ المسافات عَذَارى يلفُّهُنَّ الحبورُ |
كلها تُسْمِعُ الليالي أَناشيدَ، ومن رجعها يَشِيعُ البكورُ |
والتباشيرُ من سناهُ مدى الدهرِ مصابيحُ مكرُماتٍ تُنيرُ |
بالهدى، والتقى، وبالخيرِ والرشدِ على ضوئها الحياةُ تَسيرُ |
بتعالِيمه التي شادتِ الأمجاد والدينُ حارسٌ وظهيرُ |
بالذي حَكَّمَ العدالةَ في الناس فآخى بها الغَنِيَّ الفقيرُ |
إِذْ أَنال الفقيرَ أسخى عَطاءٍ |
من كريم يجودُ وهو الشَّكُورُ |
فرضُ عينٍ ينالُ منه ثَواباً |
وزكاةٌ كفاؤُها التَّكْفير |
* * |
وعروسٌ تَميسُ في موكبِ الفتنةِ تشدو فَتَسْتَعِيدُ الدهورُ |
نَايُها لايَنِى يُغَرد في الكونِ، ورجعُ الصدى جمالٌ مُثيرُ |
وهو مازال في المرابِع يختالُ فُتُوناً به المجالى تَمُورُ |
* * |
سَرِّحِ الطَرف كيف شِئْتَ لدى البطحاءِ يرجعُ إليكَ وهو قريرُ |
فالصفاءُ الذي يصفِّق بالبشر جلالٌ يهتزُّ منه الشعورُ |
والضياءُ الذي يُغَرِّدُ في الأفقِ جمالٌ يَعُبُّ منه الضميرُ |
والروابي التي بها يَضْحَكُ النُّورُ فراديسُ والخمائلُ حُورُ |
والعروسُ التي تُدِيرُ لنا الصفوَ على حُبِّها فؤادِي أسِيرُ |
أسرتني على هواها القداساتُ وفي فيئها تَمِيسُ العُصُورُ |
وهي غنَّاءُ في مَفَاتِنِها نايٌ صدى لحنِه شَرابٌ طَهُورٌ |
من ينابيعَ بالقداسةِ تهمى |
ونَدَاها ـ مدى الزمانِ ـ غزِيرُ |
أين ذاك الندى؟ وتلك المجالات؟ ولا أين فالنوى مقدور |
* * |
يا عروسي التي بها هتفَ القلبُ، وغنَّى بها الفؤادُ الكسيرُ |
يا عروسَ المنى الطروبَ لمضنىً عاث فيه الشَّجا وعزَّ النصيرُ |
أَسْعفي مِزْهري بأندى الأغارِيد فقد ثَارَ في الحنايا الهجيرُ |
وذَريني أبثُّ في رَجْع لحني زفراتٍ لها بقلبِي هَديرُ |
فشظايا الفؤاد فوق جفونِي قطراتٌ من الدِّماءِ تَفُورُ |
لفَظَتْهَا خوالجٌ دكها الأينُ، ومن مُقْلتي لَظَاها مَطِيرُ |
كان يجري به الحنينُ دموعاً ثم أجراه بالدِّماء الحرورُ |
وندوبُ الجِراح في عمقِ إِحساسي عليها من المآقي نَظِيرُ |
فإذا بالأنين ينثرُ آهاتي عقوداً لها القوافي نُحورُ |
* * |